«من ليس معي فهو عدوّي».. بوصلة الهجوم السعودي تتحول صوب الكويت

1

لم تكد تمر ساعات قليلة على إعلان دول خليجية «السعودية – الإمارات – البحرين» ومصر قطع علاقتها مع قطر، وعقابها بمقاطعة اقتصادية وسياسية شاملة، حتى انبرى أمير دولة الكويت «صباح الأحمد الجابر الصباح» للعب دور الوساطة في محاولة لرأب الصدع الخليجي، وعبر شهور طويلة، بدا أن الكويت تمثل طرفًا مقبولًا لطرفي الخلاف، قبل أن تتبدى مؤخرًا مؤشرات على ضيق سعودي من دور الكويت في الأزمة، ورغبة في جر الإمارة الصغيرة إلى معسكرها، على قاعدة «من ليس معي فهو عدوي».

لعل وزير الصناعة والشباب الكويتي «خالد الروضان» لم يكن يدري وهو يحط رحاله على الأراضي القطرية قبل أيام قليلة، في زيارة رسمية، أن زيارته تلك ستكون فاتحة أزمة دبلوماسية لبلاده مع الرياض، فالوزير لم يتطرق لأي ملفات سياسية، بل زار الدوحة ليقدم الشكر لأمير البلاد الشيخ «تميم بن حمد آل ثاني» على الجهود التي بذلتها بلاده لدى الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا» لرفع الإيقاف المفروض على كرة القدم الكويتية الشهر الماضي، ولشكره على موافقة الدوحة على نقل بطولة «خليجي 23» للكويت، بناء على رغبة الأخيرة، وقدم الوفد الكويتي لأمير قطر هدية، عبارة عن قميص منتخب الكويت.

لم تمر تلك الزيارة مرور الكرام، إذ خرج «تركي آل الشيخ» المستشار بالديوان الملكي السعودي، ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرياضة واللجنة الأولمبية السعودية بتغريدة نارية على موقع التدوينات القصيرة «تويتر»، اتهم فيها الوزير الكويتي بـ«الارتزاق»، قائلًا: «الروضان؛ باختصار؛ هو: الارتزاق تحت مظلة المناصب وضد الحقائق المثبتة. لن يضر هذا المرتزق علاقات السعودية التاريخية بشقيقتها الكويت، وما قاله لا يمثل إلا نفسه، وكما قال شاعر مضر: والنفوس إن بغيت تعرفها ارم الفلوس».

تركي آل الشيخ

الروضان؛ باختصار؛ هو: الإرتزاق تحت مظلة المناصب وضد الحقائق المثبتة.
لن يضر هذا المرتزق علاقات السعودية التاريخية بشقيقتها الكويت، وماقاله لا يمثل إلا نفسه، وكما قال شاعر مضر: والنفوس ان بغيت تعرفها ارم الفلوس.

جاء الرد الكويتي على تصعيد «آل الشيخ» سريعًا، إذ التقى نائب وزير الخارجية الكويتي «خالد الجار الله» بالسفير السعودي في الكويت، معبّرًا عن «الأسف والعتاب» تجاه تصريحات آل الشيخ الذي اعتبر أنها تسيء للعلاقات «الأخوية والحميمية والمتميزة بين الأخوين الشقيقين»، وفق ما صرح به الجار الله لوكالة الأنباء الكويتية (سانا).

كما تداولت وسائل إعلامية مقطع فيديو لوزير الشباب الكويتي، وهو يرد فيه على إساءة آل الشيخ، ببيتين من الشعر قائلًا: «قالوا سكتَّ وقد خوصمت قلتُ لهم *** إن الجواب لباب الشر مفتاحُ، والصمت عن جاهل أو أحمق شرفٌ *** وفيه أيضًا لصون العرض إصلاحُ».

وقد حاولت الخارجية السعودية لملمة الأزمة، إذ اعتبر وكيل الوزارة للشؤون السياسية والاقتصادية «عادل مرداد»، أن آل الشيخ ليس له صفة سياسية وإنما يتم انتخابه من قبل أعضاء اللجنة الأوليمبية، ولكنه في المقابل شدد على رفض واستهجان سلوك الوزير خالد الروضان في الدوحة، معتبرًا أنه يخالف موقف الحكومة الكويتية المحايد من الأزمة، ومؤكدًا أن ذلك الموقف يمثل مساسًا بالعلاقات الأخوية بين البلدين.

