نحن وعصرنا واللاعبون السياسيون الخطرون

1

 
علي عقلة عرسان
 
يا حبذا.. يا حبذا.. لو يفكر العرب والمسلمون، المُسْتَهدفون بالعداء والمكر.. بالالتفات إلى أنفسهم قليلا، وإلى مصير بلدانهم وأجيالهم.. فيقومون بمراجعات مسؤولة، لا سيما في هذه الظروف، تنهي الخلافات السياسية البينيَّة التي تهلكهم.. تلك التي يتأتَّى كثير منها، من تدخل أعداء العروبة والإسلام في شؤونهم، دولا وشعوبا، وتسخيرهم لخدمة مشاريع ليست مشاريعهم، ولقتل أنفسهم بأيديهم..؟! حبذا لو ندرك أننا في حالة الخطر المحدق الآن، أكثر من أي وقت مضى..
في الحلَبة السياسية العالمية، يوجد دائما لاعبون خطرون، لا يُدخلون العالم في ضائقات وأزمات وصراعات دامية فقط، بل في حروب مدمرة، تدفع الشعوبُ والدولُ تكاليفَها الباهظة، وتتوارث الأجيالُ كوارثها وعقابيلَها وثاراتها. ولكل زمن لاعبوه السياسيون الخطرون، الذين يزعزعون أمن بلدان وقارات، ويسيلون الدم البشري مدرارا على عتبات أطماعهم، أو بسبب تهورهم.. وقد لفت النظر، في زماننا هذا، لاعبان سياسيان خطران.. يستطيبان الوقوف على حافة الهاوية، ويجعلان الآخرين يرتجفون هلَعا.. إنهما لا يتساويان في القوة.. وهما “الكوري الشمالي كيم جونج أون، والأميركي دونالد ترامب”، اللاعبان السياسيان اللذان تبادلا مؤخرا، التباهي بلوحة أزرار نووية، تقبع على مكتب كل منهما.. إنهما يذكران، من بعض الوجوه، بميكي ماوس Mickey Mouse الذي اخترعه والت ديزني وأب أيوركس في سنة 1928، لكن وفق آخر النسخ المطوَّرَة منه.. هذان اللاعبان لا يقومان باللعب الخطر للتسلية، ولا لإبهار الآخرين وشد انتباه العالم إليهما.. وإنما يلعبان لعبة تطاول العَبث المدمّر وتغري به، وتقود إليه، من حيث تفاعلاتها ومردودها وانعكاساتها، وما قد تخلقانه هلعا، في إطار احتمال الضربات الاستباقية التي يلجأ إليها، هذا النوع من اللاعبين..
اللاعب الأميركي هو الأقوى، ولديه لوحة مفاتيح نووية أكبر، وقد ذهب في استفزازه لنظيره الكوري الشمالي، حدا بعيدا، أكبر من التباهي الأخير بينهما، بالأزرار النووية: إذ لم يتوقف الأمر عند “أزراري أكبر من أزرارك”.. فقد هدد ترامب نظيره، من فوق منبر الأمم المتحدة، وبحضور مئة وثلاثين دولة، في شهر أيلول/ سبتمبر ٢٠١٧، “بمحو شعبه وبلاده من الوجود”.. لن يكون أمامنا من خيار سوى تدمير كوريا الشمالية بالكامل”.. “الولايات المتحدة مستعدة وجاهزة وقادرة”.. واصفا كوريا الشمالية، بأنها من الدول المارقة التي تشكل تهديدا لباقي الأمم ولشعوبها نفسها، ولديها أكثر الأسلحة قدرة على التدمير” في العالم”؟!.. لا تخافوا على الولايات المتحدة الأميركية من أسلحة بيونج يانج، فهذا “الوصف الأخير لأسلحتها”، هو موروث ذرائعي أميركي مشهور ومعروف، وماركة مسجلة.. ويستخدم لتسويغ العدوان، كما حدث مع العراق، “الذي قالوا إنه يملك أسلحة دمار شامل تهدد العالم بأجمعه”، وتبين أنه لا يملك من ذلك شيئا، لكن بعد أن تم تدميره على أيدي الأميركيين والبريطانيين، وحلفائهما؟! .. وحقيقة الأمر، وكما يعرف العالم، ويعلن الأميركيون أنفسهم، أن ما لدى أميركا ترامب، لا يقاس بما لدى جونج أون أو سواه.. من قوة تدميرية شاملة، ذات تاريخ معروف، يمتد من هيروشيما وناجازاكي إلى اليوم.. وما لها من نزوع متأصل وعريق، ممارسة العنصرية والشر، باسم مكافحة الشر، وما لها من قدرة على تجاوز المحرَّم بكل أنواعه، وبلا حدود أو قيود.. إذ لا محرَّم لدى الأميركيين، ويبدو ترامب مثل بوش الابن في المقدمة من ذلك، فالقاعدة الذهبية هناك: “اذبح وانجح واربح” و”امح تاريخ، وابدأ التاريخ، واكتب التاريخ”.. إذ كل شيء بعد ذلك، يصبح عادلا، بل هو العدل؟!… واللاعب الأميركي، الرئيس ترامب، مولع بالتغريد السياسي الفَج على تويتر.. وبتهديد الآخرين، وتخويفهم، والنظر إليهم بوصفهم “سُلَعا تجارية” من جهة، وأرصدة يسحب منها ما يريد عندما يريد، “مالا ودما وثروات ومواقف”، وأنهم قوى وأدوات يسخرها لخدمة مصالح بلاده، وحروبها، واستراتيجيتها، ونفوذها.. ولخدمة شركائه العنصريين الصهاينة، على الخصوص.
