“نحو معارضة سورية وطنية بعيدة عن الطائفية”

18

 

 

في خضم الأحداث العاصفة التي تعيشها سوريا منذ أكثر من عقد من الزمن، برزت المعارضة السورية كعامل أساسي في تحديد ملامح المستقبل السياسي للبلاد. ومع ذلك، فإن هذه المعارضة واجهت وما زالت تواجه تحديات كبيرة تهدد قدرتها على تحقيق أهدافها الوطنية . ومن بين هذه التحديات، يأتي البعد الطائفي كأحد أبرز العقبات التي قد تؤدي إلى تفكيك الجهود المعارضة وتهميشها على الصعيدين الداخلي والخارجي .

 

الطائفية، وإن كانت نتيجة طبيعية لتاريخ طويل من السياسات القائمة على الانقسام والهويات الفرعية، إلا أنها لا يمكن أن تكون أساسًا لمشروع وطني يسعى إلى إنقاذ سوريا من أزمتها. فالتجارب التاريخية أثبتت أن الحركات المعارضة التي تنغمس في الأجندات الطائفية غالبًا ما تتحول إلى أدوات بيد القوى الخارجية وتفقد شرعيتها أمام شعبها .

 

ضرورة تغليب العوامل الوطنية

 

إن سوريا اليوم بحاجة إلى معارضة تستند إلى مشروع وطني جامع، يتجاوز الانقسامات العرقية والطائفية والدينية، ويركز على تحقيق العدالة والمساواة لجميع أبناء الشعب السوري. هذه المعارضة يجب أن تتبنى رؤية واضحة لإعادة بناء الدولة السورية على أسس المواطنة والقانون، بعيدًا عن التهميش أو الإقصاء .

 

تغليب العوامل الوطنية يتطلب خطابًا موحدًا قادرًا على كسب ثقة الشعب بمختلف أطيافه. كما يتطلب الاعتراف بأن جميع السوريين، بغض النظر عن انتماءاتهم، هم شركاء في بناء المستقبل. هذا النهج الوطني كفيل بتحقيق تماسك داخلي يمكن أن يُشكل الأساس للتفاوض مع القوى الدولية والإقليمية، بهدف الوصول إلى حل سياسي دائم ينهي معاناة الشعب السوري.

 

مسؤولية المعارضة تجاه الشعب

 

المعارضة السورية تتحمل مسؤولية أخلاقية وسياسية كبيرة تجاه الشعب الذي تحمل أعباء النزاع، من قتل وتشريد ودمار. ومن أجل كسب هذه الثقة، يجب أن تتبنى المعارضة خطابًا يتوافق مع تطلعات السوريين في الحرية والكرامة والعيش الكريم. عليها أن تظهر أنها البديل الحقيقي للنظام الحالي، وأنها تمتلك رؤية متكاملة لبناء دولة تتسع للجميع .

 

تجنب الخطاب الطائفي والانخراط في أجندات خارجية يتطلب شجاعة ووضوحًا في الموقف. كما أن تقوية الوحدة بين فصائل المعارضة والعمل على توحيد الصفوف هو ضرورة ملحة لتقديم جبهة قوية تستطيع مواجهة التحديات.ط .

 

رسالة إلى المعارضة السورية

 

نتمنى على المعارضة السورية أن تدرك أن التغيير الحقيقي يبدأ من الداخل، وأن الشعب السوري يستحق قيادة تعكس تطلعاته وآماله. لن يتحقق النصر من خلال الانقسامات الطائفية، بل من خلال الإيمان بالمشروع الوطني الجامع الذي يضع مصلحة سوريا فوق كل اعتبار .

 

إنها فرصة تاريخية للمعارضة السورية لتثبت للعالم أنها ليست مجرد مجموعة من الفصائل المتناحرة، بل حركة وطنية تسعى لتحقيق السلام والعدالة لسوريا وشعبها. فهل ستنجح المعارضة في تحقيق هذا الطموح؟ الإجابة تكمن في قدرتها على تجاوز الماضي وبناء مستقبل يتسع للجميع .

التعليقات معطلة.