من المقاومة إلى المبرر… كيف أنهت حماس مهمتها؟

5

 

 

على مدى عقود، شكّل الصراع العربي الإسرائيلي بُعداً وطنياً وقومياً جامعاً، عنوانه الأرض والتحرير والحقوق المغتصبة. ومع ذلك، شهد هذا الصراع تحولات حاسمة أفرغت القضية تدريجياً من جوهرها الوطني. بعد اتفاقيات أوسلو، وتصاعد التيارات الإسلامية ، ظهرت حركة “حماس” لتكون قوة سياسية وعسكرية مؤثرة، لكنها لم تخلُ من أبعاد مشبوهة بالنسبة للفلسطينيين والعرب. لقد حولت الحركة الصراع من صراع تحرري قومي إلى صراع ديني ومذهبي، ما أسهم في تفكيك الوحدة الوطنية الفلسطينية، ومكّن إسرائيل من استثمار الانقسامات لتحقيق أهدافها الاستراتيجية.

حماس… المهمة المشبوهة

منذ تأسيسها في أواخر الثمانينيات، اتُهمت حماس بأنها “صناعة إسرائيلية” هدفها الأساسي شق الصف الفلسطيني وإضعاف منظمة التحرير. لم تكن مهمتها فقط المقاومة المسلحة، بل أيضاً إدخال البُعد الديني في الصراع، لتقويض البُعد الوطني الجامع الذي وحد الفلسطينيين لعقود . خلال سنوات، نجحت الحركة في تأجيج الانقسام الداخلي، مما أدى إلى تآكل المشروع الوطني، وتحويل القضية الفلسطينية إلى صراع محدد الأطر، يمكن لإسرائيل التحكم في مساره بسهولة .

7 أكتوبر… الذروة والنهاية

أحداث 7 أكتوبر كشفت حقيقة الدور الذي لعبته حماس على الأرض. ما بدا وكأنه “ضربة مقاومة مفاجئة” تحوّل سريعاً إلى المبرر الذهبي لتل أبيب لتدمير البنية الوطنية الفلسطينية في غزة. بدعم أمريكي كامل، تمكنت إسرائيل من استخدام الحدث لتفكيك ما تبقى من التلاحم الوطني الفلسطيني، وفرض قواعد جديدة على المشهد الإقليمي. لقد تحوّلت حماس من “رمز المقاومة” إلى ذريعة للتدمير، وظهرت نتائج سياساتها وتاريخها بوضوح أمام الفلسطينيين والعرب.

معادلة الخيارين

النجاح الاستراتيجي لإسرائيل تمثل في وضع حماس أمام خيارين لا يختلف أحدهما عن الآخر في النتيجة:

الرضوخ لشروط تل أبيب وواشنطن تحت غطاء التسويات المفروضة.

مواجهة دمار شامل يلتهم غزة ويترك الفلسطينيين بلا مستقبل واضح.

في كلتا الحالتين، النتيجة واحدة: انتصار إسرائيل، وخسارة الفلسطينيين. هذه المعادلة الذكية صممت لإخضاع الفلسطينيين وإضعاف أي قدرة على مقاومة المشروع الإسرائيلي المستمر منذ عقود.

 

نهاية المهمة وبداية أخطر

موافقة حماس الضمنية أو العلنية على ما كانت ترفضه طوال عقود لا تعني مجرد تحوّل سياسي للحركة، بل إعلان نهاية مهمتها المشبوهة:

شق الصف الفلسطيني.

إدخال البُعد الديني على حساب البُعد الوطني.

توفير المبرر لتل أبيب لتدمير التلاحم الوطني والقومي.

النتيجة الآن واضحة: انتهت “المهمة المشبوهة” لحماس، لكن الأخطر أن إسرائيل استطاعت، بدعم أمريكي كامل، وضع الفلسطينيين والعرب أمام معادلة قاسية لا تسمح بخيار ثالث. 7 أكتوبر لم يكن بداية جديدة للمقاومة، بل لحظة تاريخية تكشف عن نهاية مرحلة كاملة من الصراع. مرحلة صُنعت لتُختم بمأساة فلسطينية واضحة: خياران أمام الفلسطينيين متشابهان في نتيجتهما، كلاهما هزيمة وانكسار، بينما تبقى إسرائيل الرابح الأكبر .

في النهاية، التاريخ سيذكر أن حماس، بما لعبته من دور، لم تعد رمز مقاومة، بل مبرر لتصفية البعد الوطني للقضية الفلسطينية، وأن ما تبقى من الأرض والهوية الوطنية للفلسطينيين أصبح رهينة للمعادلات الدولية والإقليمية التي صاغتها تل أبيب وواشنطن، ولم يعد خيار المقاومة كما كان في السابق .

التعليقات معطلة.