وكان آل الشيخ نفسه قد تسبب قبل شهور في أزمة مماثلة بين البلدين، حين هاجم من وصفهم «أقزام آسيا» الذين ظلموا المنتخبات والأندية السعودية حسب قوله، وبالرغم من أن آل الشيخ لم يحدد اسمًا بعينه، إلا أن إعلاميين سعوديين لمّحوا إلى اسم الشيخ «أحمد الفهد الأحمد الصباح» رئيس المجلس الأوليمبي الآسيوي، والذي يُتّهم بأنه المتحكم الفعلي في قرارات الاتحاد الآسيوي، وقد أثارت تلك التصريحات غضب الكويتيين الذين استنفروا للرد على تصريحات آل الشيخ معتبرين أنها «تطاولات» غير مقبولة.

الرياض ضاقت ذرعًا بحياد الكويت

وفي حين أبرزت الأزمة الأخيرة بعض جذور الخلاف الكامنة بين الرياض والكويت، فإن بإمكان المتابع للإعلام السعودي أن يرصد اتجاهًا يتجدد بين الحين والآخر لمهاجمة الإمارة الصغيرة، ويرتكز هذا الهجوم على اتهام الكويت بالميل لقطر في الأزمة الخليجية، بل وفي بعض الأحيان يتم توجيه اللوم لها لمجرد وقوفها على الحياد.

ففي مقال له بعنوان «خيبة الدوحة.. ووساطة الكويت» نُشر قبل أيام، هاجم رئيس تحرير صحيفة «عكاظ» السعودية «جميل الذيابي» موقف الكويت من الأزمة الخليجية، معتبرًا أن ما تسميه الكويت «حيادًا» ما هو في الحقيقة إلا «مجاملة» لقطر، وتساءل: «ماذا لو مارست الدول الحياد عندما غزا صدام حسين الكويت، وانتظرت عن إبداء مواقفها بحجة «الحياد» في قضية عادلة؟»، وطالب الذيابي الكويت باتخاذ موقف حدي وواضح من الأزمة: «لقد أضحت الأزمة مسألة وجود، وليس مجرد مناكفات إعلامية ومماحكات سياسية، ولن يداوي ذلك سوى مواقف واضحة».

وكان الذيابي نفسه قد نشر في أكتوبر (تشرين الأول)، وقبيل القمة الخليجية، مقالًا بعنوان «هل انحازت الكويت لقطر؟» ذكر فيه أن الكويت «تتخذ موقفًا ضبابيًا غير واضح بما يكفي» من الأزمة مع الدوحة، ورأى – في لهجة لا تخلو من تهديد – أن عدم الوضوح الكويتي «سيثير صعوبات وتعقيدات لا شك أن جميع الدول الخليجية في غنى عنها، واستمرار الصمت حيالها سيفاجئ أهل الخليج بما يمكن تسميته «سياسة الأمر الواقع».

بعض الإعلاميين السعوديين ذهبوا إلى أبعد من ذلك، مثل «مشاري الذايدي» كبير محرري السعودية والخليج في صحيفة «الشرق الأوسط»، الذي رأى في مقال عنونه بـ«وشلون الإخوان بالكويت» أن الثقل الحقيقي للإخوان في الخليج العربي يوجد في دولة الكويت، وأن «الحضور الإخواني في الكويت عميق، وقديم ومؤثر» منتقدًا «هبة الجماعة الإخوانية في الكويت للدفاع عن السياسات القطرية، وتوبيخ الموقف المعارض لها».

كان للكاتب السعودي في صحيفة «الجزيرة» «محمد آل الشيخ» صولاته وجولاته كذلك، إذ سبق أن انتقد الموقف الرسمي للكويت من الأزمة، مقارنًا ذلك الموقف السعودي من اجتياح صدام للكويت قائلًا: «ماذا لو أن المملكة اتخذت قرارًا حياديًا تجاه أزمة العراق والكويت ونادت بالحوار، أتراها ستعود الكويت لأهلها؟ الرجال مواقف يا أهل الكويت». مشددًا على ضرورة أن تتعامل الكويت مع الرياض بالمثل وتقف إلى جانب الرياض في معركتها مع قطر. وبشكل عام، فإن وسائل الإعلام والكتاب السعوديين لا يتركون مناسبة إلا ويذكرون الكويتيين بحرب العراق، وموقف المملكة من الوقوف إلى جانب الكويت في ذلك الحين.

