منع التبرج في جامعة سامراء يثير مخاوف: احترام لقدسية المدينة أم استهداف للحريات الشخصية؟

3

لم يقف البعض عند حدّ تأييد قرار منع التبرج في جامعة سامراء بالعراق، بل ربطته تعليقات بقضايا العنف التي حصلت بحق النساء في البلاد، إذ علّق حساب عبر مواقع التواصل أن “التبرج واللباس الفاضح” يؤديان في بعض الأحيان إلى نتائج عنف سلبية، منها حوادث قتل النساء التي شهدها العراق في الفترة الأخيرة.
العالم العربي
منع التبرج في جامعة سامراء يثير مخاوف: احترام لقدسية المدينة أم استهداف للحريات الشخصية؟
جامعة سامراء العراقية
“لماذا لا يفصلون طلاب الجامعات الذكور عن الإناث؟ وإذا كانت هناك حاجة لمدرّس ذكر، فليتم الفصل بينه وبين الإناث والحديث معهن عبر مكبّر صوت”.
هكذا علّق ناشط عبر مواقع التواصل الاجتماعي على منشور عن قرار منع “التبرج” داخل جامعة سامراء الحكومية العراقية، وهو قرار أثار غضب ناشطين وحقوقيين عراقيين رأوا فيه انتهاكاً للحريات الشخصية، ومحاولة لفرض التوجهات الدينية في الجامعات العراقية.
وورد في القرار الذي أرسل إلى جميع كليات الجامعة وأقسامها أنه “بناء على توجيهات رئيس جامعة سامراء صباح علاوي خلف، يبدأ قانون منع التبرج داخل الحرم الجامعي احتراماً لمكانة مدينة سامراء وقدسيتها ولوجود مقام الإمامين العسكريين فيها، وحفاظاً على القيم الدينية والأخلاقية التي تمثلها المدينة وتعزيزاً لمكانتها التاريخية”.
مدينة سامراء التاريخية
مؤيدون: يجب تطبيق القرار في كل المؤسسات
ما إن صدر القرار حتى غصّت مواقع التوصل الاجتماعي في العراق بآلاف التعليقات التي تباينت بين تأييد له ورفضه. وأعاد السجال بهذا الشأن التذكير بمحطات عدة برزت خلالها هواجس في أوساط المجتمع المدني العراقي حيال ملف الحريات المدنية، خصوصاً مع تزايد نفوذ الأحزاب الدينية داخل مختلف مواقع الدولة والمؤسسات على اختلافها.
ومن التعليقات المؤيدة برزت صفحة باسم “إكسير الحكمة”، تعرّف نفسها بأنها مجموعة مستقلّة مشروعها “ترويج مذهب أهل البيت والدفاع عنه وعن المرجعية الدينية”، ونشرت بيان القرار الرسمي على موقع إنستغرام مرفقة إياه بنص جاء فيه: “إنّ إجراء جامعة سامراء بمنع التبرّج في محله، بل هو المفروض من جميع الجامعات، حتى لو غضضنا النظر عن المقدسات. فهل الجامعة للتعلُّم أو لاستعراض المفاتن أمام الرجال ونزع الحياء؟ إنّ بعض الجامعات ما عادت جامعات، وإذا لم يتم تلافي هذه المشكلة، فسوف تلقي بظلالها ومضاعفاتها على الأسرة والمجتمع تربوياً وأخلاقياً، بل حتى على المستوى العلمي”.
على الفور، علّق كثيرون على المنشور مطالبين بتطبيق القرار في كل جامعات العراق. ورحّب البعض الآخر بـ”شجاعة إدارة الجامعة” التي تعمل على “محاربة الملابس التي تظهر المفاتن”. وكتب أحدهم: “القرار جيد جداً، فالجامعات في العراق أصبحت مليئة بالمظاهر التي لا أستطيع الحديث عنها حتى”.
ومن الأصوات المؤيدة للقرار كان الدكتور ثائر الجبوري من جامعة سامراء، الذي اعتبر في حديث لـ”النهار” أن هذا القرار “ضروري جداً وقانوني أيضاً، فهو يتبع تعليمات وزارة التربية والتعليم العالي في العراق بخصوص الزي الموحد للطلبة في الجامعات، وهي صادرة قبل عام 2000 ضمن قانون يسمى بقانون انضباط الطلبة، ويتضمن بنداً حول التقيد بالزي الموحد المقرر للطلبة، على أن تراعى خصوصية كل جامعة أو هيئة على حدة”.
وتابع: “نحن نحترم الحريات الشخصية للطلبة ولكل إنسان عراقي، إلا أننا ضد المبالغة في التبرج مراعاة لقدسية المدينة التي تقع فيها الجامعة، وتضم مقامات دينية عدة تابعة للطائفتين الشيعية والسنية”.
