حسن فليح / محلل سياسي
في الوقت الذي تتصاعد فيه التوترات في منطقة الشرق الأوسط، ويتزايد النفوذ الإيراني وبرنامجها النووي، كان من المتوقع أن تحظى هذه القضايا بحصة كبيرة في النقاشات السياسية الأميركية. إلا أن مناظرة دونالد ترامب وكامالا هاريس الأخيرة فشلت في تسليط الضوء على هذه التحديات الدولية الحرجة، وركزت بدلاً من ذلك على القضايا الداخلية التي تهم الناخب الأميركي.
التركيز على الداخل وإهمال الخارج
خلال المناظرة، تناول ترامب وهاريس مواضيع تهم المواطن الأميركي، مثل الاقتصاد، الرعاية الصحية، والهجرة. وبينما تُعد هذه القضايا ضرورية في السياق الداخلي، فإن غياب مناقشة المواضيع الجيوسياسية الأكثر إلحاحاً، مثل النفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة وبرنامجها النووي، يثير قلقًا حول الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط.
لقد كان ترامب، المعروف بمواقفه المتشددة تجاه إيران خلال ولايته الأولى، هو من انسحب من الاتفاق النووي في عام 2018 وفرض سياسة “الضغط الأقصى” على طهران. ولكن في هذه المناظرة، لم يقدم رؤية واضحة حول كيفية التعامل مع التحديات المستمرة التي تمثلها إيران، بما في ذلك دعمها للجماعات المسلحة مثل حزب الله وحماس. كامالا هاريس، من جهتها، لم تقدم بدورها حلولًا جديدة لهذا الملف الحساس، واختارت التركيز على قضايا داخلية أكثر تلامسًا مع اهتمامات الناخبين.
الرسائل الضعيفة للخصوم والمنافسين
إغفال هذه الملفات في مناظرة بهذا الحجم يرسل رسائل ضعف محتملة إلى خصوم الولايات المتحدة الإقليميين، مثل إيران، ومنافسيها العالميين، مثل روسيا والصين. بينما تستغل إيران غياب وضوح السياسة الأميركية لتوسيع نفوذها في العراق، سوريا، ولبنان، قد يفهم خصوم واشنطن هذا التجاهل كإشارة إلى أن الولايات المتحدة لم تعد ترى في الشرق الأوسط أولوية استراتيجية.
النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني المستمر، وتصاعد التوترات بين إسرائيل والفصائل المسلحة مثل حزب الله، لم يكن حاضراً في المناظرة رغم خطورته الإقليمية. هذا التجاهل قد يُفسر على أنه إهمال أميركي للمخاوف الأمنية لحلفائها في المنطقة، ما قد يؤدي إلى تقليص ثقتهم في الالتزام الأميركي بمساعدتهم في مواجهة التهديدات الإيرانية المستمرة.
الملف النووي الإيراني: التحدي الغائب
البرنامج النووي الإيراني يُعتبر من أبرز التهديدات لأمن المنطقة والعالم. بعد انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي، قامت إيران بتقليص التزاماتها النووية، ما زاد من المخاوف بشأن تطويرها سلاحًا نوويًا. ومع ذلك، غاب هذا الملف عن النقاش خلال المناظرة. يبدو أن كلا المرشحين اختارا تجاهل التعقيدات الدبلوماسية لهذا الملف، وهو ما قد يعزز الشكوك حول مدى جديتهم في التعامل معه في حال فوز أحدهما.
التداعيات على مصالح الولايات المتحدة وحلفائها
التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط لا يمكن أن تكون بعيدة عن تأثيراتها المباشرة على الأمن القومي الأميركي. دعم إيران للفصائل المسلحة في اليمن والعراق وسوريا، وتزايد التصعيد بين إسرائيل وحماس وحزب الله، كلها تحديات قد تؤثر بشكل مباشر على المصالح الأميركية في المنطقة. إهمال هذه القضايا في النقاشات الانتخابية يعكس غياب رؤية واضحة لكيفية التعامل مع التحديات المستقبلية.
قد يشعر حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بأن غياب المناقشة الجدية لهذه القضايا يمثل تقاعسًا من قبل الإدارة الأميركية عن التصدي للنفوذ الإيراني المتزايد، ما قد يدفعهم إلى البحث عن تحالفات بديلة أو اتخاذ إجراءات مستقلة لضمان أمنهم القومي.
في حين أن القضايا الداخلية تُعد ذات أهمية كبيرة للناخب الأميركي، فإن تجاهل التحديات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، وخاصة فيما يتعلق بالنفوذ الإيراني والبرنامج النووي، يمثل ثغرة كبيرة في المناظرة. إهمال هذه المواضيع قد يحمل تداعيات خطيرة على السياسة الخارجية للولايات المتحدة ويعزز من شعور خصومها الإقليميين والدوليين بضعف الالتزام الأميركي تجاه قضايا المنطقة الحيوية .