بدأ حلف شمال الأطلسي “الناتو” يولي اهتماماً أكبر بموريتانيا، وتعزز ذلك الاهتمام خلال قمة مدريد التي عقدت في نهاية يونيو(حزيران) الماضي، بهدف حماية البلاد من تمدد الفوضى في دول الساحل وشمال أفريقيا، بالإضافة إلى محاربة الوجود الروسي المتنامي على حدود دول القارة.
تهديد مباشر
وتنظر الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي بقلق إلى الوجود الروسي المتنامي في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، وسبق أن نددت العديد من الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وفرنسا، بوجود مرتزقة روس من مجموعة فاغنر في مالي وأفريقيا الوسطى.
كما يشكل النفوذ الصيني المتزايد، لاسيما في المجال الاقتصادي، مصدر إزعاج لدول الناتو، وهو ما يعكس توجهه لتركيز اهتمامه على هذه المنطقة، ولا يستبعد المراقبون أن يكون الغرض من دعوة موريتانيا إقناعها بالسماح للناتو بإنشاء قواعد عسكرية على أراضيها، لتعزيز حضوره في مواجهة التحدي الروسي والصيني عن قرب.
ووفقاً لخريطة الطريق الاستراتيجية الجديدة التي تم تبنِّيها خلال قمة مدريد، صنّف الناتو روسيا على أنها التهديد الأكبر والمباشر لأمن الحلفاء، ونددت الوثيقة بالشراكة الاستراتيجية العميقة بين بكين وموسكو، وبمحاولاتهما المتبادلة للتأثير على استقرار النظام العالمي، وأعرب الحلف عن قلقه من النفوذ الروسي والصيني المتزايد على جناحه الجنوبي، في أفريقيا خصوصاً، محذراً من خطر زعزعة استقرار هذه المنطقة من العالَم.
وأوضح الأمين العام للحلف، ينس ستولتنبرغ، أن الدول الأعضاء تطرّقت خصوصاً إلى مسألة سعي روسيا والصين إلى تحقيق تقدّم سياسي واقتصادي وعسكري في جنوب نطاق أراضي دول الناتو، ويعتقد محللون أن ذلك يشكل تحدياً متزايداً يريد الناتو التصدي له، لا سيما عبر تقديم مزيد من المساعدات لشركائه في المنطقة، وهو ما تأكد عبر خطته لدعم موريتانيا ولمساعدة هذا البلد الأفريقي في ضمان أمن حدوده.
نواكشوط شريكة للناتو
وفي موقع “teller report”، قال نائب الأمين العام المساعد للشؤون السياسية والسياسة الأمنية لحلف الناتو، خافيير كولومينا إن “دور نواكشوط في منطقة الساحل كبير وضروري لسببين: الأول هو أنها الشريك الوحيد لحلف الناتو في منطقة الساحل، كما أنها الدولة الوحيدة التي يمكنها الوصول إلى بعض أدواتنا بطريقة منهجية لأنهم شركاء”.
وأضاف “السبب الثاني يكمن في أن موريتانيا هي الدولة الوحيدة في الساحل التي تسيطر على أراضيها وحدودها، وهي دولة تتمتع باستقرار سياسي وأمني، لذا فإن التعاون معها أفضل في نظر الحلف”.
يذكر أن حلف الناتو أعلن في قمته بمدريد، عزمه تقديم حزمة مساعدات إلى موريتانيا دون الكشف عن حجمها أو جودتها، في حين صرح الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ بأن هذه المساعدة تهدف إلى دعم جهود موريتانيا في التعامل مع أمن الحدود والهجرة غير الشرعية والإرهاب.
مخاوف أوروبية
وبدوره، قال الصحافي المتخصص في الشؤون الإسبانية محمد الأمين ولد الخطاري، لموقع (teller report): “لا يمكن قراءة التقارب بين موريتانيا والناتو إلا في سياق ما أطلق عليه الحلف في قمة مدريد، المفهوم الاستراتيجي الجديد والصراع المحتدم بين روسيا والغرب بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا”.
وأضاف أن “الوجود الروسي في المناطق الإفريقية أثار مخاوفاً للقارة الأوروبية، في ظل المشهد العالمي المتشكل وفق خريطة جديدة، تحاول موسكو من خلالها لعب أدوار استراتيجية في إفريقيا وآسيا، كما لا شك في أن الوجود الروسي في مالي والمساعدات العسكرية الروسية المعلنة لباماكو، أثارت مخاوف الناتو ما جعل الحلف يعزز ما أسماه الجناح الجنوبي للحلف في قمته الأخيرة”.
وأكد الصحافي أن الصراع الحالي بين روسيا والتحالف هو صراع على النفوذ، للحصول على موطئ قدم استراتيجي خاصة على الموانئ البحرية، لافتاً إلى أن الوجود الروسي في مالي وقربهم من المنطقة، أثار مخاوف الاستراتيجيين الأوروبيين من وصول روسيا إلى ميناء عبر الأطلسي.
وأوضح “هذه التطورات عززت مخاوف دول الاتحاد الأوروبي، وجعلت الناتو يؤسس لمفهوم استراتيجي جديد تكون موريتانيا من خلاله شريكاً في مواجهة النفوذ الروسي في المنطقة، رغم أنه لم يتم الإعلان عنه رسمياً بعد”.
