مقتل 80 شخصا في هجوم لـ”الدعم السريع” في سنّار جنوب شرق البلاد
إسماعيل محمد علي صحافي سوداني
سودانيات بتظاهرة أثناء اليوم الافتتاحي لمحادثات وقف إطلاق النار في جنيف (أ ف ب)
ملخص
حول مسار هذه المفاوضات وتواصلها في ظل غياب الجيش السوداني والمتوقع من نتائجها وإمكان تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه على أرض الواقع، قال وزير خارجية السودان السابق إبراهيم طه أيوب “من الواضح أن القوى المؤثرة دولياً وإقليمياً تسعى إلى أن يكون حل المسألة السودانية جزءاً من العملية السياسية لحل المشكلات التي تعترض منطقة الشرق الأوسط برمتها.
بات واضحاً أن قطاعاً عريضاً من السودانيين لا يريد تفويت فرصة تحقيق السلام بإيقاف الحرب المندلعة بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” منذ الـ15 من أبريل (نيسان) 2023 من خلال المفاوضات الجارية في جنيف خلال يومها الثالث برعاية الولايات المتحدة والسعودية وسويسراً، فضلاً عن حضور مصر والإمارات والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، في ظل غياب الحكومة السودانية التي تشترط تنفيذ اتفاق جدة الموقع بين الطرفين المتحاربين خلال الـ11 من مايو (أيار) 2023.
وبينما يتواصل النقاش بين الوسطاء حول الأجندة الخاصة في شأن السودان، فضلاً عن المساعي التي تبذلها واشنطن لإلحاق الجيش السوداني بهذه المفاوضات التي تستمر 10 أيام، تشهد مواقع التواصل الاجتماعي سجالاً كبيراً بين السودانيين الذين يرى غالبيتهم أن المواطن سئم الحرب وويلاتها، في حين يعتقد آخرون أن مفاوضات جنيف عبارة عن اجتماعات لدول تبحث عن مصالحها ولا ناقة للشعب السوداني فيها.
وترافق ذلك مع أنباء عن مقتل 80 شخصا وإصابة العشرات بجروح في هجوم “شنته قوات الدعم السريع” أمس الخميس على قرية جلنقي في ولاية سنّار بجنوب شرق السودان، وفق ما أفادت مصادر طبية وشهود عيان الجمعة.
وأوضح مصدر طبي “وصلَنا في المستشفى أمس 55 قتيلا وعشرات الجرحى بينهم عدد حالتهم حرجة، وتوفي منهم حتى صباح اليوم 25، ليرتفع العدد إلى 80” قتيلا.
مراوغة واشنطن
وفي الأثناء، أكد نائب القائد العام للجيش السوداني الفريق أول شمس الدين كباشي أن “واشنطن تراوغ، ونحن نريد اتفاق سلام عادلاً يحقق مطلوبات الشعب ويضمن تعويضه عن الضرر الكبير الذي تعرض له”، وجدد رفض بلاده توسعة منبر جدة وعدم وجود وسطاء جدد غير السعودية والولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي كما كان الحال في جدة.
وقال كباشي خلال لقائه وفداً إعلامياً سودانياً مصرياً يزور بورتسودان إن “أميركا غير حريصة على تنفيذ اتفاق جدة وليس هناك جهة تستطيع أن تملي علينا قراراً، ولدينا رؤية واضحة لتنفيذ هذا الاتفاق (إعلان جدة)، ولن نشارك في جنيف بوضعها الحالي إلا لمناقشة تطبيق مقررات جدة وفق مواقيت زمنية محددة”.
وبين أن الجيش ما زال يملك زمام الأمور وأن هناك متغيرات على الأرض ستحدث قريباً لمصلحة الدولة والمواطن. منوهاً بأنه إذا لم تتحقق مطالب الشعب فسيستمرون في الحرب. ولفت إلى أن “المواطن السوداني يريد فعلاً على الأرض وليس كلاماً وهذا من حقه ونبشره بالقادم”.
