كتب/ محمد علي جعفر
في ظل التطورات التي تجري في المنطقة، تطفو على سطح الأحداث العالمية قضية مسلمي الروهينغا، والجرائم التي تجري في حقهم من قِبَل حكومة ميانمار، في ظل صمتٍ دوليٍ عارم. لكن القيام بالبحث عن الحقائق عبر قراءة تاريخ ميانمار وتحليله بالإضافة الى تَتَبُّع مسار الأحداث لا سيما خلال السنوات الأخيرة، يُفضي الى معرفة الأسباب الكامنة خلف هذا الصمت الدولي لا سيما الغربي. في حين دخلت قضية مسلمي الروهينغا، بازار التدويل والاستغلال الغربي كغيرها من القضايا الإنسانية العالمية. فماذا في موقع ميانمار الإستراتيجي ومواردها الهائلة؟ وكيف شكَّل ذلك مطمعاً للدول؟ ولماذا تسعى واشنطن لجعلها ساحة صراعٍ مع الصين؟
ميانمار: موقع استراتيجي وموارد هائلة.
يمكن تبيين أهمية الموقع الإستراتيجي لميانمار وحجم الموارد الهائلة التي تمتلكها من خلال لِحاظ التالي:
– تقع ميانمار بين الصين (الشمال الشرقي) والهند (الشمال الغربي).
– تُعتبر ثاني أكبر دولة في منطقة جنوب شرق آسيا بعد أندونيسيا.
– تُنتج ميانمار نحو 500 مليون قدم مُكعب من الغاز تستحوذ على ثُلثيه دولة الصين وتتشارك فيه أيضاً شركات من الهند وكوريا الجنوبية.
– تُعتبر ميانمار أغنى دول منطقة شرق آسيا من حيث توفُّر المياه، حيث إن مياه أربعة أحواض نهرية تولِّد 80% من الكهرباء في ميانمار.
– تُغطي الأراضي الزراعية مساحة 13 مليون هكتار.
– تُصدِّر ميانمار فقط 8% من إنتاجها الكلي للأسماك الى 30 دولة أغلبها أوروبية، بقيمة تتجاوز النصف مليار دولار (680 مليون دولار بحسب احصاءات 2011).
تقع أغلب ثروات النفط والغاز والأراضي الزراعية والجبلية في المناطق الشمالية (تحديداً منطقة آراكان)، والتي يسكنها مسلمو الروهينغا!
المطامع الدولية بين الماضي والحاضر
كانت بورما (ميانمار قديماً) جزءاً من الهند البريطانية منذ عام 1886 وحتى عام 1948 قبل أن تمنحها الحكم الذاتي. وفي العام 1989 حصلت بورما على اعتراف الأمم المتحدة بها بعد أن تبنَّت اسمها الجديد ميانمار. بعد ذلك، كانت الدولتان المجاورتان (الصين والهند) أول من سارع الى استغلال الموارد الموجودة. ففي الوقت الذي سعت الدول الغربية لإخضاع حكومة ميانمار بهدف السيطرة على الموارد عبر فرض العقوبات، قامت الصين عام 1988 وبعد قراءتها لأهمية الموقع الإستراتيجي لميانمار، بتوقيع اتفاقيات تجارية وعسكرية. وانتقلت بكين حينها من موقع الداعم للتيار المعارض في ميانمار الى موقع المؤيد للحكومة. وباتت الصين بعد ذلك الشريك التجاري الأول.
حينها وجدت الدول الغربية أنه لا جدوى من العقوبات على ميانمار لإخضاعها، فالحكومة هناك وبسبب ما تمتلكه من موارد وموقع استراتيجي، باتت تمتلك أوراق قوة تجعلها تمضي قُدماً في جرائمها العرقية، دون وجود أي رادع. وبالنسبة للدول الغربية، فإن مصالحها تُعتبر الأولوية لديها.
في العام 2011 استفاق الطرف الأمريكي، ليجد أن العقوبات الغربية على ميانمار، عزَّزت من موقع الصين، وضربت المصالح الغربية، وأضرَّت بموازين الحرب بين واشنطن وبكين في منطقة شرق آسيا. فسارع باراك أوباما عام 2012، وبعد فوزه بولاية رئاسية ثانية، إلى إقامة علاقات متينة مع ميانمار. ونتج عن ذلك زيارة أوباما الى ميانمار بعد سنوات طويلة ظلت خلالها ميانمار قيد العزلة السياسية ورُفعت العقوبات تدريجياً عنها وساهم البنك الدولي في مشاريع الدعم وهندسة منظومتها المالية. في الوقت ذاته لم تكن الدول الأوروبية لا سيما بريطانيا بعيدة عن توطيد العلاقات.
ميانمار الضحية: واشنطن وأدواتها ومحاولات الحد من النفوذ الصيني
كانت آخر مظاهر تمتين العلاقات بين حكومة ميانمار وأمريكا، دعوة وزير الخارجية الأمريكي في نهاية حزيران الماضي المسؤولين في ميانمار الى زيارة رسمية لواشنطن. لكن جذور التغلغل الأمريكي أقدم من ذلك، اعتمدت فيها أمريكا على أدواتها وهي ظهرت من خلال:
– دعم الإدارة الأمريكية السابقة لإستراتيجية “التوجه نحو الشرق” والتي وضعتها الهند لمحاربة النفوذ الصيني عبر ميانمار.
– العمل على توطيد العلاقات العسكرية بين الهند وميانمار عبر تعزيز العلاقات الدفاعية المشتركة وهو ما كان يجري بمباركة أمريكية واستغلته الهند للقضاء على حركات التمرد ضدها.
– خلق أسواق في ميانمار للمنتجات الهندية في محاولة لضرب سوق المنتجات الصينية فيها. وهو ما تقوم ميانمار باستغلاله وتحقيق منافع من كلا الطرفين.
– تطوير العلاقة بين تل أبيب وميانمار. حيث قررت محكمة القدس إعادة النظر خلال شهر أيلول الحالي في معاهدة التسليح القائمة بين البلدين، وهو ما وُقِّع عام 2015 بين الطرفين إثر زيارات متبادلة.
إذاً ليست قصة الصمت الدولي تجاه ما يجري في ميانمار، إلا نتيجةً لأولوية المصالح الدولية لا سيما الاقتصادية منها، وما تُشكَّله هذه المصالح من أساس للقوة السياسية. في حين تتمتع ميانمار بموقعٍ جيوسياسي استراتيجيٍ أكسبها نقطة قوة، جعلتها هدفاً أمريكاً لابتزاز الصين والحد من نفوذها. لتتحوَّل حكومة ميانمار الى حليفٍ للغرب، ولتُشكِّل قضية مسلمي الروهينغا المُتكررة اليوم، فرصةً ذهبية للدول الغربية لتوسيع نفوذهم وتعزيز مصالحهم، على حساب البُعد الإنساني للقضية!