فؤاد البطاينة
ما يجري في بلادنا وما يقال في عواصمنا العربية هو مسئولية الشعب ولا يوقفه سواه . وعندما يغير هذا الشعب ما بنفسه وخطابه العاجز وسلوكه المُقعد سيتغير خطاب وسلوك الحكام والأعداء على السواء . دعونا لا نختبئ، وراء رشاشات الأدعيه والوعظ وشروط التيمم ونواقض الوضوء وفؤائد الزنجبيل، ولا وراء التنظير وأشعار عنترة والبكاء على الأطلال، وأن لا نكتفي بتحليل المأسي، فلنسقِط الدجل والدجالين واليأس واليائسين والمعتدين على رسالة الاسلام وقداسة فلسطين، ونسقط كل بضاعتنا هذه امام هول ما نحن به . فهو لا يعفي الشعوب من مسئولياتها ولا يدخل أصحابها الجنة بل يدخلهم الى جحيم الدنيا والأخره.
محكمة التاريخ والضمير لا تستثني تقصير الشعوب التي تتدافع بالالاف على مبارة لكرة القدم، ومظاهرة لأجل القدس لا يتعدون فيها المئات، ولقد انكسر حاجز الخوف عند شعوب العالم كلها وبقي ملكا لشعوبنا يتجدد مع كل بسطار، فلا الجوع عاد يحركها ولا الأوطان، اليست الشعوب هي من تصنع التغيير حين يتنافس المسئولون على الخيانة وتتهرب النخب من مسئولياتها.
ومحكمة التاريخ والضمير لن ترحم نخبنا الوطنية والسياسية على دورها في إحباط وإماتة حركة المواطنين وإفقادهم الثقة بأنفسهم وبالمجمل، وفي سلوكهم السياسي المنبطح لنهج الخيانه . نخب يسيل لعابها وراء طعومات صيد الأنظمة المسمومة ولا تتعدى بطولاتها إنشاء الأحزاب الوهمية تختبئ خلفها وكلها في بلادنا مدمره تخدم زيف توجهات تلك الانظمة وتتربع على رأس معيقات تًحرك السشعوب وإحباطها وتشكل جزءا من منظومة الفساد السياسي.
أما كيف يكون ذلك فهذه النخب تعرف بأن نهج الديمقراطية كنهج حياة او موت يمنع الفرد والمجموعة من التفرد والتقصير والخيانة، هو نهج محرم على دولنا العربية صهيونيا بغية سلب ارادة الشعوب وتحييدها والاستفراد بالحكام . ونعلم بأن الصهيونية ساعدت أو صنعت أنظمة دكتاتورية وجعلت من وجودها مصلحة أساسية تتقاطع معها في مقاومة الديمقراطية، وبأن التقاطع توسع ليصنع التحالف الصهيوني مع حالة عربية رسمية . فاصبحت الحرب على الديمقراطية والشعوب في بلداننا يقودها حكامنا. ومع هذا جاء دور النخب العربية متواطئا وداعما للحالة العربية الرسمية وتكريسها من خلال دورها في انشاء الأحزاب بغير حاضنتها السياسية، وكرست ازدواجية الخطاب عند شعوبنا في عامة الوطن العربي وكأن الجبن والخيانة قدر علينا.
فأقبلت هذه النخب على تشكيل الأحزاب في حضن ورعاية أنظمة نهجها السياسي يغاير الفكرة الحزبية وفلسفتها الواقعة في سياق الفكرة الديمقراطية، وهي تعلم أنه نهج يعتمد عزل الشعب واحتكار السلطة ورفض تداولها أو الشراكة فيها ولا يمكن أن يوفر البيئة القانونية والسياسية والإعلامية لتشكيل او لظهور أحزاب حرة او قادرة على فعل شيء إلا لصالح تلك الأنظمة التي تكتفي بامتلاكها حزبا واحدا هو حزب الجيش المسلح، ومؤسساته كلها أمنيه . وتعلم أن انشاءها للأحزاب في حضرة هكذا أنظمة سيكون منتوجها لا يقتصر على الفشل المحتم، فالفشل البرئ ليس مثلبة لأنه يحفزعلى النجاح.
بل إن منتج هكذا أحزاب سيكون باتجاه تفريغ النظرية الحزبية من فلسفتها ومضمونها، وترسيخ فشل جدواها في ذاكرة المواطن كنظريه وكفكره بعيدا عن فشل أصحاب الأحزاب، ونقل جدواها ليكون مسخرا بطبيعته للإسهام في تزوير الديمقراطية والتغطية على دكتاتورية الأنظمه وتوفير الديكور الديمقراطي لها داخليا ودوليا وهي ميته لا حياة فيها.
فالأحزاب في بلدي الأرد ن على سبيل المثال تكون حية في بطن امها، وتموت عند ولادتها . فالفترة التي يمر بها الحزب باسم حزب تحت التأسيس هي فترة حياته . ففيها يتحرك ويكتب ويخطب ويوعِد ويتوعد ويتواصل الاعلام معه . وتنهي هذه الفترة والنشاط حين اعلانه حزبا رسميا . فيصبح رقما إضافيا على قائمة الاحزاب التي سبقته وذلك لعدم قدرته على فعل شيء ملموس بفعل النهج السياسي القائم الذي تكلمنا عنه … فالأمر أشبه ما يكون بالعرس او الفرح الذي يسمع به الناس ويتابعوه ويقيم فيه ذوي العروسين الولائم والدبكات واطلاق العيارات النارية ابتهاجا بقدوم “الصبي” وما سيفعله، وبعد أن يُزف العروسين ويدخلا بيت الزوجية ينتهي العرس وينفض الناس كل لشأنه.
فتذمر بعض أصحاب هذه الأحزاب من تلك النخب في الاردن في بعض الأحيان، وإعلان فشلها أو حلها لا يكون إلا بطريقة وضع هذه الفشل على شماعة الدولة رغم أنهم كانوا يقرأونها جيدا، وهو تعليق غير مقنع لأحد لأنه جاء من باب خيبة أمل واهم بغنائم حكومية لم يحصلوا عليها من أنظمة نظرتها في الواقع لكل الأحزاب موالية أومعارضة هي واحدة لأن ما تقدمه هذه الأحزاب للنظام واحد بحجمه وطبيعته ونوعه . وليس لدى النظام أدنى مساحة للمشاركة السياسيه . . فبعض هذه الأحزاب تحترم نفسها وتخرج من الساحة وتخرج معها ضررها . وبعضها يستمر في تقديم خدماته كديكور تجميلي للدكتاتورية وترسيخ اليأس عند المواطنين ولعق ما يجاد عليهم من لعاب على حساب المصلحة العامة.