كتب / عبد الخالق الفلاح
تعيش العديد من دول ومجتمعات الشرق الاوسط في حال وظروف عامة يرثي لها، جعلتها متخمة بالأزمات القابل للاشتعال كل منها في أي لحظة، وما يجمع هذه الأزمات، وخصوصًا في الرقعة الممتدة بين شرق المتوسط والخليج وتكاد تكون هي الأسوأ من بين كل دول ومجتمعات العالم ،ولانها لسوء حظها أصبحت المستهدفة بالعنف والتطرف والارهاب اكثر من غيرها ولعلها تنفرد بأهميّة قصوى في حسابات الدول الكـبرى، لما لها مـن أهميّة استراتيجيّة في المشهد السياسي الإقليمي، لما تتمتّع به من غِـنى في مواردها و التنافس على موارد الطاقة هي الاهم وإحدى الغايات الرئيسة للدول الكبرى التي تسعى إلى تأكيد نفوذها والسيطرة عليها لتأمين احتياجاتها من النفط الخام والغاز، في ظل تسارع وتيرة الإنتاج وفي ظل اضطرابات مالية تصيب الاقتصاد العالمي باهتزازات متتالية بين حين واخر، في السباق على حجز مواقع متقدمة في السوق الدولية ، وتشابكت العديد من الأحداث السياسية والاقتصادية والأمنية فيها لتضع شرط تقبل قيادتها السياسية في مهب الريح إذا لم تعد الى رشدها وتلقي بها داخل علامة استفهام كبرى إذا استمرت على هذه الوتيرة ، خاصة بوجود ازمة مختلفة والمجموعات الارهابية مثل ” القاعدة والدولة الإسلامية أو داعش”،وغيرها التي تتبنّى أجندات عابرة للحدود تنبذ فكرة الدولة والحدود القائمة عليها بالكامل ،من القواعد الشريرة وتواجد القوى الغربية في المنطقة تحت ذريعة القضاء على مصادرها وتسعى هذه الدول الداعمة إلى استغلال هذه المجموعات المسلحة لغرض تقوية وضعها و تعزيز مصالحها، وايقاف مسارها كي لا تلجئ إلى هذه الدول بعد ان توسعت في الوقت السابق ولم تبقى منها الا فلول هنا وهناك في الوقت الحالي بعد أن تشرذمت قواها و التي هي كانت قد أعد لها لكي تكون الشماعة التي تتعكز عليها في تواجدها في المنطقة ، في حين تفرعت الخطوط الرئيسية للمشاكل لترتبط بتحركات هذه المجموعات الارهابية وتؤكد تحريكها للأحداث الدائرة هنا تارة وهناك تارة أخرى تشير الى تورط العديد من الدول في المنطقة ورجال السياسية في هذه الأحداث لتحقيق أهداف سياسية في مقدمتها فرض حالة عدم الاستقرار وتغيير مسارات الأعمال السياسية نحو هذه الجهات النافذ لدى تلك القوى الدخيلة في المنطقة.
لا بدّ من إرساء مناخٍ من الحرّية والعدالة في دول الشرق الأوسط وتغيير السياسات الخاطئة التي تهمش ارادة الشعوب وطوي صحيفة الدكتاتوريات . فحماية الامتيازات، وممارسات الفساد، والاحتكارات، وكذلك الخوف من التغيير، يجب أن تُستبدَل كلها بالإدماج والتنافس العادل، ما من شأنه أن يُطلق العنان للإبداع والمجهود الفرديَّين. يمكن الشروع في عملية تدريجية من أجل التقدّم، خصوصًا أن الإصلاحات الاقتصادية والسياسية قد تؤدّي إلى تحسين الثقة بالمؤسسات وبالمستقبل، وتاريخيًا، كان السبب الأساسي خلف ضعف الأداء الاقتصادي في دول منطقة الشرق الأوسط هو انعدام الشجاعة السياسية لدى القادة على الرغم من أن الحاجة إلى التحلّي بالشجاعة لتحقيق التغيير لا زالة ضرورية، ولا شكّ من أن الإصلاحات السياسية قيّمة في حدّ ذاتها، ولم يعد ممكنًا تجنّبها كي تؤدّي دورا أكبر في هذا الصدد. فثمة اصطفافٌ نادر لعناصر قد تكون مؤاتية للتغيير، وتتمثّل في عدم جاذبية الخيارات البديلة عن الإصلاح، وتحسّن آفاق الاستفادة من الإصلاح، والضغوط الخارجية البنّاءة. وفيما سيطرت سياسة النفوذ الغربية ( الامريكية والانكليزية خاصة)على النتائج الاقتصادية منذ حصول دول المنطقة على استقلالها، من الممكن أن تُطلق المعادلات الاقتصادية الجديدة التي بدأت بوادرها أخيرًا، لتحقيق التغيير السياسي التدريجي ، .وهو ما تنطق به كل الشواهد والمؤشرات.. وقد تختلف الدول والقيادات عن بعضها البعض في تشخيص الأسباب التي أوصلتهم إلى ما هي فيه ، وكذلك في تصور وسائل الإنقاذ والعلاج ، فقد يرى البعض أن الديمقراطية السياسية هي الاولوية الاولى ولكن حسب اعتقادي لا يمكن تطبيق ذلك دون وجود ركائز حقيقية لديها وأن التصور فيها الحل الجذري الشامل للكثير من العيوب والأمراض التي تفتك بمجتمعاتها ليست بهذه البساطة ابداً ويجب ان تكون قواعدها قوية واسسها ثابتة وتتناسب مع أفكار وتطلعات المجتمعات التي تنشط فيها عوامل دينية ثابتة ورصينة يجب احترامها، وان كانت هذه الرؤى للظروف الراهنة ما تزال عائقا في طريق تحقيقها ، علي الاقل وفق المديات المناسبة وبالقوة والعمق المطلوبين… ومن ثم سوف تبقى الديمقراطية كمدخل إلى الحل ، قضية مؤجلة الى ان يحين الوقت المناسب ويتوفر المناخ الذي يساعد عليها… تبقي بعدها مداخل أخرى مهمة للغاية ، ولذلك فان التحرك فيها يجب ان يكون بشكل متوازي ومتزامن وذلك بالنظر إلى تشابك تفاعلاتها وتأثيراتها المتبادلة..
وعلى رأس تلك التأثيرات المدخل الاقتصادي بتطبيقاته المفضل والتي هي أكثر ديناميكية ايجابية واوفرها ثمارا لكافة شرائح المجتمع ، في الاقتصاد هو شريان الحياة، وفي حسن إدارته الحل الناجز للكثير من المعضلات الحياتية ، وتاتي المداخل التعليمية والثقافية والاعلامية لثبيت قدرتها ، ولكل مدخل منها متطلباته وأولوياته وآلياته.