انتقد الجيش لعمله البطيء في غزة وبلغ بلينكن عن اجتياح المنطقة في غضون أسبوعين
لم يترك رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، منفذاً للحوار حول اجتياح رفح أو للتراجع عن قراره، على رغم من التحذيرات الدولية والأميركية والفلسطينية من ارتكاب مجازر بحق 1.4 مليون فلسطيني في تلك المنطقة. ولم يكتف نتنياهو بطلب الإسراع ببلورة خطة الاجتياح لضمان تنفيذها قبل شهر رمضان، بل راح ينتقد ما سماه “العمليات العسكرية البطيئة للجيش في القطاع”. وطالب بتكثيف القتال واتساعه على أوسع منطقة لإنهائه خلال أقرب وقت ممكن.
وتتركز الأنظار هذه الأيام على رفح، المعقل المركزي لقيادة “حماس”، وفق الإسرائيليين، والورقة الأخيرة بيد إسرائيل لحسم القتال في غزة وتحقيق أهداف الحرب، وكما يكرر متخذو القرار، “تحقيق النصر الحتمي”، وهي المحافظة التي شكلت ملجأ الأمان للفلسطينيين خلال حرب “طوفان الأقصى”، حيث نزح إليها نحو 1.2 مليون فلسطيني لينضموا إلى نحو 180 ألفاً من سكانها، يحشرون في مساحة 55 كيلومتراً مربعاً فقط، أي بمعدل 27 ألف فلسطيني في كل كيلومتر مربع واحد لتشكل أعلى كثافة سكانية في العالم.
ووفق الوضعية الحالية لرفح، يعيش السكان والنازحون فيها بمعدل 27 فلسطينياً في المتر الواحد، بينما معدل القياسات الطبيعية للاكتظاظ تساوي ثلاثة إلى أربعة أشخاص في المتر الواحد.
وأمام هذا الاكتظاظ السكاني والأوضاع غير الإنسانية، التي يعيشها نازحو رفح وسكانها كبقية فلسطينيي القطاع، فإن أي اجتياح أو عملية عسكرية في رفح ستؤدي إلى وقوع مجازر وجرائم قتل، والتقدير بأن غارة واحدة تسقط على تجمع سكاني ستؤدي إلى مقتل المئات.
من جهة أخرى، تبحث جهات ناشطة في حقوق الإنسانية إمكانية التوجه الفوري إلى المحكمة الدولية في لاهاي، تطالبها باستصدار أمر وبشكل فوري تلزم إسرائيل بوقف القتال في غزة والامتناع عن اجتياح رفح كقرار استباقي لمنع جرائم حرب بحق 1.4 مليون فلسطيني في رفح.
لكن لنتنياهو ذرائع عدة لاجتياح رفح وفي مركزها ضرورة ملاحقة قيادات “حماس”، وفي مقدمهم يحيى السنوار ومحمد ضيف، وتدمير الأنفاق، فهذه وفق نتنياهو، تشكل هدفاً مركزياً لضمان النصر في هذه الحرب و”تبقى أمام الجيش القضاء على أربع كتائب لحماس في رفح، ولن نوقف القتال قبل القضاء على معقل حماس”. وأضاف نتنياهو في اجتماع الكابينت الذي ناقش القتال في غزة وأوعز لرئيس الأركان، هرتسي هليفي تحضير خطة مفصلة تضمن الحسم أمام “حماس” على أن يتم تنفيذها قبل شهر رمضان المقبل، مشيراً إلى أن “الوقت بات ضيقاً جداً، وهناك حاجة ضرورية لتفكيك كتائب حماس في رفح”.
رئيس الأركان، وبحسب ما تسرب، اعترض على حديث نتنياهو ووقعت بينهما مشادات كلامية، حيث أوضح هليفي أن تنفيذ أي خطة يتطلب ظروفاً مواتية ووقتاً من الزمن إلى جانب ترتيب كيفية نقل 1.4 مليون فلسطيني وتوزيعهم على مناطق مختلفة في شمال القطاع. وقال هليفي إن “الجيش يعد خطة لكنها ما زالت غير مكتملة لعدم بلورة مخطط واضح حول المناطق التي سيتم نقل السكان إليها إلى جانب التفاهمات مع القاهرة في شأن محور فيلادلفيا”.
مع ذلك، أبلغ نتنياهو واشنطن وعدداً من دول المنطقة بأن إسرائيل تستعد لتنفيذ عملية عسكرية لاجتياح رفح، مؤكداً أنه “لا تراجع عن تنفيذ هذه العملية لأهميتها العملياتية والاستراتيجية”. وخلال اجتماعه بوزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن في زيارة الأخير إلى تل أبيب، أبلغه بأن العملية ستنفذ في غضون أسبوعين.
شرطان يستبقان الخطة
وإلى حين خروج خطة رفح إلى حيز التنفيذ، تحضر الأجهزة الأمنية خريطة سكانية لنقل 1.4 مليون فلسطيني إليها مع جدول زمني لمراحل النقل والتحضيرات. إلى جانب استمرار المحادثات التي بدأت منذ أكثر من أسبوع مع القاهرة للتوصل إلى اتفاق حول محور فيلادلفيا بين القاهرة وتل أبيب، وما تخطط له إسرائيل من عمليات لتدمير الأنفاق في هذه المنطقة.
واعتبر أمنيون أن ما أعلن عن نشر 40 مدرعة مصرية عند الحدود فور إبلاغ مصر عن اجتياح رفح، مؤشر ينذر بتدهور العلاقات مع مصر التي، كما قال الخبير العسكري بار شالوم، إن “الاجتياح من دون تنسيق سياسي مع مصر سيكلف ثمناً باهظاً. يجب تنفيذ العملية في رفح بعد تنسيق سياسي وحصول إسرائيل على ضوء أخضر من القاهرة، وذلك لأن مصر هي عمود استراتيجي سنحتاج إليها ليس فقط على المدى القريب وإنما البعيد”.