دعاية كاذبة
إلى ذلك، قالت وزارة الخارجية السودانية إن استمرار استهداف قوات “الدعم السريع” للمناطق المأهولة بالسكان تزامناً مع محادثات جنيف يؤكد عدم جدوى هذه الاجتماعات، التي تعقدها الولايات المتحدة ودول أخرى.
وأشارت الخارجية في بيان لها إلى أن قوات “الدعم السريع” وسعت خلال الأيام الثلاثة الماضية نطاق عملياتها الحربية مستهدفة عدداً من المناطق في كل من أم درمان بولاية الخرطوم، والأبيض في شمال كردفان، والفاشر داخل ولاية شمال دارفور باستخدام المدفعية الثقيلة، إذ أسفرت هذه الهجمات عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف المدنيين إضافة إلى تدمير عدد من المنشآت الخدمية، من بينها مستشفيات.
اقرأ المزيد
الأمم المتحدة تنتظر ضوءا أخضر لإدخال مساعدات إلى السودان
واشنطن تسعى لإعادة طرفي النزاع السوداني إلى طاولة المفاوضات
مجاعة في مناطق الحركة الشعبية لتحرير السودان
بيان مشترك للوساطة في ختام اليوم الأول لمفاوضات جنيف حول السودان
وتابع البيان “يكفي هذه الجرائم الإرهابية من الميليشيات التي وقعت في اليوم نفسه الذي تزعم فيه أنها بدأت محادثات سلام، لتأكيد عدم جدوى اجتماع جنيف الحالي”. مبيناً أن “قوات ’الدعم السريع‘ تستخدم الاجتماعات كمنصة للدعاية الكاذبة التي تفضحها جرائمها على الأرض”.
وأردف “السلام لن يتحقق بمنح ’الدعم السريع‘ فرصة التنصل من الاتفاقيات والالتزامات السابقة المستمدة من القانون الدولي الإنساني، ولا باعتبار من يزودها بالمدفعية بعيدة المدى والصواريخ والطائرات المسيرة التي تستهدف بها المدنيين شريكاً في السلام. ولا يمكن بحث قضايا السودان في غياب حكومته، مما لا يستند إلى القانون الدولي أو ميثاق الأمم المتحدة”.
حل شامل
وحول مسار هذه المفاوضات وتواصلها في ظل غياب الجيش السوداني والمتوقع من نتائجها وإمكان تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه على أرض الواقع، قال وزير خارجية السودان السابق إبراهيم طه أيوب “من الواضح أن القوى المؤثرة دولياً وإقليمياً تسعى إلى أن يكون حل المسألة السودانية جزءاً من العملية السياسية لحل المشكلات التي تعترض منطقة الشرق الأوسط برمتها، بدءاً بالقضية الفلسطينية ومروراً بملف إيران واليمن والتوتر الناجم عن سياسة الحوثيين في المنفذ الجنوبي للبحر الأحمر في باب المندب”.
وأضاف “كذلك واضح أن أياً من هذه المشكلات أو جلها تؤثر سلباً في السلامين الدولي والإقليمي. ولا ننسى أن الناخب الأميركي سيتوجه بعد ثلاثة أشهر إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس جديد وتود الإدارة الديمقراطية الحالية تهدئة الأمور في المنطقة والظفر ببعض الأصوات على رغم ادعاء البعض أن المواطن الأميركي لا يعطي اهتماماً كبيراً بالعلاقات الدولية لبلاده”.
وزاد أيوب “كان واضحاً منذ بداية التواصل الأميركي مع القيادة العسكرية السودانية أنه ليس لديها الإرادة السياسية في الفكاك من قبضة الإسلاميين الذين كانوا ولا يزالون واهمين أن في استمرار الحرب سبيلاً لهم للعودة إلى السلطة التي نزعتها منهم الجماهير عام 2019، وفي تقديري أن إصرار الإدارة الأميركية على عدم تحديد أجل معلوم لإنهاء أعمال هذه المفاوضات إما تهديد للعسكريين بالانصياع لصوت العقل أو الذهاب إلى الخيار العراقي، إذ إنه من غير المقبول ترك الشعب السوداني يتضور جوعاً في غياب إيصال العون الغذائي له”.