بعد قراره بشأن “القدس”، ذاك القرار الذي رفضه العالم، لأنه يناقض المواثيق والقوانين والقرارات الدولية، ويؤسس لتدمير كل حل سياسي لقضية فلسطين، ويضر بالسلم والأمن الدوليين، ويثير المزيد من الاضطرابات، في منطقة مضطربة أصلا.. ذاك القرار المشؤوم، الذي ترافق بفضيحة مدوية للسياسة الأميركية، حيث كشف إلى العلن نهجها الذي تتبعه في الفساد والإفساد عبر العالم كله، وفي الهيئات والمؤسسات والمنظمات الدولية الأممية خاصة.. حيث تساوم على “شراء الدول، والمواقف، والأصوات، والولاءات”، بالترهيب والترغيب، بالمال والسلاح وبغيرهما، وتهدد من لا يتبعها، ومن لا يأتمر بأوامرها، ومن لا يصوِّت إلى جانبها في المحافل الدولية، ولمصلحة شريكها العنصري كيان الإرهاب العنصري “إسرائيل”.. إنها تهدد أولئك المحايدين، أو المخالفين، أو الأضداد.. بكل ما تستطيع فعله معهم وضدهم.. ابتداء من تسجيل أسمائهم في لائحة “غير المطيعين، أو المشاغبين في الصف السياسي، داخل مدرسة ترامب”، وانتهاء بالعدوان عليهم، بعد قطع المساعدات عنهم، وتشويه مواقفهم وصورتهم، واتهامهم بأنهم: “لا ساميين مثلا”، أو غير مخلصين لمشاريعها، ومعاييرها المزدوجة؟!”.
بعد ذلك القرار المشؤوم، قرار ترامب بشأن القدس، وما رافقه من تهديد، وما تلاه من تصرف صهيوني عدواني قذر تجاه الفلسطينيين “سلطة وشعبا، ومقدسات وأرضا تاريخية لهم ولأجدادهم”.. بدأ الرئيس ترامب تنفيذ الوعيد والتهديد، بأسلوب استفزازي ممجوج.. ذلك الأسلوب الذي انتقده كثير من الساسة الأميركيين أنفسهم.. ومن بعض ما أعلنه، بشأن قوى وسلطات ودول، صوتت في الأمم المتحدة ضد قراره الباطل، والمخالف للشرعية الدولية، فتوجه نحو:
١ – حرمان السلطة الفلسطينية من المساعدات ” ٣٠٠ مليون$ سنويا تقريبا”.. تلك التي انتظرت ربع قرن، منذ أوسلو، لتصل إلى تفاوض ذي معنى وجدوى ومصداقية، مع المحتل الصهيوني، عبر الوساطة الأميركية.. ونسقت مع المحتل الصهيوني ضد مقاومة شعبها له، وتحملت عبء الاحتلال عنه.. ولم تصل، عبر التفاوض بإشراف أميركي، إلى أي شيء يفيدها ويفيد القضية الفلسطينية على الإطلاق، بل على العكس تماما، إذ خسرت أرضا، وخسرت أرواحا، وخسرت زمنا.. واتُّهِمَت بأنها لا تريد التفاوض؟! وقرر ترامب أنها ستحرم من المساعدات، إلا إذا وافقت على بيع القدس، وفلسطين، وشعبها وتاريخه ومستقبله ومصيره، للتاجر الماهر ترامب وشركائه الصهاينة؟!
٢ – حرمان الأردن، الذي له ولاية معترَف بها، على المسجد الأقصى وقبة الصخرة وما حولهما، بموجب “اتفاق وادي عربة”.. حرمانه هو الآخر من المساعدة الأميركية، لأنه لم يتنازل عن القدس، وصوت ضد قرار ترامب بإعلانها عاصمة “لإسرائيل”، وذهب إلى القمة الإسلامية الطارئة في اسطنبول، ونسق مع دول وقوى من أجل القدس.. القدس التي يريد ترامب أن ينتزعها من العرب والمسلمين، لتكون بكل تاريخها الكنعاني ـ العربي، والإسلامي ـ المسيحي، لدولة أفاقين عنصريين صهاينة ويهود؟!