وأشار شالوم إلى أن “ربط رئيس الحكومة عملية رفح بتوقيت زمني قبل شهر رمضان، يخلق مشكلة كبيرة جداً إذ لا يجوز وضع أهداف غير قابلة للتغيير خلال الحرب بل يتوجب وضع أهداف يمكن تنفيذها، ومن دون ذلك لا يمكن تحقيق أي هدف”.
وعرض قادة الأجهزة الأمنية والجيش على طاولة الكابينت، خيارين لتنفيذ الشرط الأول قبل الاجتياح حول السكان. وبحسب الاقتراح يتم إجلاء السكان إلى خان يونس شمال رفح أو السماح بعودة عشرات الآلاف من سكان غزة إلى مجمعات مخصصة لهم شمالي القطاع، وهناك تعمل إسرائيل بالتعاون مع مسؤولين محليين غير حمساويين على إنشاء مجمعات سكنية داخل المدارس والعيادات والأماكن الواسعة إلى يمكن استيعابهم على أن تكون المرحلة الثانية إقامة مدينة “خيام”. أما المواد الغذائية والمياه والمساعدات الإنسانية فستدخل للسكان من خلال حاجزي “إيرز” و”كارني”.
ما بين رفح والصفقة
وفي مناقشة عملية رفح التي أعدها الجيش، يربط مسؤولون إسرائيليون بين تهديدات وتصريحات متخذي القرار حول اجتياح رفح والشروط التي وضعتها حركة “حماس” لصفقة الأسرى، ليؤكدوا في مختلف اجتماعات الكابينت والأجهزة الأمنية أن الضغط العسكري وحده قادر على كسر “حماس” وخضوعها بالتالي الوصول إلى مفاوضات تنتهي بالاتفاق حول الصفقة.
ويقدر أمنيون أن ضغط الوسطاء على “حماس” سيلزم الحركة في النهاية بالدخول إلى المفاوضات، لكن في المقابل تمارس مصر ضغوطاً كبيرة لمنع العملية التي يخطط لها الجيش الإسرائيلي في رفح، لكن نتنياهو مدعوماً بأكثرية وزراء اليمين المتطرف، ماض في تحقيق العملية.
حالياً، يكثف الجيش الإسرائيلي قتاله في خان يونس، فيما تقترب وحدات عسكرية من رفح وبعد تصفية ثلاثة من رجال شرطة “حماس” في رفح، أعلن الجيش تنفيذ عمليات محددة في رفح ومناطق أخرى. وكشف تقرير إسرائيلي أن جهاز الأمن الداخلي “الشاباك” يكثف نشاطه خلال الأيام الأخيرة في رفح، فيما تنفذ طائرات سلاح الجو عمليات محددة. ووفق الجيش، يكثف سلاح الجو، تحديداً، نشاطه في محافظة رفح حيث يقوم بتنفيذ بنك أهداف في رفح عبر الجو على أن تنطلق الخطة التي وضعها للجيش للتنفيذ ليكون عمل الجيش فوق وتحت الأرض”.
تحذيرات داخلية مع إعداد التقرير لمحكمة لاهاي
أمام كل المخاطر والتحذيرات من عملية اجتياح خطرة لرفح، ناقش الإسرائيليون انعكاس الاحتجاج الدولي وحقوق الإنسان ومنظمات أطباء وغيرها، على التقرير الذي تعد إسرائيل لتقديمه للمحكمة الدولية في لاهاي حول النشاطات العسكرية في القطاع بما يضمن عدم وقوع أحداث مخالفة للقانون.
واعتبر خبراء قانون وأمنيون سياسيون تصريحات نتنياهو، حول رفح وما تسرب من تفاصيل الخلاف بينه بين رئيس الأركان هرتسي هليفي، داخل الكابينت، سيكون بمثابة مادة غنية لاتهام إسرائيل أمام المحكمة.
الجيش من جهته، بدأ بإجراء تحقيقات في الأحداث التي وقعت في القطاع، وقتل فيها كثير من المدنيين الأبرياء أو تضررت فيها المستشفيات ومؤسسات التعليم.
وبحسب تقرير إسرائيلي، فإن أبرز الأحداث التي سيتم التحقيق فيها من قبل الجيش استعداداً لأي تقرير يطلب من المحكمة الدولية، هو تفجير مبنى جامعة فلسطين قرب مدينة غزة في الشهر الماضي على يد قوات الهندسة. ويذكر أن تفجير مؤسسات تعليم في الحرب مثل الجامعات والمدارس ورياض الأطفال تحتاج إلى مصادقة رئيس الأركان إلى جانب رأي قانوني يغطي الأضرار في المبنى، إذا كانت هناك حاجة عملية لتدميره.
حادثة أخرى ما زال الجيش يحقق فيها هي إحراق بيوت للفلسطينيين في قطاع غزة من قبل الجنود، حيث قام الجنود بحرق كثير من البيوت بشكل مخالف للقانون وللأوامر.
هذه حوادث من العشرات التي نفذها الجيش في غزة تندرج ضمن جرائم الحرب، ويحذر مسؤولون إسرائيليون من أن تكون عملية اجتياح رفح أخطر التهم التي ستتناولها جلسات المحكمة الدولية ودعوا إلى التراجع عنها والتجاوب مع المطالب الدولية والأميركية بعدم تنفيذ اجتياح رفح.