ارتفاع عدد الإصابات بكورونا في تونس
في الوقت الذي بدأت فيه أغلب دول العالم رفع إجراءات الإغلاق بعد تغلبها على وباء كورونا، رجعت تونس مجددًا لتشديد إجراءات الوقاية من هذا الفيروس بعد تدهور الوضع الصحي في البلاد، ما جعل أصوات عديدة تتساءل عن المسؤول عن هذا الوضع الكارثي الذي وصل إليه هذا البلد العربي.
وضع صحي كارثي
تصف الطبيبة التونسية أسماء بابا الوضع الصحي في بلادها بـ”الكارثي”، فكل المؤشرات تدل على انهيار المنظومة الصحية في تونس، الأمر الذي يجمع عليه أغلب أطباء البلاد والمواطنين أيضًا، في ظل ارتفاع عدد الإصابات بفيروس كورونا والوفيات الناتجة عنه.
ومساء الثلاثاء 29 من يونيو/حزيران الحاليّ، أعلنت وزارة الصحة التونسية، تسجيل أعلى رقم قياسي يومي، لعدد الإصابات بالفيروس، منذ تفشي الجائحة في البلاد في مارس/آذار 2020، وقالت الوزارة إنها سجلت 5251 إصابة خلال الساعات الـ24 الأخيرة في حين سجلت 106 حالات وفاة جديدة، في نفس الوقت، ليقترب بذلك عدد الضحايا من وفيات كورونا في تونس إلى 15 ألف وفاة.
أمام هذا الوضع، صنفت منظمة الصحة العالمية تونس في المرتبة الأولى عربيًا وإفريقيًا من حيث عدد ضحايا كورونا، إذ نقلت وكالة الأناضول عن مدير مكتب المنظمة الدولية في تونس إيف سوتيران أن المنظمة لاحظت تراجعًا في عدد الإصابات والوفيات دوليًا لكن بشكل غير متوازن بين الدول، خصوصًا في القارة الإفريقية.
المسؤولية الكبرى تقع على عاتق رئيس البلاد قيس سعيد، إذ أظهر خلال هذه الأزمة استهتارًا كبيرًا بالوباء
جولة واحدة في إحدى المستشفيات التونسية، لها أن تريك حجم الكارثة، فأقسام الإنعاش بلغت طاقتها القصوى مع تواصل ارتفاع معدل الوفيات، والأطباء والممرضون على وشك الانهيار، خاصة بعد وصول السلالة البريطانية والهندية والبرازيلية والنيجيرية إلى تونس.
صعوبة جلب لقاح كورونا وانهيار المنظومة الصحية، حتم على الحكومة تشديد الإجراءات لمواجهة الوضع المتردي ومن بين تلك الإجراءات المعلنة، زيادة ساعات حظر التجول الليلي وفرض إغلاق شامل في بعض الولايات والمناطق التي تشهد انتشارًا أسرع للوباء.
وأرجعت الناطقة الرسمية باسم وزارة الصحة، نصاف بن علية، في تصريح الثلاثاء عدم فرض الإغلاق التام في البلاد إلى “صعوبة الوضع الاقتصادي والأمني والنفسي”، وذلك على خلفية مطالبة بعض المنظمات والأحزاب والأطباء بضرورة فرض الحجر الصحي الشامل في البلاد لكسر وتيرة عدوى الوباء المتزايدة بصفة يوميًا.
حكام البلاد يتحملون المسؤولية
تدهور الوضع الصحي في تونس والرجوع لتشديد إجراءات الوقاية، يأتي في الوقت الذي بدأت فيه معظم الدول تخفيف الإجراءات استعدادًا للفتح الكلي، وتقف الدولة ومؤسساتها والماسكين بزمام الأمور في مقدمة المسؤولين عن ذلك.
الرئيس سعيد
المسؤولية الكبرى تقع على عاتق رئيس البلاد قيس سعيد، إذ أظهر خلال هذه الأزمة استهتارًا كبيرًا بالوباء، ففي الوقت الذي كانت فيه الحكومة تحذر من خطورة الوضع أطل قيس سعيد على الشعب من تلال المنطقة العسكرية المغلقة بجبل الشعانبي من ولاية القصرين، قائلًا: “نحن لن نسرع ولم نلقح خوفًا من كورونا”، ما أثر على الحملة الوطنية لمجابهة كورونا.
