مقالات

{من يخشى من}

حسن فليح /محلل سياسي

ليس صحيحا ان اسرائيل تخشى من الرد الايراني ، العالم يترقب ذلك الرد الموعود ، وربما يحدث ولكن حقيقة الامر ايران هي التي تتحسب وتخشى من ردود الفعل الاسرائيلية في حالة ردها المنتظر ، ان ايران الان تعيش حالة الانقسام والبحث بكيفية الرد المحسوب وتجنب “الفخ” المنصوب لها ، بحيث لايثير اسرائيل ويجعلها تمتلك الحجة والمبرر القوي بجر ايران للحرب الشاملة ، حيث يعلم الجميع ان اسرائيل الان تتحين الفرصة لامتلاك المبرر لمهاجمة العمق الايراني واستهداف مشروعها النووي ، اسرائيل تنتظر الرد الايراني بشغف ، حتى تشعل فتيل الحرب بالمنطقة ، وعند ذلك لن تستطيع امريكا وبريطانيا بالتخلي عنها، في حين اسرائيل تعتقد ان تلك اللحظة هي فرصتها الثمينة لبلوغ الهدف المنشود ، ان الحرب الحالية ليس كسابقتها من الحروب التي مرت عبر تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي انها شيئا مختلف تماما من وجهة نظر اسرائيلية تريدها اسرائيل ان تكون بالنسبة لها “اخر الحروب” ، في حين ان العرب الان لاينظرون الى ذلك الصراع “كانظمة وحكام” انه صراع وجودي كما تنظر اسرائيل له الان !! وراحوا العرب الى الحلول الدولية كيف ماتشاء نظرا لتشتت مواقفهم وعدم جديتهم ورتباطاتهم المشبوهه واعلنوا استسلامهم من لحظة اقرارهم بأن الممثل الشرعي والوحيد عن القضية الفلسطينية هي منظمة التحرير الفلسطينية ، ومن هنا تركوا القضية وتجردوا عنها وحمولها للمنظمة وحدها بادارة ملف قضيتهم المصيرية ، وفتحوا المجال واسعا للتدخلات الاقليمية والدولية الاخرى ان تحل محل العرب للتجارة بالقضية الفلسطينية مجددا ولتي صارت تذبح بشعارات وأيادي واسلحة متعددة وانتقل الصراع من بعده القومي الى بعده الديني والذي بات يعرف بمحور المقاومة الاسلامية التي تقوده ايران ، فبعد اسقاط الصراع من بعده القومي وضياعة كان لابد من اسقاط الصراع من بعده الديني ايظا ، ليتحقق الهدف وافراغ القضية من بُعديها القومي والديني ، فبعد ان تحقق البعد الاول على يد الحكام العرب اليوم يتحقق البعد الثاني على يد الاسلامويين ، وحتى لانذهب بعيدا عن موضوع مقالتنا هذه ، نشير الى حادثة قريبة الى ما يحصل الان ،
في سابقة حدثت عام 2018 ظن البعض أن الحرب بين إيران وإسرائيل قد تندلع بين لحظة وأخرى بعد أن ادعت إسرائيل أنها أسقطت طائرة استطلاع إيرانية داخل الأجواء الإسرائيلية كانت قادمة من قاعدة إيرانية في سوريا ، وذلك في عام 2018 الامر الذي زاد في تأزم الوضع بين طهران وتل أبيب بالوقت أن النظام السوري أسقط طائرة حربية اسرائيلية من نوع f16 في نفس اليوم ، لأول مرة منذ واحد وثلاثين عاما، ان تلك الأجواء المحمومة جعلت الكثيرين يتوقعون أن تشتعل الحرب بين إيران من جهة وأمريكا وإسرائيل من جهة أخرى، لكن السياسة علمتنا أن لا نأخذ أبدا بظاهر الأمور مهما كانت مشتعلة إعلاميا، فالحقيقة لا تجدها في وسائل الإعلام ولا في التصريحات السياسية النارية، بل تجدها على أرض الواقع ، وقد علمتنا السياسة واحداثها إلى ما فعلته إسرائيل وإيران على الأرض، وقد تم تجاوز تلك الازمة في حينها ، وبينما انا منشغل في كتابة سطور مقالتي هذه ،
أفادت صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية قبل ساعتين أن إيران أوقفت ردا عسكريا كبيرا على إسرائيل في اللحظات الاخيرة هذا اليوم بعد تحذير أمريكي لطهران بأن واشنطن ملزمة بالدفاع عن إسرائيل.
وذكرت الصحيفة نقلا عن مصادرها أن هناك دلائل متزايدة على أن إيران كانت تستعد في الأيام الأخيرة لضربة انتقامية ضد إسرائيل ردا على اغتيال 7 من عناصر الحرس الثوري الإيراني بينهم العميد قائد فيلق القدس في سوريا ولبنان محمد رضا زاهدي والعميد محمد هادي حاجي رحيمي في قصف استهدف قنصلية إيران في دمشق،
وقالت “يديعوت أحرنوت” أن أيران “أجلت في اللحظة الأخيرة تنفيذ الرد أو أنها قررت تغيير طبيعة العملية نتيجة لتحذير صريح من كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية”، السؤال المهم هل امريكا حريصة على ايران ام على اسرائيل ؟ ام من خشيتها من فلتان الوضع من قبضتها وان التصعيد يأتي في ظروف بالغة الدقة والتعقيد بالعالم والمنطقة والداخل الامريكي ؟ المشكلة الحقيقية التي تواجه ايران وامريكا هي ان اسرائيل لم تعد كما كانت قبل احدث 7 / اكتوبر وباتت تنظر للامور بمنظار مختلف كليا في نظرتها عن امريكا وايران ، وان المشتركات التي كانت تجمع الاطراف الثلاث باتت مختلفة عند اسرائيل تحديدا ، لذلك هي تريد الرد الايراني ان يأتي وتريد من توسعة الحرب ويأخذ الصراع ابعادة الاخيرة ومن هنا جاء القلق الامريكي والتدخل بتأجيل الرد الايراني ، اسرائيل اليوم مهتمة بتأمين امنها ولن يتحقق ذلك بوقف الحرب في غزة وانما تعتقد تل ابيب ان ذلك الامن لامجال بتحقيقة الا بالحرب الشاملة بالمنطقة والتي من شأنها ان تجبر امريكا ومن تحالف معها بالتدخل لجانبها في حسم تلك الحرب لصالحها، ومن ثم العمل على تغيير خارطة المنطقة الجيوسياسية المعتمدة حاليا من قبل الولايات المتحدة والتي لاترغب بالمساس بها والذهاب بتوسعة الحرب اقلها في الظروف الحالية ، ومن هنا نجد ان صراعا امريكيا اسرائيليا خفيا يدور خلف الكواليس بهذا الخصوص ، في حين ليس مستبعدا ان تقوم اسرائيل بفعل استفزازي اخر يجبر ايران عل الرد ولن تترك مساحة حينذاك امام امريكا وايران بتلافي المواجهة الحتمية .