جودة مرسي
خلال شهر ديسمبر من كل عام وقبل بداية العام الجديد يكثر حديث المجالس حول توقعات العام والتنبؤ بأحداثه، كل حسب وجهة نظره وتمنياته وبالطبع متابعته للأحداث، إلا أن هناك سباقا من نوع آخر تتبارى فيه العديد من وسائل الإعلام، سواء المرئية أو المقروءة ومعها المواقع الإلكترونية في الحديث عن تنبؤات العام الجديد، وهناك منجمون يتلهف على زيارتهم المشاهير من رجال ونساء الساسة والفن والرياضة والأعمال لمعرفة حظوظهم في العام الجديد، خصوصا وإن كان هذا المنجم أو العراف قد توقع حدثا معينا وبالمصادفة يحدث بالفعل، وإن كانت معظم التنبؤات تأتي بالخبرة والتدرج لأمور معينة ـ ولا علاقة لها بعلم الغيب الذي اختص به الله سبحانه وتعالى نفسه ـ كأن يكون أحد المشاهير ـ خصوصا الفنانين ـ مصابا بمرض خطير وميؤوس من علاجه فيذهب المنجم بالتصريح بأنه يتوقع وفاة هذا الشخص في العام القادم، أو لاعب موهوب لفت الأنظار فيتوقع له المنجم بأنه سينتقل نقلة نوعية، وسيكون في أحد أشهر الأندية العالمية في العام الجديد. ويكون ذلك مع اقتراب موعد مسابقة عالمية كبرى ونسبة المشاهدة بها كبيرة ويشارك فيها اللاعب ويؤدي جيدا فيستقطبه أحد الأندية الكبرى، وعلى الجانب السياسي حين تشهد دولة ما احتجاجات شعبية ونسبة عالية من البطالة وترديا في الحالة المعيشية ستجد المنجم يتوقع أن العام الجديد سيشهد رحيل رئيس هذه الدولة، وهذا أمر طبيعي لتواتر الأحداث، وهكذا يتم الأمر بالمتابعة مع شيء من المصادفة والخبرة، وتأتي التوقعات الأكثر سخونة حين تتدخل أجهزة المخابرات للدول الكبرى فتبث إشاعات لنبوءة يراد بها أن يتيهأ العالم لحدث ما أو رسالة خوف لدولة معينة وتلصق الأمر بالمنجمين ليصدقها الناس، ويأتي الاعتقاد بالمنجمين وتنبؤاتهم خصوصا في الأحداث الكبرى بحالة الرغبة والهوس بمعرفة الغيبيات، وتوجد أسماء شهيرة من العرافين تتردد أسماؤهم سنويا، أشهرهم الطبيب الفرنسي ميشيل دي نوستراداموس، وهو من القرن السادس عشر وتوفي في العام 1566، ودون له كتابا عبارة عن رموز على شكل قصائد؛ كل منها مؤلف من أربعة أبيات. ونشرت في عشرة أجزاء عن ما سيشهده العالم مستقبلا في أكثر من ألف توقع سيحدث عبر مئات السنين، وثاني أشهر العرافين العجوز البلغارية “بابا فانجا”.
من أشهر التوقعات التي دونت للعام القادم والتي نقلتها المواقع عن تنبؤات (نوستراداموس) حدوث حرب عالمية ثالثة في العام القادم 2019 وسيكون محورها بين الشرق والغرب!!! ويذكي هذه النبوءة مخابرات الدول الكبرى تمهيدا لأحداث قد يشهدها الشرق الأوسط، مستندين إلى صدق نبوءاته التي حصلت سابقا!! مثل الحريق الكبير الذي اندلع في لندن عام 1666، وكذلك التوقع بوصول أدولف هتلر إلى السلطة في ألمانيا، ومصادر تلك التنبؤات هو فقط ما هو مدون من شعر في كتابه وبفك رموزه على أنها توقعات مثل توقع إلقاء قنبلتين نوويتين على مدينتين باليابان حيث كتب (بالقرب من البوابات وداخل مدينتين ستكون هناك كوارث لم يُرَ مثلها من قبل، مجاعة وطاعون، ويُقتل الناس بالحديد ويجأرون لله كي ينقذهم.) وفسرت بقيام أميركا بإلقاء القنبلة الذرية على مدينتي هيروشيما وناجازاكي في اليابان العام 1945.
وتأتي ثاني المشاهير العرّافة العجوز البلغارية (بابا فانجا) التي توفيت في العام1996 والتي كانت مقصدا لبعض الرؤساء والمشاهير، والتي ذكر عنها بأنها توقعت أن تشهد أوروبا انهيارا اقتصاديا خلال العام 2019. وتعرض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى محاولة اغتيال، فيما سيتعرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى مرض غامض، يصيبه بسكتة دماغية. ويقول متابعو “فانجا” إنها توقعت صعود اقتصاد الصين من 4.1% من اقتصاد العالم إلى 15.6 بحلول عام 2015، وهو ما حدث بالفعل، ويوجد لـ(بابا فانجا) أحاديث مسجلة على الإنترنت.
هذه بعض التوقعات المنقولة عن المنجمين وتوقعاتهم الشهيرة، وهو بالطبع يخالف تعاليم ديننا الإسلامي لأن الغيب بيد الله سبحانه وتعالى وأنه سبحانه لا يظهر على غيبه أحد، كما أن نبينا صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد برئ مما أنزل على محمد, ومن أتاه غير مصدق له لم تقبل له صلاة أربعين ليلة). إن رغبة الإنسان في معرفة القادم له من المستقبل وسعيه وراء ما كتب عن هؤلاء العرافين من تنبؤات حتى وإن صدفوا في بعضها (كذب المنجمون ولو صدفوا) قد تدفعه إلى تصديق الخرافة والدجل, وكل هذه التنبؤات غير الموثقة والتي لا نعرف من أنزلها سوى تواترها من آن لآخر عن الحروب والصراعات والأشخاص, فهذه مسائل متشابهة تحتمل حدوثها لأكثر من حدث وليس لحدث بعينه, فجميعها أمور ما أنزل الله بها من سلطان, و(كذب المنجمون ولو صدفوا).