رئيس الجامعة: مغالاة في الأزياء والاكسسورات وقصّات الشعر
ولم يقف البعض عند حدّ تأييد القرار، بل ربطته تعليقات بقضايا العنف التي حصلت بحق النساء في العراق، إذ علّق حساب عبر مواقع التواصل أن “التبرج واللباس الفاضح” يؤديان في بعض الأحيان إلى نتائج عنف سلبية، منها حوادث قتل النساء التي شهدها العراق في الفترة الأخيرة.
وأضاف الحساب أن “رجلاً قتل حبيبته بسبب الاختلاط، ولولا الانفتاح الزائد عن حده في المجتمع لما تعرّض لها”.
وعن الأسباب التي دفعت الجامعة لاتخاذ هذا القرار، قال رئيس الجامعة الدكتور صباح علاوي السامرائي في حديثه لـ”النهار”: “لوحظ في الآونة الأخيرة أن طلبة الجامعة من ذكور وإناث بدأوا يتنافسون بينهم بطريقة وصلت حد المغالاة في الأزياء والاكسسورات وقصّات الشعر، الأمر الذي بدأ يؤثر على مستواهم العلمي، وانشغالهم بما يرتدون أكثر من اهتمامهم بالدراسة العلمية؛ فكان لا بد من أن تتخذ الجامعة خطوة لإعادة الطلبة إلى رشدهم”، مضيفاً أن بعض الشكاوى الشفهية، وإحداها ورقية وردت من عدد من أعضاء الطاقم التدريسي عبروا بها عن انزعاجهم مما يرتديه الطلبة وكمية الاكسسوارات.
في آلية تنفيذ آلية القرار، تعرّف الجامعة أولاً “التبرج” بأنه الزينة المبالغ بها بشكل كبير، والمعايير المحددة للطلبة تتضمن ارتداء الزي الرسمي بالألوان المحددة، أما مخالفتها تكون بأزياء تفضح أجزاء من الجسم أو تكون ضيقة بطريقة مغرية ومشتتة للانتباه.
معارضون: القرار مرفوض
يقابل هذا التأييد للقرار معارضون له، بينهم “اتحاد الطلبة العام في جمهورية العراق”. وقال سكرتير الاتحاد أيوب عبد الحسين في حديث لـ”النهار” إنه “قرار مرفوض ومخيب للآمال، لما يمثله من انتهاك صارخ للحريات الشخصية للطالبات. هذا القرار يأتي في سياق جنوح إسلامي للدولة، و يعكس توجهاً أيديولوجياً متشدداً، يتجاهل التنوع الفكري والثقافي داخل المجتمع الجامعي، ويعارض القيم التي يجب أن تقوم عليها المؤسسات الأكاديمية من احترام للحريات الفردية وحق الاختلاف”.
كذلك دانت منصة “هي ثورة” عبر إنستغرام القرار، وعنونت منشورها متهكمة: “لباس الطالبات الشاغل الفكري الأول والأخير، به تبنى الجامعات وترتقي”.
وسخر المنشور من القرار بالقول إن الجامعات العراقية ترفع شعار “لا للرصانة العلمية… نعم لقدسية المكان”، مؤكدا أنها “ليست المرة الأولى التي تتنافس فيها جامعات عراقية على فرض تعليمات متشددة أبوياً على لباس الطالبات، إنما أصبحت موضة”، ما اعتبرته “تنازلاً عن حق أساسي وهو حق حرية الاختيار”.
وردّ السامرائي على الانتقادات الشديدة عبر مواقع التواصل بقوله إن “القرار هو إجراء داخلي، ونشره على وسائل التواصل الاجتماعي كان باجتهادات شخصية، وفُسّر بطريقة خاطئة، إذ لم تشرع الجامعة بمحاسبة المكياج أو الاكسسورات البسيطة، إنما المبالغة بها، والإجراء سيكون عبر التوجيه. وأما القرارات الخاصة بأي عقوبات مفترضة، فإنها من صلاحيات الوزارة، ولها توجيهات في هذا الصدد ولا يخضع الأمر لاجتهادات الجامعة”.
وأضاف: “نعتقد أن الحد من وتيرة مبارزة الأزياء بين الطلبة سيفسح في المجال أمام انشغالهم بدراستهم العلمية. وبحسب استطلاعات الرأي فإن الغالبية العظمى من الطلبة والمنتسبين يؤيدون هذا التوجيه التربوي، انطلاقاً من سعي جامعة سامراء إلى تحصيل تصنيفاتٍ محلية متقدمة جداً، إضافة إلى العالمية التي تريد أن تتقدم بها أكثر عن طريق زيادة الأبحاث العلمية المجدية”.
