المصدر: النهار العربي رستم محمود
مخيم للنازحين في إقليم كردستان العراق.
A+A-رغم حالة الهدوء الأمني السائدة في مختلف مناطق العراق، كانت الأرقام التي أعلنتها وزارة الهجرة والمهجرين العراقية عن أعداد المخيمات والنازحين الداخليين العراقيين في إقليم كردستان لافتة. وتدل الأرقام على “تقاعس” الحكومة المركزية عن تنفيذ تعهداتها بشأن توفير البنية التحتية والتنمية الاقتصادية والأمان المستدام للنازحين في مناطق سكنهم الأساسية، بعدما باتوا يشكلون “متاعب” سياسية وأمنية واقتصادية لحكومة الإقليم التي تعاني بالأساس أزمة اقتصادية متراكمة. أرقام مقلقةوزارة الهجرة والمهجرين كشفت أن ثمة 26 مخيماً في إقليم كردستان، منها 16 في محافظة دهوك و6 في محافظة أربيل و4 في محافظة السليمانية تضم 36 ألف عائلة. تذهب التقديرات الأولية، بحسب متوسط أفراد الأسرة العراقية الواحدة، إلى أنهم يتجاوزون 250 ألف نازح، يضافون إلى قرابة 700 ألف نازح داخلي آخر، من مختلف مناطق العراق، مقيمين في محافظات إقليم كردستان.
غالبية النازحين الداخليين في الإقليم قدموا من محافظات وسط العراق “السُّنية”، الأنبار وصلاح الدين وديالى. كما أن أعداداً موازية لهم نزحت من المناطق ذات الأغلبية الأيزيدية، في منطقة سنجار من محافظة نينوى.
لا أرقام رسمية عن التكلفة التي يتحملها إقليم كردستان باستضافة الأعداد الكبيرة للنازحين الذين يشكلون قرابة 20 في المئة من سكانه. لكن المؤشرات العامة تفيد بأن الموازنة العامة للإقليم تقدم ما يزيد عن 150 مليون دولار شهرياً لقطاعات الخدمات العامة الخاصة بالنازحين. وهؤلاء يحصلون على الكهرباء مجاناً في المخيمات، وشبه مجاني في المدن والبلدات، كما أن الخدمات الصحية والتعليمية موفرة لهم مجاناً بالكامل. وثمة آلاف من أفراد أجهزة الأمن والخدمات البلدية والإدارية لحكومة الإقليم تقدم الخدمات لهؤلاء النازحين. لا خطط لعودة آمنةالسلطات المحلية في الإقليم، إلى جانب جزء من الرأي المحلي فيه، تشكو على الدوام من ترهل الإجراءات التي تقوم بها الحكومة المركزية ومؤسساتها الفرعية لتأمين البيئة الآمنة لعودة النازحين، وفي مختلف المجالات، بالذات الأمنية والاقتصادية. فالحكومة العراقية، وعن طريق وزارة الهجرة، كررت الإعلان خلال السنوات الماضية عن وجود خطط تفصيلية لعودة النازحين إلى مناطقهم الأساسية، إلا أن أعداد العائدين طوعياً يومياً، كما تعلن الوزارة، لا يُستدل منها إمكانية إنهاء هذا الملف خلال السنوات المقبلة. وتفكيك المخيمات “إجبارياً” من قِبل الوزارة، لاقى اعتراضاً شديداً من المقيمين.
الباحثة في الشؤون الاجتماعية الدكتورة مايا أحمد شرحت في حديث إلى “النهار العربي” الأسباب النفسية العميقة التي تمنع مئات الآلاف من النازحين من العودة إلى مناطق سُكناهم الأولى، وقالت: “من واجب السلطات المركزية أن تعرف أن هؤلاء صاروا مُقيمين في المخيمات ومختلف مناطق إقليم كردستان منذ قرابة عشر سنوات، أي طوال جيل كامل من العيش، وتالياً فإن إعادتهم ليست مجرد نقل فيزيائي لمجموعة من السكان، بل هي شكل من “التهجير الجديد”، وخصوصاً أن الأحوال العامة في مختلف المناطق التي نزح منها هؤلاء خاضعة فعلياً ومباشرة لفصائل مسلحة، غير خاضعة بوضوح لسلطة القانون العامة، أمنياً وسياسياً وحتى اقتصادياً واجتماعياً”.
ورأت أحمد أن “المطلوب من السلطة المركزية هو قرار سياسي سيادي، يتعلق بإجراء تغيير جذري في مناطق سكن مئات الآلاف من النازحين، لتكون أكثر جذباً للسكان الذين يشعرون بالأمان ويحصلون على خدمات مجانية في إقليم كردستان. هذا الأمر الذي لو لم يحدث، فمن المتوقع أن يُحدث تأثيراً مستقبلياً غير حميد”.
بين بغداد وأربيلوزير داخلية إقليم كردستان ريبر أحمد كان قد اتهم وزارة الهجرة والمهجرين العراقية المركزية بـ”التعامل غير المسؤول” مع قضية اللاجئين والنازحين في الإقليم، داعياً إياها إلى “التعامل بمهنية” مع هذه المسألة، و”التعاون على أرض الواقع مع حكومة إقليم كردستان”. حكومة الإقليم دشنت في أوائل شهر أيار (مايو) الجاري نظام “النافذة الواحدة”، المختصة بتقديم مختلف أنواع الخدمات للنازحين الداخليين، بتعاون ودعم من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR ودعم مالي من صندوق التنمية الكويتي. وبحسب هذا النظام يمكن لأي نازح أن يحصل على مختلف أنواع الدعم والمساعدات من مختلف الجهات الحكومية والإقليم ومن المنظمات الدولية عبر هذه البوابة الإلكترونية، وستكون هذه المساعدات مؤرشفة في البوابة، لإيجاد توازن و”عدالة” في توزيع هذه المساعدات. لكنها أيضاً تشكل آلية لتحديد حاجاتهم الفصلية والخدمية.