نتنياهو يتشبث بالسلطة من طريق حرب لا تنتهي على غزة 

2

 

 

لا ينطوي تجدد القصف الإسرائيلي على المخاطرة بحياة الرهائن فحسب بل يكشف أيضاً الجسارة التي استمدها رئيس الوزراء من أصدقائه الأميركيين

دونالد ماكنتاير صحافي وكاتب

فلسطينيون ينزحون من بيت حانون شمال قطاع غزة بعد تجدد الغارات الإسرائيلية في 18 مارس 2025 (أ ف ب)

ملخص
يسعى نتنياهو للبقاء في السلطة عبر استمرار الحرب في غزة، متجاهلاً الضغوط الداخلية والخارجية ومستفيداً من دعم ترمب على رغم معارضة غالبية الإسرائيليين له ولسياساته

من منطلق إدراكه ضرورة الإحجام عن إغضاب بنيامين نتنياهو بلا داعٍ – نظراً لأن مصير 59 إسرائيلياً محتجزين في غزة يعتمد عليه – غالباً ما ينتقي “منتدى عائلات الرهائن والمفقودين” في إسرائيل كلماته بعناية شديدة. لكن رد فعل المنتدى على استئناف حكومته الحرب من طرف واحد فجر الثلاثاء الماضي جاء واضحاً لا لبس فيه، إذ اتهم الحكومة بأنها “اختارت التخلي عن الرهائن”.

ويعكس هذا الكلام معاناة مزدوجة تقاسيها عائلات الرهائن. فهم يخشون أن يهدد تجديد القوات الإسرائيلية القصف على غزة حتماً حياة الرهائن الأحياء الذين لا يزالون في قبضة “حماس”، وأن يهدد مجدداً حياة الفلسطينيين الذين تجاوز عدد قتلاهم 400 في آخر حصيلة سُجلت منتصف الثلاثاء الماضي، بعدما قُتل أكثر من 48 ألفاً من بينهم خلال 15 شهراً من الحرب.

لكن من ناحية أخرى، هم يؤمنون، لأسباب وجيهة، أن السبيل الوحيد لإطلاق سراح الرهائن المتبقين هو الاتفاق مع “حماس”. وقد ثبت أن تشدق نتنياهو المتكرر بأن الضغط العسكري كفيل بتحريرهم لا يعدو كونه تأكيداً أجوفاً، وهو ما أظهرته وقائع الميدان منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، حين اختطفت “حماس” وغيرها من الفصائل المسلحة 251 رهينة وقتلت 1200 إسرائيلياً غيرهم.

وتشعر عائلات الرهائن بإحباط مضاعف لأن هذا الاتفاق موجود فعلاً ولأن إسرائيل، وليس “حماس” هذه المرة، هي التي نكثته.

عودة الحرب في غزة… هل لبنان هو التالي؟
ولا تغير الاستعراضات المتلفزة المزعجة التي قامت بها “حماس” عند تسليم الرهائن الشهر الماضي من حقيقة أن المرحلة الأولى من ذلك الاتفاق، أي إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين مقابل الإفراج عن مئات الأسرى الفلسطينيين، سارت بحسب المخطط.

لكن الأمر الذي لم يفعله نتنياهو، وربما لم ينوِ أن يفعله من الأساس، هو الالتزام بالتاريخ المتفق عليه من أجل الدخول في المرحلة الثانية من الاتفاق الذي توصلت إليه المفاوضات في الأول من مارس (آذار)- وهو اتفاق أُبرم بدعم أميركي في يناير (كانون الثاني)، كان ليضمن إطلاق سراح الرهائن المتبقين لدى “حماس” وانسحاب كل القوات الإسرائيلية من قطاع غزة وانتهاء الحرب.

لكنه بدلاً من ذلك، حاول فرض “تمديد” للمرحلة الأولى، بحيث يُطلق سراح المزيد من الرهائن (والأسرى الفلسطينيين) لكن من دون أن يسحب ما تبقى من قواته من غزة. وقد عزز هذا المسعى باتخاذ إجراءات صارمة لمنع دخول المساعدات وقطع الكهرباء عن سكان غزة المنكوبين والجائعين، وهي إجراءات يُحسب لوزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي أنه وصفها بلا مواربة يوم الإثنين الماضي بأنها انتهاك للقانون الدولي- على رغم مسارعة رئاسة الوزراء للتراجع عن هذا الاتهام.

ومن ناحية أخرى، قد نجد في النشوة التي قابل بها بتسلئيل سموتريتش وإيتامار بن غفير استئناف الحرب- وهما اثنان من أكثر السياسيين الإسرائيليين تطرفاً وتشدداً قومياً- أحد الأسباب التي تفسر تصرف نتنياهو الحالي: فهو بحاجة إلى الرجلين كي يمرر موازنته الكبيرة من أجل الاحتفاظ بالسلطة.

