محمود عبدالراضى
في زوايا الوقت التي ظنناها محترقة، وفي لحظات العمر التي بدت رمادًا باردًا، قد يختبئ الأمل كجمرة تحت الرماد، خافتة لكنها لم تنطفئ، نعم، ما زلت ألمح في رماد العمر شيئًا من أمل، خيط ضوء يتسلل من شقوق القلب المثقل، يوحي بأن الغد ليس امتدادًا لليوم، بل قد يكون انقلابًا عليه.
الحياة لا تمنحنا دائمًا الوجوه المشرقة، لكنها تترك لنا في كل منعطف لمحة، تلوّح من بعيد، وكأنها تقول: لا تستعجل الوداع، فما زالت فصول الرواية لم تُكتب بعد، وقد تبدو الليالي طويلة، حزينة، صامتة، لكنها تخفي خلف ستائرها نجمات جديدة، تنتظر لحظة الولادة.
من قال إن العمر حين يحترق ينتهي؟ كثير من الأشجار تورق بعد أن تُخلع جذورها من الأرض، وكثير من الأرواح تزهر بعدما مرت بالعاصفة، فاليوم قد يكون جافًا، لكنه لا يُلغي احتمال هطول المطر غدًا، والفصل البائس قد لا يكون إلا استراحة قصيرة في طريق طويل من التغيير.
الأمل ليس إنكارًا للألم، بل هو إصرار على تجاوزه، هو شرفة نطل منها على الغد، حتى ولو كنا عالقين في سرداب الحزن.
من يملك الأمل، يملك خريطة خروج حتى وإن ضاعت كل الاتجاهات، هو ليس وعدًا بالسعادة، بل قدرة داخلية على انتزاعها من بين أنياب اليأس.
ولعل أجمل ما في الأمل، أنه لا يحتاج إلى أسباب منطقية، يكفي أن تؤمن بوجوده، ليبدأ بالعمل خفية، كما تعمل الجذور في الأرض دون أن نراها.،إن ما نحمله في قلوبنا من تفاؤل، هو الذي يصنع غدنا، لا ما يحدث حولنا من خيبات.
وغدًا، حين تشرق نجمات جديدة على جبين الأفق، لن نسأل من أشعلها، بل سنحتفل بأنها أضاءت، وأن الظلام لم يكن نهاية، بل بداية لإضاءة أجمل.
وغدًا، حين تورق أيام سعيدة في حدائق الحزن، سنتذكر أن الحياة لا تبخل، بل تمتحن، وأن من صبر، وأحب، وآمن، يستحق الفرح ولو تأخر موعده.
رماد اليوم ليس إلا ترابًا خصبًا لغدٍ مختلف، فقط إن أحسنا الزراعة، والطريق إلى الضوء يبدأ دائمًا بإيمانك بأن الليل، مهما طال، لا بد له أن يسلّم المفاتيح للفجر.
فالذي يرى النور في نهاية النفق، هو الذي يعبره، والذي يلمح الأمل في الرماد، هو وحده القادر على إشعال الحياة من جديد.