من كسبت الحرب؟

5

حتى لا يبدو أننا نتحامل على الإعلام الجديد أكثر مما ينبغي، فإن علينا أن نعترف بأن لهذا الإعلام أدواراً وتأثيرات مذهلة، نعم هناك الكثير من الغث والتفاهات في السوشال ميديا، لكن ذلك لا يجوز أن يلفتنا عن الصورة الأشمل، وعن الحقيقة، إذا أردنا أن نرى دور الإعلام الجديد في تغيير توجهات الوعي الإنساني، فنتأمل كيف تعاملت مع الكثير من قضايا المظلومين والمهمشين الذين يتعرضون للإبادة والتهجير القسري والتطهير العرقي في كل مكان.

 

لقد لعبت السوشال ميديا دوراً في فضح ما يحدث في غزة أمام شعوب العالم كلها عبر النقل المباشر والتقنيات المتفوقة، التي أصبحت في خدمة الرسالة الإعلامية الشجاعة والسريعة، ومن هنا برز الدور الذي غيّر توجهات ورؤية شعوب العالم لإسرائيل ولقضية فلسطين.

 

قالت إحدى المذيعات في الولايات المتحدة الأمريكية إن الشعوب كانت نائمة واستفاقت وعرفت، وهذا ما قلب كل المعادلة؛ لأن من لا يكون له موقف إنساني واضح بعد كل ما جرى فعليه أن يراجع إنسانيته ويتأكد من صلاحية ضميره، فجريمة الإبادة هناك لا مثيل لها في التاريخ، ولا يمكن تبريرها تحت ذريعة ما فعلته حماس فجر السابع من أكتوبر 2023، فذلك عوار في الربط والحكم والاستنتاج لا يمكن مقارنته أو ربطه بإبادة غزة وسكانها.

 

لقد حملت السوشال ميديا صور الحرب في غزة للعالم، في عواصم القرار المهمة في أوروبا، وفي شوارع المدن المكتظة، في القرى التي على رؤوس الجبال، وفي الأرياف، حملت صور الأطفال الذين كانوا يتساقطون بأسلحة الدمار والجوع والحصار للجميع في الشرق والغرب، للنخب وللبسطاء، لربات البيوت والعجائز المتقاعدين، والطلاب في أعرق الجامعات مثل هارفارد، فهب العالم الذي لم يعد يحتمل المبالغات والدعايات الكاذبة، فهدرت الشوارع والساحات وملاعب كرة القدم والمسارح ومن فوق الجسور.

 

لقد تحولت دولة مثل إسبانيا بكل تاريخها المعادي للعرب والمسلمين في القرون الوسطى إلى أكبر مناصر وداعم لفلسطين في أوروبا، فصارت غزة تطهيراً للضمير، واختباراً للإنسانية، لكل هذه المواقف، كسبت غزة وخسرت إسرائيل بقبتها الحديدية ورصاصها المسكوب، كسبت تعاطف شعوب الغرب والعالم، ولعقود طويلة كان كل التعاطف لإسرائيل، في غياب السوشال ميديا!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.

التعليقات معطلة.