معذور من يعتقد، بعد الاستماع إلى طريقة الدفاع المدروسة عن تصرفات إسرائيل على لسان سفير البلاد السابق إلى الولايات المتحدة، مايكل أورين، يوم الثلاثاء الماضي على برنامج “توداي” الذي تبثه “بي بي سي”، أن هذا التوجه يمثل إجماعاً إسرائيلياً. فيما في الواقع، تتخطى المعارضة له حدود عائلات الرهائن. إذ كشف استطلاع للآراء أجرته “القناة 12” الإسرائيلية في فبراير (شباط) الماضي أن 70 في المئة من الإسرائيليين يؤيدون المرحلة الثانية في الاتفاق التي تعني نهاية الحرب.

لا شيء يمكن أن يوضح بشكل أفضل تصميم نتنياهو على الحفاظ على قبضة استبدادية متزايدة على السلطة على رغم المعارضة الشعبية (ومحاكمته الجنائية بثلاث تهم فساد، ينفي مسؤوليته عنها) هو اتخاذ قرار إضافي يرجح أن يهز أركان السياسة الإسرائيلية. فقد أعلن يوم الأحد عن نيته إقالة رونين بار رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي “شاباك”. ويرى نتنياهو أن بار ارتكب تجاوزات كثيرة أهمها دعمه لتشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في إخفاقات ما قبل السابع من أكتوبر- بما فيها إخفاقات نتنياهو نفسه.

كان رونين بار قد أذن بإجراء تحقيق قد يكون محرجاً [ قد يخلف آثار مدمرة على الحكومة الاسرائيلية] في مزاعم تعاون مساعدي نتنياهو مع الحكومة القطرية لتلميع صورتها في إسرائيل. ومن المتوقع أن تكون فضيحة “قطر غيت” مدوية تحديداً لأن إحدى الاتهامات التي قد تنظر فيها لجنة التحقيق هي دور نتنياهو المزعوم في الحرص على استمرار تدفق المال من قطر إلى غزة، وهي نقطة يعتقد “شاباك” أنها ساعدت “حماس” على تعزيز قواتها العسكرية.

وأخيراً، من شبه المؤكد أن بار يوافق وزير الدفاع المُقال، يوآف غالانت في رأيه بإمكانية التوصل إلى اتفاق بشأن قضية الرهائن يُنهي الحرب في وقت أبكر بكثير.

وفي إقدامه على كل هذه الخطوات- ولا سيما خطوة استئناف الحرب في غزة التي جرى التشاور فيها مع الولايات المتحدة مسبقاً- استمد نتنياهو القوة من إيمانه، لأسباب وجيهة، أنه يحظى بدعم دونالد ترمب.

وجرى التوصل إلى الاتفاق الأساسي في يناير بفضل وساطة مبعوث ترمب، ستيفن ويتكوف، الملياردير الذي يعمل في التطوير العقاري. لكن بعد مقاومة نتنياهو للانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، جاراه ويتكوف في فكرة تمديد المرحلة الأولى. وقد رفضت “حماس” هذه الفكرة في ظل غياب أي ضمانات لتطبيق المرحلة الثانية المتفق عليها مسبقاً، وهو ما يستخدمه نتنياهو حالياً لتبرير العودة إلى الحرب.

كما نجد فرقاً لافتاً في تعامل ترمب مع إسرائيل من ناحية، ومع جهة أخرى مع أوكرانيا التي يُفترض أنها حليفة أميركا. ففي الوقت الذي علق فيه التعاون العسكري والاستخباراتي مع أوكرانيا، في محاولة يُقال إن هدفها إرغامها على إبرام اتفاق مع الغزاة الروس، خصصت الإدارة الأميركية مساعدات بقيمة 11 ملياراً إضافياً لإسرائيل، من بينها تزويدها بقنابل تزن ألفي رطل كان جو بايدن قد أوقفها. ومن غير المفاجئ في هذا الإطار أنه حين صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بغالبية ساحقة لمصلحة دعم أوكرانيا في فبراير، انضمت إسرائيل إلى الأقلية التي عارضت التصويت، والتي تضم الولايات المتحدة وروسيا وكوريا الشمالية.

لا بد من الافتراض بأن إدارة ترمب تدرك جيداً طبيعة الحكومة الإسرائيلية التي تدعمها عبر إطلاق يدها كي تقتل وتدمر في غزة أكثر مما فعلت حتى الآن.

ربما أفضل تلخيص لقرار استئناف الهجمات هو عنوان التحليل الذي نشره عاموس هاريل، المعلق العسكري المخضرم والمتزن في صحيفة “هآرتس”، “تجدد الهجوم الإسرائيلي على غزة يفضح هدف نتنياهو الحقيقي: البقاء في السياسة عن طريق حرب لا نهاية لها”.

© The Independent

التعليقات معطلة.