تظاهرة لسودانيين خلال اليوم الافتتاحي لمحادثات وقف إطلاق النار في جنيف (أ ف ب)
وواصل “هناك عامل آخر يجب علينا عدم إغفاله يتمثل في النشاط المحموم لدى روسيا والصين في البحث عن موضع قدم لهما في هذه البقعة الحساسة، التي تمكنهما من الانطلاق إلى قلب القارة الأفريقية وبناء قواعد عسكرية واقتصادية وسياسية مشتركة مع دولها. فضلاً عن أن الولايات المتحدة لم تفقد حتى الآن الأمل في إلحاق العسكريين بالمفاوضات الجارية بجنيف”.
وختم وزير خارجية السودان السابق “في تقديري أن أصعب المراحل في حال الوصول إلى الاتفاق الذي يتوقعه الشعب السوداني التشاكس والتجاذب اللذان سيعمد كلا الطرفين المتحاربين إلى الدخول فيهما حتى يعود الاتفاق الذي لا يرضى به الطرفان حرثاً في البحر وتستمر الحرب بين الفئتين اللاعبتين”.
اعتبارات استراتيجية
من جانبه قال الكاتب السوداني عثمان ميرغني إنه “إذا استمر غياب وفد الجيش عن جولة المفاوضات فهذا يعني عملياً فشلها، بالتالي فإن الوساطة ستواجه خيارين هما تأجيل جولة المفاوضات وإجراء تعديلات تستجيب لشروط الحكومة السودانية كأن تتحول هذه المفاوضات إلى جدة وتقتصر الوساطة على أميركا والسعودية (طرفي منبر جدة) ومشاركة وفد يمثل الحكومة وليس الجيش، فضلاً عن اتخاذ ترتيبات تحول الوساطة إلى مواجهة بأن تفرض عقوبات وإلزام عمليات توصيل الإغاثة إلى الداخل السوداني”.
وتابع “في نظري لا تزال هناك فرصة ضيقة ومضمحلة تدريجاً لالتحاق وفد الجيش بالمفاوضات وهو أمر متوقع، وإذا حدث ذلك فإن فرص الوصول إلى سلام متوافق عليه تبدو كبيرة، لأن هذه الجولة تحظى باهتمام دولي كبير وتتوافر لدول الوساطة قدرة كبيرة على الضغط على ’الدعم السريع‘ لإنفاذ الاتفاق الذي تتوصل إليه الجولة وبخاصة بند وقف إطلاق النار بترتيبات متوافق عليها”.
وأردف ميرغني “من المؤكد أن واشنطن عازمة على حل مشكلة الحرب في السودان لاعتبارات استراتيجية وليس تكتيكية تتعلق بالانتخابات الأميركية. وأن اتصالات بلينكن بالبرهان هدفها ضرورة مشاركة وفد الجيش في المفاوضات، ويبدو أنها حملت وعوداً وتطمينات بمآلات الأمور وتعكس اتصالاته الاهتمام والتركيز الأميركي بالأزمة السودانية والاجتهاد لحلها”.
ومضى “لكن في حال استمرار الحرب فإن احتمالات سقوط الدولة السودانية كبيرة إضافة إلى تفشي الفوضى، وهو ما يؤدي إلى تهديدات إقليمية ودولية وبخاصة في البحر الأحمر الذي تمر عبره 20 في المئة من التجارة العالمية”.
وتوقع الكاتب السوداني أن يلتحق وفد الجيش بالمفاوضات قبل الـ18 من أغسطس (آب) الجاري وأن تفضي لوقف إطلاق نار لفترة طويلة وتنفيذ اتفاق جدة القاضي بخروج “الدعم السريع” من بيوت المواطنين والأعيان المدنية.