نقاشات مستمرة بين المستثمرين حول تأثير المرشح الجمهوري أم الإيجابية الاقتصادية
بدأت بعض زوايا الأسواق المالية، التي قد تتأثر بفوز الرئيس السابق دونالد ترمب، في التحرك من جديد مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، حيث يتبقى أقل من ثلاثة أسابيع على يوم الاقتراع. وشهدت أصول تتراوح بين الأسهم الصغيرة والبتكوين ارتفاعاً في الأسابيع الأخيرة، بينما تراجع البيزو المكسيكي وسندات الخزانة، مع إظهار الاستطلاعات سباقاً محموماً بين المرشح الجمهوري ترمب وخصمته الديمقراطية، نائبة الرئيس كامالا هاريس.
وتعكس هذه التحركات ما يُعرف بـ «تداولات ترمب» التي حصلت في وقت سابق من هذا العام عندما كان ترمب يتقدم على الرئيس جو بايدن، لكن تلك المكاسب تراجعت بعد انسحاب بايدن. وأظهر استطلاع حديث من «رويترز/إبسوس» أن هاريس تتقدم على ترمب بفارق ضئيل، حيث حصلت على 45 في المائة مقابل 42 في المائة لترمب، ما يدل على سباق أكثر تقارباً مقارنةً بنتائج استطلاعات سابقة.
وحقق ترمب تقدماً في أسواق التوقعات الإلكترونية مثل «بريديكت» و «بولي ماركت». ومع ذلك، يحذر المستثمرون من صعوبة ربط تحركات الاستثمار بترمب هذه المرة، حيث يمكن أيضاً ربط كثير من هذه التحركات بالتفاؤل الاقتصادي المتزايد، عقب صدور تقرير قوي عن الوظائف في الولايات المتحدة الشهر الجاري، وخفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في الشهر الماضي.
وقال ستيف سوسنيك، كبير الاستراتيجيين في «إنتراكتيف بروكرز» يمكن أن يكون جزء من هذا التحسن نتيجة لتقدم ترمب في الأسواق التنبؤية». لكنه أضاف: «بفضل البيانات الاقتصادية القوية، من الصعب للغاية فصل السبب عن النتيجة، ناهيك عن فصل الأسباب المختلفة».
ومن بين أكبر الرابحين، أسهم «مجموعة ترمب للإعلام والتكنولوجيا»، التي تتبع بشكل كبير حظوظ ترمب في الاستطلاعات. وشهدت الأسهم ارتفاعاً يزيد على 140 في المائة منذ 23 سبتمبر (أيلول). وأضاف سوسنيك: «هذا هو الاستثمار الأكثر ارتباطاً بفرص فوز ترمب في الانتخابات».
ومن بين المستفيدين الآخرين شركات تشغيل السجون الخاصة، مثل «مجموعة جيو» و«كورسيفيك»، حيث ارتفعت أسهمهما بنسبة 18 و10 في المائة على التوالي هذا الشهر. وقد وعد ترمب بالتشديد على مكافحة الهجرة غير الشرعية، مما قد يعزز الطلب على مراكز الاحتجاز.
وارتفع مؤشر «راسل 2000»، الذي يركز على الشركات الصغيرة، بنسبة 4 في المائة منذ 10 أكتوبر (تشرين الأول)، ويتداول بالقرب من أعلى مستوياته منذ أواخر 2021. وتُعزز توقعات ترمب للحفاظ على الضرائب منخفضة وتقليل اللوائح أسهم الشركات الصغيرة، رغم أن المحللين يعتقدون أنها تستفيد أيضاً من الثقة المتزايدة في الاقتصاد.
وفي أسواق العملات الأجنبية، تُظهر «تداولات ترمب» انعكاس الدولار مقابل مجموعة من العملات، خاصة البيزو المكسيكي، وفقاً لاستراتيجيين. ويُعتبر البيزو ضعيفاً أمام التعريفات الجمركية الجديدة التي يخطط ترمب لفرضها، حيث انخفض بنسبة 4 في المائة منذ ذروته في سبتمبر. كما انخفض مؤشر «إم إس سي آي» للعملات اللاتينية الأميركية بأكثر من 3 في المائة خلال تلك الفترة.