استهتاره بالوباء لم يتوقف هنا، ففي الوقت الذي شددت فيه الحكومة الإجراءات الوقائية لمجابهة كورونا، ما فتئ الرئيس يظهر في شكل المتجاهل لهذه القرارات، إذ تعمد الظهور في المقاهي يحتسي القهوة دون احترام للبروتوكول الصحي، كما تعمد التنقل في الشوارع وسط العشرات دون ارتداء الكمامة ودون احترام مسافات الأمان، حتى إنه ذهب إلى مصر وتنقل في الأسواق والمحلات الشعبية المكتظة بالناس كأن الوضع عادي ولا يوجد وباء.-
إلى جانب ذلك، تعمد الرئيس تعطيل تلقي تونس جرعات من اللقاح، إذ أكد النائب بالبرلمان ياسين العياري أن قيس سعيد ساهم عمدًا في تعطيل وصول لقاحات فيروس كورونا إلى تونس من خلال تعمده ختم مشروع القانون المتعلق بتعويض الدولة للأضرار الجانبية للقاحات كورونا بعد أسبوع من تمريره من البرلمان الذي صادق عليه بسرعة قياسية، وهو ما دفع المزوِد إلى تغيير اتجاه شحنة لقاحات كانت موجهة إلى تونس نحو نيجيريا.
مسؤولية سعيد تتمثل أيضًا في عدم استثمار الصلاحية الوحيدة التي يمنحها له الدستور، وهي الدبلوماسية والعلاقات الخارجية، لجلب اللقاح من الخارج، فالجميع يعلن أن مسألة اللقاح لا تتعلق بالمال بقدر ما تتعلق بقوة الدولة الدبلوماسية، وهو ما يعني أن للرئيس أولويات أخرى ظهرت في بحثه المتواصل للاستحواذ على صلاحيات إضافية.
فضلًا عن ذلك سعى قيس سعيد إلى استثمار الوضع الصحي سیاسیًا في إطار معركته مع رئیس الحكومة هشام المشيشي، ففي الوقت الذي كان يجب أن يكون قدوة للتونسيين لحثهم على احترام البروتوكول الصحي المعمول، فضلًا عن حثهم على الإقبال لتلقي اللقاح، اختار سعيد عكس ذلك لأهداف سياسية بعيدة عن مشاغل التونسيين.
مسؤولية الحكومة
المسؤولية لا تقف عند الرئيس فقط، فللحكومة مسؤولية كبيرة فيما وصلت له البلاد أيضًا، ذلك أنها لم تأخذ قضية توفير اللقاحات للناس على محمل الجد منذ تفشي الوباء العام الماضي، إذ تشير الأرقام إلى أن 617 ألف تونسي فقط، تلقوا جرعتين من اللقاح المضاد لكورونا حتى الآن، من بين أكثر من مليونين و837 ألف من المسجلين في تونس، التي يبلغ عدد سكانها نحو 11 مليونًا و700 ألف.
ويُعاب على الحكومة، ضعف حملة الحصول على القاح، ما جعل نسبة الإقبال ضعيفة، هذا التهاون من الشعب ساعد الحكومة، فالعزوف يخفف المسؤولية عنها ولسان حالها يقول ما دام الشعب لا يريد التلقيح ولا يُقبل على التسجيل فلم العجلة في جلب اللقاحات.
عوض معاضدة مجهودات الدولة، عملت الأحزاب على عرقلتها والتشكيك فيها لتسجيل بعض النقاط في ظل معاركها الجانبية التي لا تخدم التونسيين في شيء
ليس هذا فحسب، فالحكومة كانت على يقين بقرب الموجة الثالثة لكنها لم تستعد لذلك، فلم تجهز المستشفيات بأسرة الإنعاش اللازمة ولا بآلات الأكسجين، كما لم تتمكن من تسخير المصحات الخاصة لمعاضدة مجهودات الدولة في مواجهة الوباء.