٣ – باكستان، الدولة التي تعاونت مع الولايات المتحدة الأميركية، لسنوات وسنوات، وضد مصالحها وواجبها في الحوض الروحي والثقافي والجغرافي الإسلامي الذي هي منه… وسهَّلَت حرب الولايات المتحدة الأميركية ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، ودعمت حربها هناك، بعد ذلك، ضد فرقاء من الأفغان، وقدمت للجيش الأميركي كل أنواع الخدمات.. وتساهم حتى اليوم، لوجستيا على الأقل، في خدمة خمسين ألف جندي أميركي يحتلون أفغانستان، ويقتلون شعبها.. وتعاونت مع الأميركيين في أفغانستان، ضد طالبان، والقاعدة، وداعش، و.. وضحت بالكثير الكثير من أبنائها ومصالحها.. أصبحت اليوم متّهمة من الرئيس ترامب، وغير وفية لإدارته، ولا تقدم ما ينبغي أن تقدمه من “واجبات”، لقاء المساعدة التي تتلقاها، حيال ما تقوم به لمصلحة الأميركي.. إنه سيقطع عنها المساعدة التي لا تساوي شيئا حيال ما قدمته له ولبلده، عبر عقود من الزمن.. على حساب الكثير الكثير.
٤ – حرمان مصر، التي تخلى بعض ساستها عن تاريخها النضالي من أجل فلسطين وعلى طريقها، وعن قضية الأمة المركزية كلها، قضية فلسطين، وتعاونت تعاونا لا نظير له، مع كيان الإرهاب الصهيوني “إسرائيل”، حتى في حصاره لغزة.. إذ أصبحت هي الأخرى، مهددة بقطع مساعدة الولايات المتحدة الأميركية لها، وفق سياسة ترامب وتلميحاته.. لأنها قدمت مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي، باسم العرب وبتكليف منهم، ضد اعتراف ترامب بالقدس “عاصمة لإسرائيل”..؟!
وقس على هذا المنوال، مواقف أميركية ترامبية من دولٍ عربية وإسلامية، ومن دولٍ أخرى في العالم، قررت استخدام سيادتها باستقلالية، وحرية، وأخلاقية.. ورفضت قرار ترامب وإدارته، وخروجه غير القانوني، وغير الأخلاقي، وغير الإنساني.. على قرارات المجتمع الدولي والشرعية الدولية بشأن القدس، وبشأن قضية فلسطين.. وصوتت ضد إرادة هذا اللاعب السياسي، الذي يستهين بالإرادة الدولية، وبالمواثيق والقوانين والقرارات التي ساهمت فيها بلاده من قبل؟!..
ذاك لاعب سياسي يجب التوقف عنده، إنه اللاعب الخطر، دونالد ترامب، الذي يضع على مكتبه لوحة مفاتيح نووية “أزرارها أكبر أزرار في العالم”، ويتباهى بذلك، ويهدد بمحو شعوب ودول من على وجه الأرض؟!.. رئيس أكبر دولة، الذي يعلن تدخله وحلفاءه، في شؤون المنطقة ودولها، فيقلب أنظمة، ويريد أن يقيم دولا على حساب دول، وأن يقسِّم دولا ويلغي وجود دول أخرى.. وهو يشعل النار في بلد عربي إثر بلد، وفي بلد إسلامي بعد بلد.
مع هذا النوع من اللاعبين السياسيين الأقوياء الخطرين، يصعب الاطمئنان إلى مستقبل العالم، ومستقبل السلم والأمن والعدل والحرية في العالم، ومستقبل المنظمات والهيئات الدولية.. وأرى أن على كل من يحالفه، ويستظل بظله، ويعتمد عليه اعتمادا كليا.. أن يتلمَّس رأسه في كل وقت.. إذ لا يتوقعن أحد، أن ينجوَ من كل الاحتمالات التي قد تقود إليها سياسة مغامرة، أو يخلقها سياسي لديه طموحات كبيرة، يدخل ميدان السياسة بروح التجارة والمضاربة، ليحول تلك السوق إلى ميدان للمغامرات والمقامرات، من خلال نظرته إلى الأمور من زاويته هو الضيقة جدا.. تعززها القوة العمياء.. لا سيما إذا كانت تلك السياسة، أو ذاك السياسي، مسكونا بالعنصرية، مخلصا للصهيونية الإرهابية المجردة من الحس الإنساني والأخلاق، والمستندة إلى أساطير وخرافات، ملفَّعة بأكاذيب، توظِّف الديني سياسيا، وتشوه الله والإنسان والروح والعقل والضمير.. فترى، وتوهم غيرها بأن يعتقد ويرى: “أن خلاص العالم، سيكون في “مذابح كبرى لبني البشر”، على نمط متخيَّل، يدرجونه تحت عنوان “هِرْمَجدُّون”؟!.. أكثر مما ترى أن الخلاص يكون بالعدل، واحترام الحياة، والإنسان، والإنساني، والقيم الرفيعة، والعقلانية الحكيمة، وبتضامن صحيح سليم قويم، تقيمه الدول والشعوب، وتحمي به الحياة، والإنسان، والإنساني..؟!
