شكّلت العلاقة بين الولايات المتحدة والغرب من جهة، والعالم العربي من جهة أخرى، محورًا معقدًا تتداخل فيه المصالح بالتحفظات، والتحالفات بالخيبات. ومع مرور الزمن، برز سؤال ملحّ: لماذا أصبح واضحًا أن واشنطن وحلفاءها يفضلون إيران، بكل خصوماتها الظاهرة، على العرب؟ الإجابة تتطلب قراءة عميقة في التاريخ والسياسة معًا.
البداية: إرث السبعينيات والتحول الكبير
في عام 1979، حين دعمت الولايات المتحدة وحلفاؤها صعود الخميني إلى السلطة في إيران، بدا للكثيرين أن العالم يتغير بطرق غير متوقعة. الإطاحة بالشاه، الحليف التقليدي للغرب، ثم دعم بديل ديني راديكالي، أثار تساؤلات عديدة. الحقيقة أن واشنطن لم تكن ترى في الخمينية مجرد تهديد، بل فرصة لإعادة صياغة توازن القوى الإقليمي، بحيث تُستنزف طاقات العرب بين صراعات قومية ودينية لا تنتهي.
منذ ذلك الحين، أصبحت إيران أداة وظيفية في استراتيجية “احتواء العرب”، خاصة بعد نكسة المشروع القومي العربي، وصعود تيارات الإسلام السياسي التي تم ترويض بعضها، بينما تُرك لبعضها الآخر أن ينفلت ضمن حدود مدروسة.
ماذا قدمت إيران للغرب ولم يقدمه العرب؟
رغم الخطاب العدائي المعلن، خدمت إيران في حالات كثيرة مصالح الغرب بشكل غير مباشر، عبر:
تفتيت الجوار العربي: بدعم مليشيات مذهبية أدت إلى إضعاف الدول العربية القومية.
استنزاف الطاقة العربية: عبر خلق حروب بالوكالة في العراق، سوريا، واليمن، استنزفت الموارد العربية البشرية والمادية.
خلق ذريعة للوجود العسكري الغربي: ظلّ الخطر الإيراني الدائم ذريعة مثالية لاستمرار القواعد العسكرية الأميركية والغربية في الخليج والمنطقة.
في المقابل، فشل العالم العربي في تقديم نموذج موحد أو مشروع مستقر يخدم مصالحه ومصالح الغرب معًا، ما جعل من إيران “الشريك الفوضوي المفيد”، في حين بقي العرب “الحليف المربك والمتردد”.
أخطاء عربية ساعدت إيران
لم تكن إيران وحدها من نسج هذا المشهد، بل أسهمت بعض السياسات العربية في تكريسه، عبر:
غياب الرؤية الاستراتيجية الجماعية.
التعامل الفردي مع القوى الكبرى دون تنسيق.
تحويل القضايا المصيرية، كفلسطين والعراق، إلى ملفات مساومة بدل أن تكون قضايا مركزية جامعة.
الاعتماد المفرط على التحالفات الخارجية بدل بناء قوة ذاتية مستقلة.
الوضع اليوم: مراجعة أم استمرار؟
اليوم، تغيرت بعض المعادلات مع تصاعد خطر إيران على المصالح الغربية نفسها، خاصة مع تقاربها مع روسيا والصين، ومع تهديدها المباشر لأمن إسرائيل ودول الخليج. ومع ذلك، لا تزال بقايا المعادلة القديمة قائمة: “إيران مفيدة للفوضى المنظمة التي تخدم المصالح الكبرى”، بينما أي مشروع عربي قوي ومستقر قد يُنظر إليه كتهديد لمعادلة السيطرة التقليدية.
التحول الحقيقي لا يمكن أن يأتي إلا من داخل العالم العربي، عبر بناء مشروع وطني وإقليمي قادر على فرض نفسه على طاولة القرار الدولي.
معركة استعادة المبادرة
لقد آن الأوان للعرب أن يدركوا أن الزمن الذي كانت فيه التحالفات تُفرض عليهم قد انتهى، وأن من لا يمتلك مشروعه، يُختار له قدره. لم تفضل الولايات المتحدة والغرب إيران على العرب لأن إيران أفضل، بل لأن العرب تركوا فراغًا ملأته طهران بدهاء. اليوم، الخيار واضح: إما أن يستعيد العرب زمام المبادرة ببناء مشروع وحدوي مدروس، أو أن يبقوا أسرى لعبة دولية ترسم خرائطهم بأيدٍ غيرهم. في عالم لا يحترم إلا الأقوياء، لا مكان لمن ينتظر أن تبتسم له المصالح بلا ثمن، ولا احترام إلا لمن يفرض وجوده برؤية، وقوة، ووضوح .
من جعل الولايات المتحدة والغرب يفضلون إيران على العرب؟
شكلت العلاقة بين الولايات المتحدة والغرب من جهة، والعالم العربي من جهة أخرى، محورًا معقدًا تتداخل فيه المصالح بالتحفظات، والتحالفات بالخيبات. ومع مرور الزمن، برز سؤال ملحّ: لماذا أصبح واضحًا في مفاصل كثيرة أن واشنطن وحلفاءها يفضلون إيران، حتى بكل خصوماتها الظاهرة، على العرب؟ الإجابة تتطلب قراءة عميقة في التاريخ والسياسة معًا.