محمد آل الشيخ 🇸🇦

موقف المملكة المنقذ للكويت من براثن صدام يجب ان نرى ثمنه موقفا مساندا لنا في موقفنا المناهض للارهاب و تفليم أظافر قطر

هل تميل الكويت لقطر حقًا؟

في سبتمبر (أيلول) الماضي، نشرت صحيفة «لوبوان» الفرنسية تقريرًا رأت فيه أن موقف الكويت قد تغير من الأزمة الخليجية، وأوردت الصحيفة تصريح أمير الكويت بعد لقائه مع ترامب في واشنطن حين قال إن «قطر تواجه مطالب ما كانت لتوافق عليها بلاده لو طُلبت منها» مؤشرًا على نفاد صبر الكويت، معتبرة أن الكويت بذلك قد غادرت موقف الوساطة لتقف إلى جانب قطر في الأزمة، خاصة مع حديث أميرها عن نجاح بلاده في منع «عملية عسكرية» كان يجري التخطيط لها ضد قطر.

وسواء أصابت الصحيفة الفرنسية في تحليلها، أو أن الأمر كان ينطوي على مبالغة، فإن «التململ» الكويتي من الأزمة يبدو واضحًا، ليس فقط لما يستتبعه الشقاق الخليجي من أخطار سياسية واستراتيجية على المنطقة ككل، ما ستتأثر به الكويت بالطبع، بل كذلك لما تنطوي عليه بعض الخطوات السعودية-الإماراتية مما يُمكن وصفه بـ«عدم احترام» للوساطة الكويتية، ومحاولاتها نزع فتيل الأزمة.

من ذلك مثلًا ما شهدته القمة الخليجية الأخيرة، التي احتضنتها الكويت، فمع أن الشيخ «الصباح» قد اجتهد في جعل تلك القمة مناسبة لإصلاح ذات البين، وبرغم تجاوب أمير قطر مع تلك الجهود وحرصه على حضور القمة، إلا أن السعودية اكتفت بمستوى تمثيل منخفض للغاية إذ تغيَّب العاهل السعودي وولي عهده عن الحضور، وأرسلت الرياض وزير خارجيتها عادل الجبير إلى الكويت.

بل وجاء الإعلان الإماراتي عن تشكيل لجنة للتعاون العسكري والاقتصادي مع السعودية، بالتزامن مع انعقاد القمة، ليشير إلى أن السعودية تولي ظهرها للجهود الكويتية، وتسعى إلى عقد تحالفات ثنائية بعيدًا عن مظلة مجلس التعاون، أضف إلى ذلك المناوشات التي حدثت في بطولة «خليجي 23» التي استضافتها الكويت، والتي كادت أن تعكر صفو البطولة، حيث انسحب المؤتمر السعودي من المؤتمر الصحفي اعتراضًا على وجود ميكروفونات لوسائل إعلام قطرية.

ويبدو أن تلك الإشارات قد أثارت مخاوف المسؤولين في الكويت إذ حذر رئيس لجنة الأولويات في البرلمان الكويتي «أحمد الفضل» من احتمالية تعرض بلاده لمقاطعات أو ضغوط، مطالبًا بالاستعداد لذلك قائلًا «الأمن الغذائي والأمن الدوائي أمران مهمان، وخصوصًا أن الأوضاع تتوتر في بعض الدول، وقد نتعرض لمقاطعات أو لأمور نعتبر الاستعداد لها أولوية مهمة بالنسبة لنا».

وتتمتع الكويت بتشابهات مع قطر، فهي دولة صغيرة، ما قد يجعلها عرضة لطموحات الجار الكبير – السعودية -، فضلًا عن تمتعها بسياسة مستقلة تتمايز عن الرياض في عدد من القضايا، ولها خصوصية داخلية تجعلها أكثر الدول الخليجية من حيث الانفتاح السياسي والتعددية الحزبية، فضلًا عن وجود خلافات قديمة متجددة حول حقول النفط المشتركة بين البلدين، وهي الأمور التي من الممكن أن تثير غضب السعودية، لتكرر سيناريو المقاطعة مع الكويت، حال نجاحها في إخضاع الدوحة لمطالبها.

التعليقات معطلة.