من جاء بهم لا يسقطهم… ومن يعارضهم لا يملك بديلاً
مقدمة
من يحلّ تلك الحزورة؟
المشهد العراقي بات أعقد من قدرة العقل السياسي المحلي على التحليل أو الحسم. فالمعادلات التي تحكم السلطة، والمعادلات التي تحكم الشارع، والمعادلات التي تديرها العواصم الكبرى – لا تلتقي، ولا تنفصل. إيران تدير السلطة، دون أن تتحمل مسؤوليتها. الفصائل تدير الدولة، دون أن تعترف بشرعيتها. حكومة محمد شياع السوداني تحاول إرضاء الجميع، فلا تُرضي أحدًا. السوداني يريد، ولا يريد. الإطار يطلب، ثم يتراجع. أما ترامب ، فلا يتحدث كثيرًا… بل يفعل ما يريد . والشعب العراقي؟ في متاهة دائمة، تتجدد كلما ظن أنه اقترب من الخلاص .
حين تصنع الفصائل الحكومة… كيف تطلب منها أن تسقطها؟
من البداهة القول إن حكومة السوداني لم تكن نتاج صناديق اقتراع بقدر ما كانت نتيجة تفاهمات فصائلية إيرانية محضة . الرجل لم يكن خيارًا شعبيًا، بل مرشح تسوية مريحة لحلف السلاح والمال والنفوذ.
واليوم، مع تصاعد الضغط الأميركي، وبروز خطابات “إصلاحية” داخلية، يُطلب من السوداني أن يُنهي نفوذ الفصائل، ويضبط سلاحها، ويعيد الدولة إلى مسارها… والسؤال الجوهري هنا: كيف يُطلب من رجل أن يسقط مَن جاء به إلى الحكم؟
هذه معادلة مقلوبة لا تنتج دولة، ولا تؤسس لإصلاح. بل تؤدي إما إلى الانفجار الداخلي أو إلى انهيار تدريجي للشرعية السياسية برمّتها .
ترامب يعود… والضغط الأميركي بلا دبلوماسية
منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض، تغيّر الموقف الأميركي من العراق كليًا. لم تعد واشنطن تتعامل مع الملف العراقي كأرض رمادية، بل كساحة صراع حقيقي مع نفوذ طهران . الخطاب الأميركي أصبح أكثر صرامة، يتحدث بوضوح عن تقليص دور الفصائل، تفكيكها، وإعادة تشكيل المعادلة الأمنية بما يخدم مشروع الردع الشامل تجاه إيران .
لم تعد الولايات المتحدة مستعدة لمساومات. الرسالة وصلت بوضوح إلى بغداد: إما ضبط السلاح المنفلت، أو إعادة رسم قواعد اللعبة بالقوة .
وهنا يجد السوداني نفسه مكشوفًا . لا يستطيع الاصطدام بحلفائه، ولا يمكنه تجاهل متطلبات المرحلة الجديدة . إنه رئيس حكومة بلا هامش مناورة حقيقي .
معارضة بلا مشروع… والبديل المفقود
لكن لا يمكن لوم السلطة وحدها دون التوقف عند مأساة المعارضة العراقية، التي لم تكن في كثير من وجوهها ، أفضل حالًا من السلطة ذاتها .
قوى المعارضة تفتقر إلى مشروع وطني شامل، وتفتقد أدوات التأثير الحقيقي. نخبها مشغولة بالتنظير، قواعدها منقسمة، ورؤيتها للإنقاذ مشوشة أو غائبة .
لم تنجح هذه المعارضة في بناء خطاب يوازن بين المبدأ والمصلحة، ولم تستطع مخاطبة الفاعل الدولي بلغة المصالح، ولا الداخل بلغة الأمل الواقعي .
تبدو هذه القوى اليوم عاجزة عن الحشد، عن صياغة بديل، عن فرض إيقاع سياسي أو شعبي. فهل يُعوّل عليها في إنقاذ بلد تتقاذفه أمواج الصراع الإقليمي والدولي؟ أم أنها مجرد تعبير عن أزمة وطنية شاملة، لا تخص السلطة وحدها؟
الشعب العراقي… الغائب الأصيل
أما الشعب، فهو الحاضر في الشعارات، الغائب عن القرارات من خرج إلى الساحات في تشرين، عاد إلى صمته بين الخبز والحلم المؤجل . الشارع يعرف أن لا أحد يمثله . لا السلطة، ولا المعارضة، ولا الشعارات الفضفاضة. الشعب وحده يدفع الثمن، ولا أحد يكترث .
من يطيح بمن… أم من يُسقط الجميع؟
في النهاية، السؤال لم يعد: من يطيح بمن؟ بل: من بقي أصلًا قادرًا على الإطاحة أو التغيير؟
السوداني لا يستطيع إسقاط الفصائل. الفصائل لا تسمح بإسقاط مشروعها. الولايات المتحدة قررت كسر المعادلة، لا التفاهم عليها. المعارضة تائهة، غير مؤهلة. والشعب مسحوق، منهك، منزوع الإرادة الجماعية.
إننا أمام مشهد سقوط جماعي، لا انقلاب مفاجئ. فالعراق لا يُحكم… بل يُستنزف. ولا يُنقذ… بل يُؤجَّل .