البداية: إرث السبعينيات والتحول الكبير
في عام 1979، حين دعمت الولايات المتحدة وحلفاؤها صعود الخميني إلى السلطة في إيران، بدا للكثيرين أن العالم يتغير بطرق غير متوقعة. الإطاحة بالشاه، الحليف التقليدي للغرب، ثم دعم بديل ديني راديكالي، أثار تساؤلات عديدة. الحقيقة أن واشنطن لم تكن ترى في الخمينية مجرد تهديد، بل فرصة لإعادة صياغة توازن القوة الإقليمية، بحيث تُستنزف طاقات العرب بين صراعات قومية ودينية لا تنتهي.
منذ ذلك الحين، أصبحت إيران أداة وظيفية في استراتيجية “احتواء العرب”، خاصة بعد نكسة المشروع القومي العربي، وصعود تيارات الإسلام السياسي التي تم ترويض بعضها بينما تُرك لبعضها الآخر أن ينفلت ضمن حدود مدروسة.
ماذا قدمت إيران للغرب ولم يقدمه العرب؟
رغم الخطاب العدائي المتبادل، خدمت إيران في حالات كثيرة مصالح الغرب بشكل غير مباشر:
تفتيت الجوار العربي: من خلال دعم مليشيات مذهبية أدت إلى إضعاف الدول العربية القومية.
استنزاف الطاقة العربية: ساهمت إيران في خلق حروب بالوكالة (في العراق، سوريا، اليمن)، مما استنزف الموارد العربية البشرية والمادية.
خلق ذريعة للوجود العسكري الغربي: الخطر الإيراني الدائم كان ذريعة مثالية لاستمرار القواعد الأميركية والغربية في الخليج والمنطقة.
في المقابل، فشل العالم العربي في تقديم نموذج موحد أو مشروع مستقر يخدم مصالحه ومصالح الغرب معًا، وظل رهين الانقسامات والخلافات البينية، ما جعل من إيران “الشريك الفوضوي المفيد”، في حين بقي العرب “الحليف المربك والمتردد”.
أخطاء عربية ساعدت إيران
العرب أنفسهم، بطريقة أو بأخرى، ساعدوا في تعزيز تفضيل الغرب لإيران عبر:
غياب الرؤية الاستراتيجية الجماعية.
التعامل الفردي مع القوى الكبرى دون تنسيق.
تحويل القضايا المصيرية، كفلسطين والعراق، إلى ملفات مساومة بدل أن تكون قضايا مركزية جامعة.
الاعتماد المفرط على التحالفات الخارجية بدل بناء قوة ذاتية مستقلة.
الوضع اليوم: مراجعة أم استمرار؟
اليوم، تغيرت بعض المعادلات مع تصاعد خطر إيران على المصالح الغربية نفسها، خاصة مع تقاربها مع روسيا والصين، ومع تهديدها المباشر لأمن إسرائيل والخليج. ومع ذلك، لا تزال بقايا المعادلة القديمة قائمة: “إيران مفيدة للفوضى المنظمة التي تخدم المصالح الكبرى”، بينما أي مشروع عربي قوي ومستقر قد يُنظر إليه كتهديد لمعادلة السيطرة التقليدية.
لذلك، فإن التحول الحقيقي لا يمكن أن يأتي إلا من العرب أنفسهم، من خلال بناء مشروع متماسك، يفرض نفسه كمصدر استقرار وقوة، لا كطرف يحتاج إلى رعاية دائمة من الخارج.
التحدي والتحول الممكن
من الواضح أن العلاقة بين الولايات المتحدة والغرب من جهة، وإيران من جهة أخرى، قد شهدت تحولات معقدة على مر العقود. رغم أن إيران قد شكلت أداة في استراتيجيات القوى الكبرى، إلا أن استمرار الوضع الراهن قد بدأ يظهر مع تناقضات وخطر متزايد على المصالح الغربية. التحولات في السياسة الإيرانية، خاصة مع تقاربها مع روسيا والصين، دفعت القوى الغربية إلى إعادة تقييم موقعها في المنطقة.
لكن الأهم من ذلك هو أن العرب، إذا ما أرادوا التغيير الحقيقي، يجب أن يتجاوزوا مرحلة الرهانات الخارجية ويدركوا أن قوتهم الحقيقية تكمن في وحدتهم ورؤيتهم الاستراتيجية الجماعية. إذا استطاعوا بناء مشروع سياسي واقتصادي متماسك ومستقل، يفرض نفسه كمصدر استقرار في المنطقة، فإنهم سيحققون توازنًا جديدًا يعيد تشكيل معادلات القوى في الشرق الأوسط. الخيار أمام العرب: إما أن يظلوا مجرد رد فعل على تحولات القوى الكبرى، أو أن يصبحوا هم القوة المحورية التي تحدد مستقبل المنطقة .