نبتة تاريخية تتراجع في نينوى بسبب التغير المناخي

2

الموصل / سيف الدين العبيدي

تزهر زهرة البابونج خلال فصل الربيع في نينوى، وتُعرف هذه النبتة منذ أقدم العصور، إلا أن حكايتها بدأت فعليًا في العصر الآشوري، حيث كانت رمزًا للنصر لدى الآشوريين، ومثّلت شعارًا بارزًا على آثارهم. ومنذ ذلك الحين، يعتز أهالي مدينة «أم الربيعين» بهذه النبتة التي تنمو طبيعيًا دون تدخل الإنسان، وتظهر بين الحشائش في الحقول والتلال.

البابونج يفضل التربة الخصبة والمناخ البارد والمعتدل، ولذلك تنتشر النبتة في جبال السليمانية وأربيل ودهوك، كما تُشاهد أيضًا في البلدان المطلة على البحر الأبيض المتوسط مثل سوريا ولبنان ومصر. وفي نينوى، تُعرف ثلاثة أنواع من البابونج: النوع الخشن بطعمه المر، والنوع الناعم بطعمه الحلو، ونوع ثالث أكثر نعومة لا يحمل التويج الأبيض المعروف. وتتميز النبتة بقدرتها على إعادة زراعة نفسها ذاتيًا؛ فعندما تجف تسقط بذورها وتنتشر بفعل الرياح، مما يفسر تواجدها في أماكن عديدة دون تدخل بشري. عبد السلام العبيدي، رئيس صنف العطارين في الموصل، أوضح لـ(المدى) أن العرب يسمّون نبتة البابونج «بنوار الربيع»، ويُطلق عليها البدو اسم «الربيان»، بينما تُعرف محليًا بـ«زهرة الموصل» أو «البيبون». وأكد أن البابونج يُعد من المواد الأساسية في محال العطارة، ويستخدمه أهالي الموصل بكثرة، إذ لا يكاد يخلو منزل موصلي منه. ولفت إلى أن النبتة لا تظهر في المحافظات الجنوبية بسبب حاجتها إلى مناخ بارد ومعتدل. وأضاف العبيدي أن في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، كانت كميات كبيرة من البابونج تُشترى من المزارعين والبدو، ثم تُجفف وتُباع لتجار بغداد. وأشار إلى أن الكيلو الواحد من البابونج الطازج ينخفض وزنه إلى نحو 100 غرام بعد تجفيفه. وأوضح أن تراجع الزراعة التقليدية دفع الأسواق إلى استيراد البابونج من سوريا ومصر، حيث يُستخدم زيته في صناعة مستحضرات التجميل، مثل الشامبو وصبغة الحناء، إضافةً إلى استخدامه لعلاج الزكام وسعال الأطفال، ويتوفر منه أيضًا كبسول زيتي.
من جانبه، أكد الناشط البيئي أنس الطائي أن زهرة البابونج شهدت تراجعًا كبيرًا في نينوى هذا العام، واقتصر نموها على عدد قليل من المزارع والأراضي المزودة بأنظمة الري بالتنقيط والمرشات. وأرجع الطائي هذا التراجع إلى التغير المناخي والاحتباس الحراري وقلة الأمطار، التي وصفها بأنها الأسوأ منذ سنوات طويلة. وأشار إلى أن مصر أصبحت المورد الرئيسي للبابونج إلى السوق العراقي، بما في ذلك الموصل، في ظل عزوف المزارعين المحليين عن زراعته.

التعليقات معطلة.