اخبار سياسية

ميدانياً وإلكترونياً… المتسوّلون يكثّفون نشاطهم “الرمضاني” في الأردن

يتم استغلال الأطفال في عمليات التسول في معظم الأحيان.


يعد شهر رمضان بالنسبة لممتهني التسول في الأردن فرصة ثمينة لجمع أكبر قدر من الأموال، في شهر يزداد إقبال الناس على تقديم التبرعات والصدقات والمساعدات بأشكالها كافة وبأكثر من طريقة ووسيلة، رغم أن الجهات الرسمية المعنية حذرت مراراً وتكراراً من تقديم المساعدات لممتهني التسول، والحرص في المقابل على تقديمها عبر القنوات الموثوقة.
وفي رمضان، يبدو انتشار المتسولين في الشوارع الأردنية لافتاً وكبيراً، وخصوصاً عند الإشارات الضوئية، بينما يتم التركيز أيضاً على الحضور عند بوابات المساجد والمحال التجارية، وأي مكان آخر يعتبره المتسولون حيوياً بالنسبة لهم. ويعمل عدد كبير منهم ضمن ما يطلق عليها “عصابات” تديرهم بشكل منظم ومدروس وتوفر الحماية لهم في حال تعرضهم لأي مواجهة أو ملاحقة، فضلاً عن تقديم “خدمات التشغيل” المتعلقة على سبيل المثال بتأمين وسائل التنقل ووجبات الطعام وما إلى ذلك من خدمات. ولا يقتصر أمر المتسولين على العمل الميداني، إذ إن منصات التواصل الاجتماعي كافة، تشهد هي الأخرى نشاطاً مكثفاً من قبل هذه الفئة التي باتت تحترف أساليب إثارة التعاطف ودفع الآخرين إلى التفاعل معهم وتقديم المساعدات النقدية من خلال المحافظ المالية الإلكترونية. ظاهرة عصية على الحلويرى الناشط الاجتماعي الأردني أمجد عثمان الشبلي أن ظاهرة التسول تعد واحدة من الظواهر العصية على الحل رغم كل الجهود الهادفة لمواجهتها، والسبب من وجهة نظره وجود عصابات منظمة تقف خلف ممهتني التسول، وأصبح الأمر بالنسبة لها تجارة رابحة. ويضيف الشبلي لـ”النهار العربي”، أن المسؤولية بالدرجة الأولى “تقع على عاتق الناس الذي يتعاطفون مع هذه الفئة رغم أنها تمتهن التسول وليست بحاجة حقيقية للمساعدة”، مشيراً إلى الكثير من الحالات التي كُشف عنها، وأظهرت أن متسولين يمتلكون أموالاً طائلة وعقارات ومركبات فاخرة. 

والواجب فعله كما يقول الشبلي، هو “الامتناع تماماً عن تقديم الأموال للمتسولين، وتوجيه أي صدقة أو تبرع إلى الجمعيات الخيرية المرخصة والجهات الموثوقة، سواء تتبع للقطاع الخاص أو الحكومي، خصوصاً أن مثل هذه الجهات تمتلك بيانات دقيقة بالأسر الفقيرة، وتقدم المساعدات لها بما يتناسب مع احتياجاتها وبشكل منتظم ومدروس”.
عجز وعقوبات غير رادعةويقر مصدر في وزارة التنمية الاجتماعية لـ”النهار العربي” بعدما طلب عدم ذكر اسمه، بعجز الوزارة عن إحداث اختراق كبير في ملف مواجهة ممتهني التسول، عازياً سبب ذلك إلى أن العقوبات التي توجه لهم غير رادعة مع سهولة كفالتهم بعد إحالتهم إلى الحكام الإداريين وعودتهم مجدداً للتسول، بالإضافة إلى تعامل الوزارة مع الملف بنهج تقليدي لا يحاكي حجم التحديات والمتغيرات. ويشير المصدر إلى أن أحدث أرقام الوزارة تشير إلى قيام كوادر مديرية مكافحة التسول بضبط 7809 متسولين خلال عام 2023 منهم 3740 متسولاً من البالغين و4069 من الأحداث، مقارنة بضبط 11333 متسولاً في عام 2022 منهم 4110 أحداث و7223 بالغاً، معتبراً أن انخفاض أعداد المضبوطين لا يعكس بالضرورة تقدماً في الملف. وتم تغليظ العقوبات بحق المتسولين وفق النص المعدل للمادة 389 من قانون العقوبات الرقم 10 لسنة 2022، إذ رفعت العقوبة لتصل إلى سنة في حدها الأعلى بدلاً من 3 أشهر، كما رفعت عقوبة “التسخير” لتصل إلى سنتين، وتغلظ على المكررين بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر إلى سنة، ولا يجوز استعمال الأسباب المخففة التقديرية. 

وتصف المادة ذاتها التسول بمن استعطى أو طلب الصدقة من الناس متذرعاً بعرض جروح أو عاهة فيه أو اصطنعها أو بأي وسيلة أخرى، سواء أكان متجولاً أم جالساً في محل عام، أو وجد يقود قاصراً دون السادسة عشرة من عمره للتسول وجمع الصدقات أو يشجعه على ذلك، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن العقوبة تطال من “يعرض سلعاً تافهة أو ألعاباً استعراضية أو غير ذلك من الأعمال التي لا تصلح بذاتها مورداً جدياً للعيش بقصد التسول، أو استعمال أي وسيلة أخرى مـن وسائل الغش لاستدرار عطف الجمهور، أو جمع الصدقات أو التبرعات الخيرية مهما كان نوعها استناداً إلى ادعاء كاذب”.
وبالعودة إلى المصدر، فقد أكد أن حديثه لا يعني أن الوزارة لا تمارس دوراً وجهداً في سبيل الحد من ظاهرة التسول، لكنه اعتبر ذلك غير كافٍ وبحاجة إلى تطوير وتخطيط أكثر عمقاً وتنظيماً ومواكبة للمستجدات، خصوصاً في ما يتعلق بمعالجة الظاهرة من جذورها وإيجاد بدائل ينخرط فيها المتسولون ليكونوا قادرين على إيجاد مصادر دخل، فضلاً عن أهمية وجود معالجة حقيقية لاستغلال النساء والأطفال لممارسة التسول.