وقال كبير استراتيجيي السوق في شركة المدفوعات «كورباي» في تورنتو، كارل شاموتا: «لقد تزايدت التقلبات الضمنية في زوج الدولار والبيزو تماشياً مع مكاسب ترمب في أسواق المراهنات». وصرح ترمب مؤخراً بأنه سيقوم بفرض تعريفات جمركية تصل إلى 200 في المائة على السيارات المستوردة من المكسيك.
وتُعتبر سياسات ترمب الاقتصادية صديقة للنمو ومحفزة للتضخم، وهما عاملان قد يترجمان إلى زيادة في عوائد سندات الخزانة، التي تتحرك عكسياً مع أسعار السندات، وقوة الدولار. فقد أعرب خبراء الاقتصاد عن مخاوفهم من أن الخطة الاقتصادية التي وضعها ترمب قد تعيد إشعال التضخم، الذي انخفض بشكل حاد منذ أن بلغ ذروته خلال جائحة «كوفيد-19».
وارتفع مؤشر الدولار، الذي يقيس قوة العملة الأميركية مقابل ست عملات رئيسية، بأكثر من 3 في المائة منذ أواخر سبتمبر، حيث يقوم المستثمرون بتسعير توقعات لمسار أقل حدة لتخفيضات أسعار الفائدة. ومع ذلك، يمكن أن تكون بعض مكاسب الدولار مرتبطة بالثقة المتزايدة في فوز ترمب، كما كتب تييري ويزمان، استراتيجي العملات والفائدة العالمية في «ماكواري».
ويبدو أن تحسن فرص ترمب، الذي وضع نفسه كمؤيد للعملات المشفرة، يدعم عملة البتكوين. وارتفعت أكبر عملة مشفرة في العالم بنسبة 12 في المائة منذ 10 أكتوبر، وهو الارتفاع الذي يعزوه شون فاريل، رئيس استراتيجية الأصول الرقمية في شركة «فندترست غلوبال أدفايسرز» إلى الثقة المتزايدة في فوز ترمب.
وقال شون فاريل: «إذا فاز ترمب بولاية ثانية، فإن المخاطر التنظيمية المرتبطة بالعملات المشفرة قد تتقلص بشكل كبير، وسيتعين على المستثمرين تسعير احتمال، وإن كان ضئيلاً، أن تعتمد الحكومة احتياطيات استراتيجية من البتكوين».
وفي أسواق السندات الحكومية، يعتقد بعض المستثمرين أن تحسن موقف ترمب ساهم في ارتفاع العلاوة على العائدات طويلة الأجل، وهو مقياس للتعويض الذي يطلبه المستثمرون لحيازة ديون حكومية طويلة الأجل، بسبب المخاوف من أن مقترحات ترمب لخفض الضرائب قد تزيد من عجز الموازنة. وسجل مؤشر العلاوة التابع لبنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك ارتفاعاً إيجابياً الأسبوع الماضي لأول مرة منذ يوليو (تموز). وجاء ذلك في ظل ارتفاع واسع في عوائد سندات الخزانة.
وقال مدير المحفظة ورئيس فريق الإدارة في شركة «لوميس سايلز آند كومباني»، مات إيغان، إن جزءاً من هذه الخطوة مدفوع بتوقعات فوز ترمب.
ومع ذلك، لا يعتقد الجميع أن هذه التحركات في الأسواق هي رهانات على فوز ترمب. وقال استراتيجي الاقتصاد الكلي العالمي في مجموعة «كارسن»، سونو فارغيز: «أعتقد أن نتائج الانتخابات لا تزال غير مؤكدة إلى حد كبير». وأضاف: «القصة هي في الحقيقة عن نمو اقتصادي أقوى واحتياطي فيدرالي داعم».