نساء غزة يكافحن من أجل أمومة مؤجلة

1

 

 

2600 امرأة أجهضت في البقعة الأكثر فتكاً بهن بسبب الحرب منذ مطلع 2025

 

رغدة عتمه صحافية

 

 

لا تقتصر مخاوف الغزيات على عملية الولادة بحد ذاتها بل تتجاوزها إلى محاولة الحفاظ على حياة الرضع (أ ف ب)

 

ملخص

وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، إلى جانب الغلاء الفاحش في أسعار المستلزمات الصحية، مثل الفوط الصحية النسائية وحفاضات وحليب الأطفال، فإن 95% من النساء الحوامل أو المرضعات في قطاع غزة يواجهن نقصاً غذائياً حاداً قد يعرض حياتهن للخطر.

 

وسط كل ما تعيشه النساء الحوامل في غزة من أوضاعٍ مأسوية وكارثية تتمثل بفقدان التغذية الجيدة ونقص المستلزمات الطبية الأساسية، وحصار خانق ونزوح مستمر يستنزف طاقاتهن ويضاعف معاناتهن، تتلقى بسمة العبد (30 سنة)، التي فقدت توأمها خلال الحرب بسبب الولادة المبكرة وعدم توفر حضانات للخدج في القطاع، باستمرار نصائح من أقاربها تحثها على الحمل مرة أخرى، لكن هشاشة الهدنة التي دخلت حيز التنفيذ في الـ10 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وخوفها المتزايد من احتمال تعرض الجنين لتشوهات يحولان دون ذلك.

 

تلك المخاوف في جانب وخيمتها المهترئة التي نزحت إليها برفقة عائلتها وغير المؤهلة البتة لاستقبال مولود جديد، وتفتقر لأدنى المقومات الإنسانية، في جانب آخر، وتضاف إلى ذلك كله ظروف زوجها الذي بترت كلتا يديه خلال الحرب ولا يقوى على العمل لتوفير حليب الأطفال والحفاضات من الأسواق المحلية التي تشهد ارتفاعاً غير مسبوق في الأسعار.

 

ولا تقتصر مخاوف الشابة على عملية الولادة بحد ذاتها، بل تتجاوزها إلى محاولة الحفاظ على حياة طفلها الرضيع، إذ ثمة تهديد أكبر يعرض حياتها وحياة طفلها للخطر، فالرضاعة الطبيعية في ظل نقص الغذاء باتت شبه مستحيلة وتترافق مع أخطار الجفافِ الناجم عن شح المياه.

 

ووفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، إلى جانب الغلاء الفاحش في أسعار المستلزمات الصحية، مثل الفوط الصحية النسائية وحفاضات وحليب الأطفال، فإن 95 في المئة من النساء الحوامل أو المرضعات في قطاع غزة يواجهن نقصاً غذائياً حاداً قد يعرض حياتهن للخطر.

 

ظروف قاسية

وسط كل هذه الظروف القاسية التي تواجهها النساء في القطاع من تدهور حاد في الحالة الصحية وانعدام توفر مستلزمات الولادة الأساسية والرعاية الصحية التي انعكست سلباً على النساء في غزة وأسهمت في حث عدد كبير منهن للتريث والتفكير ملياً في خطة الحمل والإنجاب خلال الحرب، بينت تقارير الأمم المتحدة انخفاضاً حاداً في المواليد الجدد في القطاع بنسبة 41 في المئة مقارنة بالفترة نفسها قبل الحرب، إذ لم تسجل وزارة الصحة الفلسطينية خلال النصف الأول من العام الحالي سوى 17 ألف حالة ولادة فقط، 67 حالة منها ولدت بتشوهات خلقية بمعدل يصل إلى حوالى 0.39 في المئة أو 3.9 لكل 1000 ولادة.

 

ويقول محللون إن المستويات المرتفعة من سوء التغذية الحاد في غزة هي الدافع الرئيس وراء الارتفاع الحالي في حالات العيوب الخلقية كاستسقاء الرأس والسنسنة المشقوقة إلى جانب عيوب الأنبوب العصبي، وهي تشوهات نمو خطرة تؤثر في الدماغ والحبل الشوكي وترتبط بنقص حمض الفوليك أثناء الحمل لدى النساء، فضلاً عن النقص شبه الكامل في الرعاية قبل الولادة والمتابعة.

 

يونيسيف.jpeg

إلى جانب الغلاء الفاحش في أسعار المستلزمات الصحية فإن 95 في المئة من الحوامل يواجهن نقصاً غذائياً حاداً (يونسيف)

 

 

وأكدت منظمة “كير” للحماية والنوع الاجتماعي أن ارتفاع معدل الإجهاض بين الحوامل في غزة منذ بدء الحرب وصل إلى 300 في المئة، وهو ما أشارت إليه بيانات وزارة الصحة في غزة، حين كشفت أن أكثر من 2600 امرأة أجهضت منذ مطلع العام الحالي بسبب الحرب، أي ما نسبته 15.3 في المئة من إجمال الحمل، بينما حدثت 220 حالة وفاة مرتبطة بالحمل قبل الولادة.

 

وأظهرت الأرقام التي رصدها صندوق الأمم المتحدة للسكان UNFPA أن وفيات الأمهات أثناء الحمل والولادة في غزة ارتفعت أكثر من 20 مرة عن مستوياتها قبل الحرب.

 

بالتزامن مع ذلك، كشف تقرير حديث لهيئة الأمم المتحدة للمرأة نشر مطلع أكتوبر الماضي، أن قطاع غزة أصبح بؤرة النزاع الأشد فتكاً بالنساء في العالم، إذ قُتلت أكثر من 33 ألف امرأة وفتاة خلال عامين من الحرب، وبين التقرير أن النساء الحوامل اليوم أصبحن أكثر عرضةً للخطر بثلاثة أضعاف مقارنة بعام 2024.