حتى الإجراءات التي فرضتها لمجابهة الوباء لم تتقيد بها، فاليوم مثلًا تُعلن غلق الفضاءات التجارية الكبرى والمعامل والمصانع، بعدها بقليل يتم التراجع عن القرار بعد الضغط الممارس عليها من بعض اللوبيات، كما أن قرار فتح الحدود دون فرض إجراءات توقي صارمة أدى إلى الرجوع لنقطة الصفر.
إلى جانب ذلك، عطلت الحكومة ومؤسساتها، وصول بعض المساعدات القادمة من المجتمع المدني في الخارج، فالعديد من آلات الأكسجين بقيت لأيام طويلة في الموانئ والمطارات، نتيجة تعقيدات قانونية في هذا الشأن.
البرلمان والأحزاب
إلى جانب الرئاسة والحكومة، يتحمل البرلمان والأحزاب الحاكمة والمعارضة مسؤولية كبرى فيما تشهده تونس حاليًّا، فالبرلمان معطل نظرًا للشغب الذي اعتادت كتلة حزب الدستوري الحر – الذي تترأسه عبير موسى – القيام به منذ الجلسة الأولى للبرلمان.
الأحزاب اختارت أيضًا توظيف المصطلحات الطبية في مشاكلها السياسية، فعوض معاضدة مجهودات الدولة، عملت الأحزاب على عرقلتها والتشكيك فيها لتسجيل بعض النقاط في ظل معاركها الجانبية التي لا تخدم التونسيين في شيء.
وعي الناس
هذا لا يعني أن المواطن ضحية، فهو مسؤول أيضًا عما وصلت له البلاد وإن كان بدرجة أقل، ففي بداية الأزمة كان هناك حرص من أغلب التونسيين على احترام إجراءات الوقاية من فيروس كورونا، لكن مع تقدم الوقت لم يعد أحد يبالي بتلك الإجراءات.
مشاهد صادمة لاحتشاد وتدافع مئات المواطنين في الفضاءات الخاصة والعامة والمقاهي والأسواق ومحطات النقل العمومي وأمام الإدارات العمومية ومراكز البريد والمخابز ومحلات بيع المواد الغذائية وبيع الملابس ومستلزمات التجميل في مناطق متفرقة من البلاد.
قادت بعض منظمات المجتمع المدني حملات تبرع لشراء بعض المستلزمات الطبية من آلات أكسجين وكمامات طبية
مع جولة سريعة في الشوارع، سيمكن ملاحظة عدم الانضباط عند التونسيين، فأغلب الشعب لا يرتدي الكمامات ولا يُعير أي اهتمام للإجراءات التي اعتمدتها الحكومة، ما يعني أن الشعب التونسي اختار التعايش مع الوباء، في ظل عدم وجود بديل عن ذلك.
هذه المشاهد، تؤكد فشل خطة الحكومة التي كانت تعول على وعي المواطنين واحترامهم لإجراءات التوقي من فيروس كورونا، ويرجع العديد من المواطنين سبب ذلك، إلى تردي الوضع الاجتماعي والاقتصادي في البلاد وحاجتهم للخروج للشارع للبحث عن قوت يومهم.
المجتمع المدني.. النقطة المضيئة في العتمة
صحيح أن الوضع كارثي ومأساوي، لكن هناك بعض النقاط المضيئة وسط هذه العتمة، وأبرز تلك النقاط، المجتمع المدني الذي أثبت خلال هذه الجائحة أنه عنصر قوة يمكن له أن يؤثر كثيرًا ويساعد الدولة في أداء مهامها الأساسية تجاه الشعب.
خلال هذه الجائحة، أظهرت جمعيات المجتمع المدني تضامنًا كبيرًا، لمعاضدة جهود السلطات وزيادة التوعية في حربها على جائحة فيروس كورونا، إذ قادت حملات تعقيم بعض الأماكن العامة وتوزيع المساعدات، وعملت بعض المجموعات على توعية الناس بالالتزام بالإجراءات الصحية، فيما تطوعت مجموعات أخرى لمعاينة مظاهر احتكار المواد الأساسية ورفع القضايا ومساعدة المواطنين مجانًا.
كما قادت بعض منظمات المجتمع المدني حملات تبرع لشراء بعض المستلزمات الطبية من آلات أكسجين وكمامات طبية ومواد تنظيف وغيرها من المستلزمات التي تساعد في الوقاية من خطر انتشار وباء كورونا في البلاد.