يبدو أن التاريخ أعاد نفسه بطريقة غير متوقعة، ففي خطوة مفاجئة تعكس انقلاباً في السياسات الأوروبية، أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عزمهما الاعتراف بدولة فلسطين. خطوة تأتي بعد أكثر من قرن من التدخل الأوروبي في شؤون العرب والفلسطينيين، منذ وعد بلفور وحتى الاحتلال الإسرائيلي المتواصل.
بريطانيا: من وعد بلفور إلى قرار ستارمر
لطالما كانت بريطانيا منذ وعد بلفور عام 1917 لاعباً محورياً في تشكيل واقع فلسطين، وكانت شريكاً أساسياً في تمهيد الطريق للاستيطان والاحتلال. اليوم، بعد هذه السنوات الطويلة من المأساة الفلسطينية، يبدو أن لندن تحاول، بصوت ستارمر، “تكفير” جزء من أخطائها التاريخية، أو على الأقل تحسين صورتها أمام الرأي العام الأوروبي والعالمي.
فرنسا والتحول الرمزي
أما فرنسا، فقد أعلنت ماكرون عزمه على الاعتراف بفلسطين في خطوة تكمل المسار الأوروبي الذي بدأته دول مثل النرويج وإسبانيا وإيرلندا، قبل أن تلحق بها سلوفينيا. هذا التسلسل يعكس تحولاً حقيقياً في المزاج السياسي الأوروبي، ويضع باريس في موقع مسؤولية جديدة، بعدما كانت على مر العقود طرفاً داعماً للسياسات الإسرائيلية.
الضغوط الداخلية والشعبية
المظاهرات الحاشدة في أوروبا، وانتقادات البرلمان والمنظمات الحقوقية، شكلت ضغطاً لا يمكن تجاهله. ستارمر وماكرون كانا مضطرين للرد على هذه الضغوط، ليس فقط لأسباب أخلاقية، بل أيضاً لضمان الاستقرار الداخلي وتعزيز مصداقيتهما السياسية أمام شعوبهما.
السياسات الإسرائيلية والتحديات الدبلوماسية
الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، من توسع استيطاني ومجازر متكررة، جعلت استمرار الصمت الأوروبي مستحيلاً. الإعلان الأوروبي يمثل تحدياً دبلوماسياً لإسرائيل، وقد يؤدي إلى إعادة النظر في التعاون الاقتصادي والأمني مع الاتحاد الأوروبي، مع إمكانية توسيع النفوذ الأوروبي كوسيط على صعيد عملية السلام.
الاعتراف المرتقب بدولة فلسطين ليس مجرد خطوة رمزية، بل انقلاب حقيقي في مسار السياسة الأوروبية بعد عقود من التواطؤ التاريخي مع الاحتلال . بريطانيا وفرنسا تتحملان مسؤولية تاريخية، وهذه الخطوة تمثل أول مؤشر ملموس على محاولة تصحيح جزء من المسار، بعد أن تركت قرون من السياسات الاستعمارية آثارها المدمرة على الشعب الفلسطيني. ويبقى السؤال الأهم: هل ستترجم هذه الإعلانات إلى خطوات عملية وملموسة على الأرض، أم ستبقى مجرد محاولة لإعادة كتابة التاريخ السياسي الأوروبي على حساب حقوق الفلسطينيين؟