 

أجنة مستهدفة

وبحسب مدير عام وزارة الصحة في قطاع غزة الدكتور منير البرش، فإن “الحرب تجاوزت كل الخطوط، حتى باتت الأجنة والرضع أهدافاً غير مرئية في ساحة الإبادة والتطهير العرقي ومحو النسل الفلسطيني”، مؤكداً في منشور كتبه على حسابه الرسمي على منصة “إكس” في وقت سابق، أن الأرقام الحالية تمثل مؤشراتٍ على حال رعب جماعي وشلل صحي واجتماعي، وتعكس سياسة تستهدف النسل الفلسطيني بوسائل غير مباشرة”، ورأى أنها تمثل “جريمة إبادة صامتة”.

 

وفي مارس (آذار) الماضي، اتهمت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة إسرائيل بفرض حصار بصورة متزامنة مع منع المساعدات، بما في ذلك الأدوية اللازمة لضمان سلامة الحمل والإنجاب ورعاية المواليد في قطاع غزة، واتهمتها بأنها “هاجمت ودمرت عمداً” المراكز التسعة للإخصاب في القطاع، وأنها “دمرت جزئياً القدرة الإنجابية للفلسطينيين في غزة عبر التدمير الممنهج لقطاع الصحة الإنجابية”، مشيرةً إلى أنها ارتكبت بذلك “أعمال إبادة”.

 

أطفال_يسيرون_بين_خيامهم_وسط_مياه_الأمطار_في_خان_يونس_(د.ب.أ).jpeg

أطفال يسيرون بين خيامهم وسط مياه الأمطار في خان يونس (د ب أ)

 

 

ورداً على التقرير، أصدرت البعثة الدائمة لإسرائيل لدى الأمم المتحدة بياناً قالت فيه إنها “ترفض رفضاً قاطعاً هذه الاتهامات التي لا أساس لها من الصحة”، كما دان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التحقيق واصفاً إياه بـ”السخيف والعاري من الصحة”.

 

تحولات كبيرة

 

بحسب الإحصائية السنوية التي صدرت عن دائرة الأحوال المدنية في وزارة الداخلية في غزة، فقد شهد معدل الولادات في قطاع غزة قبل الحرب طفرة في ارتفاع عدد المواليد الجدد، إذ سجلت الجهات الحكومية خلال عام 2021 وحده ولادة نحو ربع مليون طفل، وخرجت عشرات التقارير حينها أن الغزيين وفي ظل كل ما يعانونه من حصار وفقر وظروف معيشية صعبة وقاسية، يلجأون إلى الإنجاب كوسيلة للنضال بطريقة أو بأخرى، إلى حد أصبحت فيه غزة الأعلى كثافة في العالم وبلغت حوالى 6000 نسمة لكل كيلومتر مربع.

 

وفيما يرى البعض أن انخفاض عدد المواليد في قطاع غزة هذا العام يندرج تحت ظروف الحرب الاستثنائية وأخطارها، يؤكد آخرون أن الأرقام ربما تحمل في أبعادها تحولاتٍ فكرية لدى النساء الفلسطينيات وخصوصاً اللاتي يعانين الجوع والخوف والنزوح باستمرار.

 

ووثقت منظمة “أكشن أغينست هنغر” الدولية، المعنية بمكافحة الجوع والفقر، ارتفاعاً مقلقاً في معدلات سوء التغذية الحاد بين الأطفال والأمهات في غزة، صنفته بأنه الأعلى على الإطلاق منذ بدء عملياتها في القطاع عام 2024، وقد يخلّف آثاراً صحية سلبية دائمة.

 

اقرأ المزيد

 

عندما تنهار حقوق الإنسان الغربية في أعين أطفال غزة

 

“جلد على عظم”: أطفال غزة لا يقدرون حتى على البكاء

 

جوع أطفال غزة يصدع أنصار ترمب

 

أطفال غزة يأكلون العشب… وأنا عاجز عن إقناع صغيري بتناول الخضراوات

وحذر مستشارو توليد ومختصون بالصحة الإنجابية من أن الوضع في قطاع غزة مستقبلاً سيكون أسوأ بكثير بالنسبة إلى الأطفال الذين يتأثرون بالمجاعة في الوقت الحالي وهم في أرحام أمهاتهم.

 

ويؤكد رئيس دائرة نظم المعلومات في المنظمة، زاهر الوحيدي، أن 67 مركز رعاية، يعمل بصورة جزئية في القطاع من أصل 157 مركزاً، كانت تقدم الرعاية كاملة للأطفال والأمهات وأصحاب الأمراض المزمنة.

 

في حين أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة في مناسبة يوم الطفل العالمي، الذي يصادف الـ20 من نوفمبر من كل عام، عن مقتل أكثر من 20 ألف طفل فلسطيني خلال الحرب الإسرائيلية على القطاع منذ السابع من أكتوبر عام 2023، مشيراً في بيان إلى أن 1015 طفلاً منهم كانت تقل أعمارهم عن عام واحد، إضافة إلى أن أكثر من 450 رضيعاً ولدوا وقتلوا خلال الحرب.

 

وفي وقت يحتاج فيه آلاف الأطفال إلى إجلاءٍ طبي عاجل، تشير المعطيات الحكومية بالقطاع إلى أن أكثر من 650 ألف طفل يواجهون خطر الموت جوعاً، ناهيك بظروف مأسوية يعيشها عشرات الآلاف من الأيتام وسط الدمار.

التعليقات معطلة.