كتب/ حسن قمبر
ليس هذا خبراً صحافياً لنعي أحد ما أو لنشر التعازي، بل هو الوصف الدقيق لحال ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، إثر ما جنته يده اللتي وقّعت عدّة مراسيم ملكية تُنشئ “غرف الموت” وتشرعن جرائم التعذيب. وهو عنوان تقريرٍ موسّعٍ أطلقته ثلاث منظماتٍ حقوقية بحرينية، عن انتهاكات جهاز الأمن الوطني في البحرين، وهي “معهد الخليج (الفارسي) للديموقراطية وحقوق الإنسان؛ منتدى البحرين لحقوق الإنسان؛ سلام للديموقراطية وحقوق الإنسان”.
هذا التقرير بالفعل أطبق الخناق على مزاعم ملك البحرين عن الأيام الجميلة التي لم يعشها الشعب البحريني بعد، كما قال في أحد خطاباته، ودحض كذبة الإصلاح السياسي التي لا يزال النظام الحاكم يتغنى بها منذ عام 2001، حتى اندلاع شرارة أكبر احتجاجاتٍ سلميةٍ في تاريخ البحرين الحديث في 14 شباط/ فبراير 2011، وسقوط عشرات الضحايا منذ ذلك اليوم حتى مطلع العام الحالي بشتى الوسائل الدموية التي لجأ إليها النظام لقمع المعارضين لسياسته الدكتاتورية، بحسب ما وثقت تقارير المنظمات الحقوقية الدولية.
كذلك وثّق التقرير المحطات التاريخية لجهاز الأمن الوطني في البحرين منذ تأسيسه عام 2002، ونشر أسماء الشخصيات المتعاقبة على إدارته ومسؤوليتهم عن جرائم تعذيب المعتقلين السياسيين، غالبيتهم من أبناء العائلة الحاكمة، بدءاً من أول ضحية تعذيب في الثاني من كانون الأول/ ديسمبر 1976، وهو الشهيد محمد غلوم بوجيري، ومروراً بشهداء حقبة الثمانينيات والتسعينيات، وصولاً إلى شهداء حراك 14 شباط/ فبراير 2011، وبالطبع لا مساءلة قانونية حتى اليوم لهؤلاء المتورطين في هذه الانتهاكات.
على أنقاض ما بناه “مهندس التعذيب” في البحرين ومستشار وزارة الداخلية البحرينية، البريطاني إيان ستيوارت هندرسون، الذي ترأس الإدارة العامة لمباحث أمن الدولة منذ انضمامه إلى الجهاز في 23 نيسان/ أبريل 1966، حتى تنحيته من منصبه في 3 تمّوز/ يوليو 2000، أنشأ ملك البحرين “غرف الموت” كجزءٍ من “مملكة التعذيب” للانتقام من معارضيه السياسيين، الذين وثّقوا آلامهم في تقرير “غرف الموت”، لتبقى أرشيفاً ومرجعاً يتركه بين الاختناق والاحتضار.
مؤسسة “بوليسية”… بستارٍ حقوقي
يستخدم النظام الحاكم في البحرين ذراعاً بوليسية تستتر بالعمل الحقوقي للدفاع عن انتهاكاته وتلميع صورته أمام المجتمع الدولي، وهي المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، التي أقيمت هي أيضاً بمرسومٍ ملكي، والتي لم تنصف أيّاً من ضحايا التعذيب على أيدي عناصر جهاز الأمن الوطني. ووفق مصادر مُطّلعة تحدثت إلى “الأخبار”، فإنّ “وفد المؤسسة الوطنية المشارك في أعمال مجلس حقوق الإنسان في جنيف في الدورات الثلاث طوال العام، يقوم بتسجيل صوتي سري لكل لقاءاته الدبلوماسية مع السفراء وممثلي المنظمات الحقوقية الدولية، وإرسالها لوزارة الداخلية مباشرةً، لمتابعة وقائع هذه اللقاءات بالتفصيل”.
“غرف الموت”
رئيس منظمة “سلام للديموقراطية وحقوق الإنسان” جواد فيروز، يقول في تصريح إلى “الأخبار”، إنّه بعد صدور المرسوم الملكي في كانون الثاني/ يناير 2017، الذي يقضي بتوسعة صلاحيات جهاز الأمن الوطني ومنحه صفة الضبط القضائي، “لوحظ تزايد في وتيرة الانتهاكات الجسيمة والتعذيب الممنهج والاستهداف المباشر من عناصر جهاز الأمن الوطني للعديد من السياسيين والحقوقيين والإعلاميين والمغردين وعموم الناشطين في البحرين”. ويضيف قائلاً إنّ الصلاحيات المعطاة تخالف توصيات اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق. وقد شملت الانتهاكات مداهمة منازل المواطنين واستخدام الذخيرة الحية عند الاعتقال، وممارسة التعذيب الشديد والتحرش الجنسي، إضافة إلى الشتم بالألفاظ النابية أثناء التحقيق والتهديد باستهداف أقارب المعتقلين السياسيين أمنياً، وحرمانهم العمل والخدمات الحكومية، وصولاً إلى الترحيل القسري من البلاد وإسقاط الجنسية.
ويلفت فيروز إلى أن “هذه الانتهاكات مستمرة لعدم إنصاف السلطات في البحرين لضحايا هذه التجاوزات، ولاتخاذها سياسة الإفلات من العقاب منهجية في تعاطيها مع هذه القضايا، وهذا ما يوثقه تقرير غرف الموت الصادر عن المنظمات الثلاث”.
حملة إعلامية لإنقاذ الملك
رئيس “منتدى البحرين لحقوق الإنسان” باقر درويش، يشير بدوره إلى أنّ “النظام البحريني لجأ إلى تدويل الأزمة الحقوقية بعد الفضيحة المُدويّة التي خلفها تقرير غرف الموت المعد من ثلاث منظماتٍ حقوقية بحرينية للتغطية على انتهاكاته”.
ونتيجة للصدى الإعلامي الواسع للتقرير وتداوله في نحو مئة وسيلة إعلامية عربية ودولية، ردّت وزارة الداخلية البحرينية ببيانٍ ركيكٍ يهدد باتخاذ إجراءاتٍ قانونية. وبدلاً من التحقيق في الانتهاكات المذكورة في التقرير، استدعت الأجهزة الأمنية زوج إحدى ضحايا “غرف الموت”
الناشطة الحقوقية البارزة ابتسام الصائغ، فيما عملت الماكينة الإعلامية الرسمية بقيادة العسكري السابق ووزير الإعلام حالياً علي الرميحي، بالإيعاز إلى رؤساء تحرير الصحف وكُتّاب الأعمدة بالبدء في حملةٍ إعلامية مضادة، تنقذ الملك من الاختناق بتقرير “غرف الموت”، وتشمل تفعيل الجيش الإلكتروني في وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لرئيس جهاز الأمن الوطني ومنتسبيه بأنهم “صقور الأمن الوطني”. ويضيف درويش أنّ اللجنة الدائمة لحقوق الإنسان في مجلس النواب البحريني أصدرت بيان إدانة للتقرير، كذلك أُعلِنَ إجراء زيارة رسميةٍ شكليةٍ للمؤسسة الوطنية الملكية للسجون .