وأردف قائلاً “الجماعات الإرهابية يمكن أن تستغل حالة عدم الاستقرار في المنطقة، خاصة في مالي بعد انسحاب القوات الفرنسية، الأمر الذي قد يؤثر على الحدود الأوروبية المتمثلة في إسبانيا، البوابة الأوروبية الأولى للتحالف”، مشيراً إلى أن موريتانيا قد تصبح أول قاطرة فعالة في سياق التحولات الاستراتيجية الجديدة.
علاقة قديمة
وحول طبيعة العلاقة بين الناتو وموريتانيا، وسبب الاهتمام في الآونة الأخير، قال ولد الخطاري إن “العلاقة بين نواكشوط ومدريد في السياقات الأمنية هي علاقة تقليدية، ومؤسسة على تراكمات من التبادل الاستخباراتي والأمني والعسكري بحكم التداخل بين جزر الكناري وموريتانيا، باعتبارها الجار الأفريقي الأقرب بعد المغرب والجزائر للحدود الإسبانية”.
وقال المحلل السياسي الموريتاني الولي ولد سيدي هيبه لصحيفة العرب اللندنية إنه “بالرغم من التوجه الجديد للناتو نحو موريتانيا، إلا أن علاقة الحلف ونواكشوط قديمة، وتشمل التعاون والتنسيق في مجالات محاربة الإرهاب والهجرة غير النظامية”.
وأضاف أن “الحلف عمل خلال السنوات الأخيرة على دعم موريتانيا في مجالات التدريب العسكري”، مشدداً على أن القمة الأخيرة للحلف في مدريد، وما أعقبها من زيارات لمسؤولين أوروبيين إلى نواكشوط، تؤكدان أن هذا التعاون سيتعزز.
تواجد روسي في مالي
وفي سياق متصل، أفادت الحكومة الألمانية الأربعاء الماضي، عن وجود مفترض لقوات روسية بالزي العسكري في مدينة غاو المالية بعد مغادرة آخر جندي فرنسي من عملية برخان لمحاربة الإرهابيين الإثنين الماضي.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية خلال مؤتمر صحفي دوري، إنه “منذ ذلك الحين، تم رصد مثل هذا الوجود الروسي في هذه المدينة الواقعة شمال مالي”، وحذر المتحدث من أن الوجود الروسي في هذه المنطقة “سيغير بيئة عمل البعثة”، من دون الكشف عن مزيد من التفاصيل، مضيفاً أن السفير الألماني لدى مالي اتصل مباشرة بوزير خارجية مالي بهذا الصدد، كما أن الحكومة الألمانية على اتصال أيضاً بالأمم المتحدة.
قوات “فاغنر”
ووفقاً لتقرير المخابرات البريطانية، يتواجد نحو 5 آلاف مرتزق من الشركة العسكرية الروسية الخاصة والتي تعرف باسم “فاغنر” يعملون في جميع أنحاء العالم، وهذه المجموعة كان لها دور ونشاط على مدى الـ 8 سنوات الماضية في كل من أوكرانيا وسوريا وليبيا وعدد من الدول الأفريقية، كما اتهمت مراراً بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان.
ويقول صموئيل راماني، من معهد رويال يونايتد سيرفيسز لموقع “بي بي سي: “تُجند فاغنر بشكل أساسي قدامى المحاربين الذين يحتاجون إلى سداد الديون وتغطية تكاليف الحياة، إنهم يأتون من مناطق ريفية حيث توجد فرص أخرى قليلة أمامهم لكسب المال”.
وفي الآونة الأخيرة، دُعيت مجموعة فاغنر من قبل حكومة مالي في غرب أفريقيا لتوفير الأمن ضد الجماعات الإسلامية المتشددة، وقد كان لوصول المجموعة إلى مالي أثر على قرار فرنسا بسحب قواتها من البلاد عام 2021.
ويعتقد البعض أن وكالة الاستخبارات العسكرية الروسية (GRU)، تمول وتشرف سراً على مجموعة فاغنر، وقالت مصادر للموقع إن “قاعدتها التدريبية في مولكينو بجنوب روسيا، توجد جنباً إلى جنب مع قاعدة عسكرية روسية”، وتنفي روسيا باستمرار أن يكون لفاغنر أي صلة بالدولة.
نفوذ روسي
وفي مجلة “أتالايار” الإسبانية، ناقش الباحث ومدير مركز تحليل الحوكمة والأمن في منطقة الساحل، بوبكر با، الوضع السياسي الحالي في مالي وانسحاب فرنسا ودور روسيا في منطقة الساحل.
وحول محاولات روسيا لكسب نفوذها في المنطقة من خلال مجموعة فاغنر، قال الباحث “تدعم روسيا البلدان التي تمر بأزمات – كما تفعل في سوريا – التي تحتاج إلى دعم دولي أو التي لا يمكن لحلف الناتو أن ينجح فيها، هناك العديد من الأمثلة في إفريقيا مثل ليبيا أو مالي أو جمهورية إفريقيا الوسطى، أعتقد أن روسيا تريد ترسيخ وجودها في منطقة الساحل من خلال تشويه سمعة فرنسا، حيث تُظهر موسكو أن فرنسا لا تملك القدرة على السيطرة على دول الساحل”، مشيراً إلى أن موسكو تريد زيادة نفوذها في المنطقة لاستعادة المساحة التي فقدتها منذ سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1990.
وحسب تقارير إخبارية، يعمل الكرملين لتنظيم قمة ثانية لرؤساء الدول والحكومات بين روسيا وأفريقيا في نوفمبر(تشرين الثاني) المقبل، تهدف إلى توثيق العلاقات الاقتصادية وزيادة التعاون الدفاعي وغيره مع الدول الأفريقية.