ميلاد سوريا صاخب في باب توما وحزين في حلب… زينة وشموع وصلوات لغد أفضل

2

كنيسة قي سوريا.

يحيي المسيحيون في سوريا عيد الميلاد هذا العام، كما كل أعوام الحرب، بإضاءة الشموع والصلوات على أمل غد أفضل طال انتظاره في ظل تراجع عددهم في البلاد نتيجة للهجرة، كحال معظم دول المنطقة. في دمشق، زيّنت بعض الشوارع وواجهات المحال ومحيط الفنادق والمطاعم المشهورة بالأنوار ورموز رأس السنة، فيما أقامت معظم الكنائس مغارات ترمز للميلاد استقطبت الزوار من أبناء الكنيسة وخارجها في تقليد سنوي. صور تذكاريةفي ليلة العيد، اكتظّت أحياء باب توما وباب شرقي في المدينة القديمة بالمشاة، الذين جاؤوا لالتقاط الصور في شوارعها المزيّنة بالأنوار المعلّقة ومجسّمات “بابا نويل” وأجراس العيد وغيرها من الرسومات والرموز الخاصة بهذه المناسبة. 

 تقول ريما، الشابة الجامعية بعد التقاطها لصورة تذكارية أمام زينة أحد الفنادق المشهورة في الحي: “أتيت مع زملائي وزميلاتي في الدراسة، لالتقاط الصور. المنظر هنا يبعث على الفرح والتفاؤل والناس يتسابقون لتوثيق هذه الأجواء والمناظر الجميلة لتزيين صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي”. اكتظّت المطاعم والحانات المنتشرة على طرفي شارع حي باب شرقي الرئيسي (الشارع المستقيم) بالروّاد، لكن، منسّق الأغاني مراد، العامل في إحدى الحانات يؤكد أن “نسبة الاشغال الليلة هي ذاتها ولم نشهد اقبالاً استثنائياً بمناسبة العيد، الروّاد بأغلبهم هم ذاتهم الذين اعتادوا على السهر هنا”. في الطريق الواصل بين ساحة الأمويين وسط العاصمة دمشق وجسر فيكتوريا، تتجمّع السيارات في نقطتين بمحيط فندقين فاخرين لالتقاط الصور التذكارية أمام الأضواء والزينة المنتشرة في المكان. على مسرح في “أرض المعارض القديمة” في الجهة المقابلة من المكان، تعتلي الفرق الموسيقية المسرح الذي يتوسّط فعالية خاصة بعيد الميلاد ورأس السنة على مدى شهر، لإحياء الحفلات لمئات الزوّار الذين يتزاحمون لزيارة “القرية الميلادية” بفعاليّاتها التجارية والفنية والاجتماعية. صلوات للسلام وأمنيات بغد أفضلفي كنيسة الأرمن الكاثوليك بحي باب توما ذات الغالبية المسيحية في مدينة دمشق القديمة ترفع سارة، ذات الأعوام الـ 65، يديها متضرّعة إلى الرب “ليديم السلام والمحبة بين الناس، ويحمي أبناءها وأحبّايها”. “أيام صعبة هذه التي نعيشها” تقول السيّدة لـ “النهار العربي” واقفة إلى جانب ابنتها وحفيدتها في باحة الكنيسة المزيّنة، “لكن، الرب وعدنا بالخلاص، وإيماننا في يسوع كبير”. وتروي الأرملة الدمشقية، يوميّاتها الخاصة بعيد الميلاد شارحة أن “الأمور اختلفت كثيراً بعد الحرب، فالأولاد هاجروا وأصبح كل منا يحتفل بالعيد في بقعة مختلفة، يقول ابني البكر الذي انتقل إلى ألمانيا إنه لم يعد يشعر بالعيد إلا من خلال اتصالاتنا وتهنئاتنا”. وتراجعت أعداد المسيحيين في سوريا خلال سنوات الحرب نتيجة موجات الهجرة المتلاحقة، وفي ظل عدم وجود أرقام واحصاءات رسمية حول أعدادهم، وإحجام المؤسسات الدينية المسيحية عن التصريح بالأرقام الواقعية لحسابات مختلفة، يصعب التكهّن