ومن المؤسف أن يكون، في الحالة الأميركية الراهنة، ذات المفعول الدولي المؤثر جدا، لا سيما على شعوبنا ودولنا في وطننا العربي وعالمنا الإسلامي.. أن يكون أمامنا أنموذج سياسي فاعل وقوي، لا يسأل عن ملايين الملايين من البشر في العالم، ولا على الأخلاق والقيم والعدل.. بل يحرص على الخديعة، وجمع المال، والزهو، والتهديد بالقوة، والعبث بمصير دول وشعوب.. ولا يهتم حتى بملايين من الأميركيين المحتاجين والمرضَى في بلاده، ومن الطبيعي، والحالة هذه، إلا بإسعاد الآخر الإنسان، ولا بحياته.
إن على من يعتمدون على هذا النوع من السياسات والساسة.. أن يكونوا في غاية الحذَر، لأنهم قد يُخذَلون خذلانا مدويا في أية لحظة.. لا سيما إذا هم فكروا بمراجعة أنفسهم وسياساتهم، وفكروا بمصالحهم العميقة، وتوقفوا عن خدمة مشاريع الطامعين، والمعادين، وأخلصوا لأنفسهم ودينهم، ومقدساتهم، وأمتهم، وهويتهم، وتاريخ شعوبهم.؟!
ويا حبذا.. يا حبذا.. لو يفكر العرب والمسلمون، المُسْتَهدفون بالعداء والمكر.. بالالتفات إلى أنفسهم قليلا، وإلى مصير بلدانهم وأجيالهم.. فيقومون بمراجعات مسؤولة، لا سيما في هذه الظروف، تنهي الخلافات السياسية البينيَّة التي تهلكهم.. تلك التي يتأتَّى كثير منها، من تدخل أعداء العروبة والإسلام في شؤونهم، دولا وشعوبا، وتسخيرهم لخدمة مشاريع ليست مشاريعهم، ولقتل أنفسهم بأيديهم..؟! حبذا لو ندرك أننا في حالة الخطر المحدق الآن، أكثر من أي وقت مضى.. على الرغم من فداحة ما مضى.. وأنه لن يرحمنا إلا أنفسنا، بعد الله سبحانه، عندما نحسن العمل بما آتانا وبما أمرنا به.. فنزيل الخلافات والعداوات التي بيننا، المفتعل من ذلك وغير المفتعل: “الدينية، والمذهبية، والقومية.. الجغرافية، والاقتصادية، السياسية، والثقافية.. ونقدِّم ما فيه المصلحة العليا لشعوبنا، ومجتمعاتنا، ودولنا، على كل شيء، ونهتم بإنساننا، حاضرا ومستقبلا، ذلك الذي يدفع، ويدفع.. ونحيله دائما إلى المُستقبل الموعود.. المستقبل الذي لا يأتي بخير في أغلب الأحيان.. ويا حبذا.. لو نرى وعيا مسؤولا، يطفئ نار الفتنة المذهبية “الشيعية ـ السنية” إلى الأبد، ونار السياسات القطرية الضيقة القاصرة، ونار العداوات الشخصية القاتلة، تلك التي تنشأ بين المسؤولين والساسة ومن يتطلعون لقيادة من أي نوع، وأي مستوى في بلداننا، وتكون وبالا على الشعوب والبدان.. ويا حبذا لو يُصرف مالُنا الكثير الكثير الكثير، وثرواتنا الكبرى… على بلداننا، وشعوبنا، وفقرائنا.. ويوظَّف المال والجهد والعزم، لنهضتنا العلمية، والتقنية، والصناعية، والاقتصادية.. لتقدمنا في المجالات كافة، وحماية إنساننا، وبلداننا، وديننا، وهويتنا الثقافية، ودورنا الحضاري الذي نتطلع إلى أن يتجدد..
ويا حبذا.. وحبذا.. وحبذا.. فهل ترانا نخرج من حالة التبعية والعبثية إلى حالة أخرى تليق بنا؟!
نسأل الله أن يوفقنا إلى ذلك.. وأن لا يكون المرء منا دائما في حالة من في فمه ماد، لا يحول ولا يقول.

التعليقات معطلة.