في علم الاقتصاد تبقى المؤشرات والأرقام ظاهرة للعيان وتفرض نفسها كمعيار أوحد للتقييم، حتى وإن اختلفت الآراء في بحث أسباب ارتفاعها أو انخفاضها، والأرقام الرسمية التي يتم نشرها تباعا خلال السنوات الماضية تعكس قدر التعافي الذي يمر به اقتصاد السلطنة، ويعزز من قدر الثقة في سياسة الحكومة.
وقد أشارت البيانات المبدئية للحسابات القومية خلال العام المنقضي والربع الأول من العام الجاري أن نمو الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية للعام الماضي بنسبة 12% عن عام 2017 والتي كانت فيه 7.3%، وأرجعت ذلك إلى ارتفاع مساهمات الأنشطة النفطية وغير النفطية بنسبة نمو تصل إلى 37.1% و2.9% على التوالي، حيث شكلت الأنشطة النفطية 35.5% من حصة الناتج المحلي في 2018 بدلا من 29% في 2017، وفي المقابل شهد قطاع الأنشطة غير النفطية انخفاضًا إلى 68.4% بدلا من 74.4% لنفس الفترة.
وأظهرت البيانات أيضا تخلص الاقتصاد المحلي من ضغوط التضخم تدريجيا، ليبقى تأثير الأسعار على المستهلكين محدودا، حيث بلغ متوسط نسبة التضخم السنوي بناءً على مؤشر أسعار المستهلك للسلطنة حوالي 0.3% في الربع الأول من العام الجاري مقارنة بـ0.6% لنفس الفترة من العام الماضي.
ولأن الرسالة الإعلامية تعتمد في الأساس على الاشتباك مع القضايا الرئيسية في المجتمع، وفي صدر هذه القضايا الاقتصاد، الذي يعد المحرك الأساسي لتلبية رغبات وطموحات المواطنين، كما يعتبر مصدر الطاقة بالنسبة للدولة لدفعها على التحرك والعمل، فإنني استقصيت عن وحي التعافي الاقتصادي لأجد أن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات مستمر في نقل المؤشرات الإيجابية لوسائل الإعلام ليقوم بدوره في توعية المواطنين للاصطفاف مع سياسة الحكومة. ففي إبريل الماضي صدر تقرير المركز ربع السنوي وبشر بارتفاع إجمالي الناتج المحلي للسلطنة من 27.2 مليار ريال بنهاية 2017 إلى 30.5 مليار ريال بنهاية 2018، وأسهمت القطاعات غير النفطية بنحو 20.8 مليار ريال في 2018 بدلا من 20.2 مليار ريال في 2017، وهو ما يمثل ثلثي الناتج المحلي الإجمالي.
منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية في 2009 ركزت السلطنة على سياسة التنويع الاقتصادي من خلال دعم استراتيجية تنوع وتعدد مصادر الدخل القومي، وكون الأرقام الرسمية أظهرت تزايد مساهمة الأنشطة النفطية في الحصيلة النهائية للنواتج الاقتصادية، فإن هذا يثبت نجاح سياسة التنوع التي اعتمدت على التحولات الهيكلية في بنية الناتج المحلي وخريطة اقتصاد السلطنة، ورفع مساهمة كافة القطاعات في عملية النمو خصوصا القطاعات والأنشطة الصناعية (5.7 مليار ريال) التي تمثل ركائز أساسية لخطط واستراتيجيات التنويع (منها: التعدين واستغلال المحاجر، الصناعات التحويلية، صناعات التكرير والمصافي، وصناعة المواد الكيميائية الأساسية، وإمدادات الكهرباء والمياه)، أو الأنشطة الخدمية (14.4 مليار ريال) ومنها (تجارة الجملة والتجزئة، الفنادق والمطاعم، الوساطة المالية، الأنشطة العقارية، النقل والتخزين، الاتصالات، الإدارة العامة والدفاع) أو الأنشطة الإنتاجية مثل قطاع الزراعة والأسماك )670 مليون ريال(.
وكي لا يحدث التباس، فإنه يجب توضيح الفارق بين ارتفاع نمو الأنشطة النفطية وانخفاض نمو الأنشطة غير النفطية، ففي عام 2018 شهدت أسعار النفط تحسنًا ملحوظًا وارتفاعًا مما زاد من نسبة مساهماتها في الناتج المحلي الإجمالي، وعلى النقيض تمامًا كان انخفاضها في 2017 سببًا في تزايد نمو الأنشطة غير النفطية وتراجعها نسبيا في 2018؛ ولكن ما يهمنا بصفة عامة هو النمو الرقمي وليس النسبي.
طرح فكرة استمرارية التعافي لم تصبح وجهة نظر فردية أو محلية، حيث توقعت منظمات اقتصادية عالمية نمو الأنشطة غير النفطية في السلطنة، أبرزها صندوق النقد الدولي الذي توقع ارتفاع نمو القطاعات غير النفطية تدريجيا على المدى المتوسط، ليصل إلى حوالي 4%، مع استمرار جهود الحكومة الرشيدة في تنويع النشاط الاقتصادي.
بخلاف ذلك، فإن البيانات الرسمية لوزارة المالية للسنوات الأربع الماضية تعكس تحسن الأداء التدريجي، حتى في ظل تذبذب أسعار النفط عالميا، وذلك بفضل إجراءات تنمية الإيرادات غير النفطية، وسياسة التحوط لمواجهة اهتزاز أسعار النفط عالميا، وزيادة مستويات التنويع الاقتصادي، ورفع الحد الأقصى لمستهدفات الاستثمار المحلي والأجنبي.
وحي التعافي الاقتصادي للسلطنة تعكس طلته الأرقام الاقتصادية والبيانات الرسمية، وهذا يبشرنا بقدرة الاقتصاد الوطني على تمكين القطاعات غير النفطية من لعب دور أكبر في الدورة الاقتصادية، وفتح الآفاق للقطاع الخاص للاشتباك بصورة أكبر في خطط التنمية، وطرح فرص أكبر لرأس المال في عملية الاستثمار، وفي نفس الوقت تقديم تعددية في التدريب والتوظيف للمواطنين.
جودة مرسي