بالنسب المغادرة والمتبقّية في البلاد. لكن أعداد الطلّاب في المدارس الخاصة التابعة للمطرانيات المسيحية تشير إلى نزيف حاد في أعداد المسيحيين، خاصة في المناطق التي شهدت ظروفاً ميدانية متوتّرة في شمال ووسط البلاد، فيما خلت القرى المسيحية في محافظة إدلب من سكّانها المسيحيين بشكل شبه كامل (عدا عدد محدود من العجزة) بعد سيطرة “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة التابع لتنظيم القاعدة) والفصائل المتطرفة على المنطقة. حلب المنكوبة تكاد تشعر بالعيدوفي حلب، بدت أجواء الاحتفال بعيد الميلاد أقل زخماً مقارنة مع دمشق، فقد غابت الزينة عن شرفات المنازل والمحال في الأحياء المسيحية بشكل كبير، كما غابت شجرة الميلاد التقليدية عن ساحة حي العزيزية لأول مرة منذ سنوات. يقول طوني اسحق، من أبناء المدينة، والمتنقّل بين دمشق وحلب بحكم العمل، في حديثه إلى “النهار العربي”: “الميلاد هذا العام في حلب هو الأسوأ مقارنة مع سنوات الحرب، المدينة كئيبة والزينة في أدنى مظاهرها على الإطلاق والأزمة المعيشية طاغية على كل شيء”. ويعلل اسحق سلبية الأجواء شارحاً أن “كلفة قيمة الاشتراك بالمولدات الكهربائية مثلاً أدت إلى تراجع الكثير من الناس عن تعليق الأضواء وتزيين واجهات وشرفات منازلهم بالإضاءة، كما أن الارتفاع الجنوني لكلف المعيشة وأسعار الغذائيات والحلويات دفع بالناس إلى الاحجام عن اقامة موائد الميلاد”.وأضاف: “حلب تحررت من الحرب التي دمّرت الكثير من أحيائها السكنية وهجّرت نصف سكّانها، لتدخل في دوامة جائحة كورونا التي أثّرت على وضعها الاقتصادي، فتبعتها نكبة الزلزال التي قضت على بارقة التحسّن الاقتصادي للمدينة التي عرفت بعاصمة الصناعة السورية”. غزة حاضرة في مراسم عيد الميلادليست الأحوال المعيشية والاقتصادية فقط المؤثّرة على غياب مظاهر الاحتفال بعيد الميلاد عن شوارع دمشق والمدن السورية الأخرى، فقد مثّلت حرب غزّة عاملاً قويّاً من عوامل تراجع بهجة العيد. قبل أسابيع من حلول عيد الميلاد، أصدر الزعماء الروحيون للكنائس المسيحية في سوريا، تعميماً بإلغاء مظاهر الاحتفال بعيد الميلاد لتقتصر على الشعائر الدينية، ما دفع الطوائف المسيحية إلى الغاء خططها بإقامة حفلات وسهرات خاصة بهذه المناسبة، كما جرت العادة خلال عقود. كما غابت الفرق النحاسية والكشفية عن شوارع الأحياء ذات الغالبية المسيحية في دمشق وحلب وباقي المدن السورية، لتقتصر نشاطاتها على أداء بعض الألحان والنشاطات الترفيهية للأطفال في باحة الكنائس وداخل صالات المؤسسات الدينية. إلى ذلك، ألغى معظم المطارنة مراسم استقبال التهاني بالعيد في مقارهم، مكتفين بالتهنئات والمباركات بعيد القدّاس الديني الخاص بالميلاد داخل الكنيسة.عيد الميلاد في سوريا لهذا العام ليس كالأعياد السابقة، لكن، في النهاية، وحسب عليا السهوي، الشابة الدمشقية التي ألغت المراسم الاحتفالية بالعيد هذه السنة “بسبب حالة وفاة في العائلة” فإن “أجواء الميلاد بشكل عام جميلة، والأحكام بحقها تختلف من شخص لآخر حسب حالته النفسية، لكن الميلاد بمجمله يعني الراحة النفسية”.

التعليقات معطلة.