لكن عبد الحسين لفت إلى أن قرار جامعة سامراء ليس معزولاً عملياً عن نهج عام للتعاطي مع العديد من الملفات ذات العلاقة بالحريات المدنية. ويذكّر في هذا السياق بسلسلة قرارات مثيرة للجدل في جامعات العراق، قائلا: “نعبّر في اتحاد الطلبة العام عن إدانتنا الشديدة لهذا القرار، إلى جانب القرارات المشابهة التي أصدرتها جامعات حكومية وأهلية عدة في بداية هذا العام الدراسي. هذه الإجراءات تعد دخيلة على الأعراف الأكاديمية العراقية التي لطالما عُرفت بالاعتدال والوسطية. وهي ليست سوى محاولة لفرض نمط فكري أحادي يتماشى مع رغبة وأفكار القوى النافذة بالعراق، مما يؤدي إلى قمع الهويات الفردية وفرض هوية أيديولوجية ضيقة على الجميع”.
وأضاف: “هذا القرار يأتي ضمن سلسلة ممنهجة من الإجراءات والقرارات التي تستهدف الحريات الطلابية والأكاديمية، من منع نشاط اتحاد الطلبة داخل الجامعات، مروراً بقرارات الفصل التعسفي للطلبة بسبب آرائهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ومنع إقامة الفعاليات الطلابية، وإجبارهم على التوقيع على تعهدات بعدم مناقشة القضايا السياسية. والآن، يأتي هذا القرار ليمتد إلى التدخل في طبيعة ملابسهم ومظهرهم، مما يزيد من القيود المفروضة على الحريات داخل الحرم الجامعي”.
ورأى عبد الحسين أن “العملية التعليمية في العراق تعاني من أزمة بنيوية حقيقية تهدد مستقبلها، بدءاً من تدهور البنية التحتية للجامعات، ومروراً بتقادم المناهج الدراسية، وانتهاءً بعدم ملاءمة اختصاصات التعليم مع متطلبات سوق العمل وتخريج جيش من العاطلين سنوياً. كان من الأجدر بالمسؤولين توجيه جهودهم لمعالجة هذه الأزمات التي تعرقل تقدم التعليم بدلاً من الانشغال بمراقبة مظهر الطلبة وزينتهم”.
وفي الحديث عن الجدل العام الذي أثاره القرار بين الطلبة، قال: “أثار هذا القرار استياءً واسعاً بين الطلبة، وما يزيد من حدة الغضب هو الأساليب المخزية والمهينة التي تُستخدم في تطبيقه. نطالب بإلغاء هذا القرار فوراً والالتفات إلى القضايا الجدية التي تواجه قطاع التعليم في العراق، وضمان احترام الحريات الأكاديمية والشخصية لجميع الطلبة”.
ومن بين الأصوات المعارضة للقرار ايضا، “جمعية حقوق المرأة العراقية”، ومركزها في الدنمارك، وقد عبّرت عن انتقادها الشديد لـ”ديكتاتورية” القرار، مؤكّدة أنه “أثار موجة من الانتقادات، حيث نعتبره تقييداً للحريات الشخصية وتهميشاً لإرادة النساء في العراق”.
وقالت: “سامراء مدينة حضارية، ولذلك نرفض خطوة الدكتاتورية الدينية ونرفض الفرض القسري لقيم دينية تحت غطاء القدسية، بينما تُعاني البلاد من فساد وسرقة مواردها تحت شعارات دينية. القرار يعكس الجدل المستمر في العراق حول التوازن بين القيم الدينية والحريات الشخصية، وسط دعوات متزايدة لاحترام حقوق المرأة في اختيار أسلوب حياتها دون ضغوط أو تقييد”.
قرارات “مثيرة للجدل”
عام 2023، أصدرت وزارة التعليم تعميماً إلى المؤسسات المرتبطة بها يقضي بمنع اتحاد الطلبة العام الذي تأسّس في نيسان عام 1948، من العمل في الجامعات، بعد مشاركته في الاحتجاجات الوطنية ودوره
في تغيير قرارات عدة في الجامعات أو قرارات حكومية، وهو ما أثار قلقاً بالغاً في الأوساط الحقوقية آنذاك.
وبعد مشاركة مجموعة كبيرة من الطلاب في احتجاجات تشرين عام 2019، اتخذت جامعة عراقية إجراءات، منها إجبار الطلاب على توقيع استمارات يتعهدون فيها عدم الحديث في السياسة داخل الجامعة “بهدف الحفاظ على بيئة تعليمية هادئة ومستقرة”، لكنها أثارت تساؤلات بشأن مدى توافقها مع الدستور العراقي وحقوق الطلاب في التعبير عن آرائهم.
يُختتم الجدل الدائر بشأن منع التبرج في جامعات عراقية بسلسلة من التساؤلات والتحديات التي تُلقي بظلالها على مستقبل الحريات الشخصية والتعليم العالي في البلاد. فبين مؤيد يرى في القرار صوناً للقيم والأخلاق والرصانة الأكاديمية، ومعارض يعتبره تعدياً على الحريات الفردية، يتضح أن القضية تتجاوز مجرد مسألة “التبرج” لتطرح إشكالية أعمق تتعلق بمسألة احترام الحريات الشخصية وواقعية تطبيقها.

التعليقات معطلة.