نظرة مبكرة على أسلحة “الحرب العالمية الثالثة”​

1

طائرات في إحدى غارات الحرب العالمية الثانية

كانت المدافع هي أبرز أسلحة الحرب العالمية الأولى، فيما كان الطيران هو نجم الحرب العالمية الثانية… لكن العالم ربما يستعد لعهد جديد الآن، أسلحته تتخطّى العامل البشري وقدراته. ورغم أنّ هناك كثيراً من التكهنات والشكوك حول شكل وعمل الأسلحة التي قد تُستخدم في “حرب عالمية ثالثة”، فإنّ الكل على يقين من أنّ “الحرب العالمية الرابعة” لن تتخطّى في أسلحتها النبلة والقوس؛ إن وجدت.

ووسط ارتباك يسود مناطق كثيرة من العالم، يبدو الوضع “مثالياً” لنشوب “الشرارة الأولى” للحرب، وهو وضع شبيه إلى حدّ بعيد بما صادفه العالم مرّتين من قبل، أولاهما عام 1914، وثانيهما عام 1939، وهما عاما بدء الحربين العالميتين الكبيرتين، تارةً بسبب اغتيال ولي عهد النمسا في سراييفو، والأخرى بسبب غزو ألمانيا لبولندا.

واليوم، هناك حرب لا تزال مشتعلة في البحر الأسود بين روسيا وأوكرانيا مع ما يوازيها من تحالفات وتجاذبات وعقوبات، وأخرى في الشرق الأوسط بين إسرائيل وحركة “حماس”، تطحن ملايين السكان المدنيين، وتثير مئات الملايين من سكان المنطقة العربية بدرجات تبدأ من التعاطف، وتصل إلى العمليات الإنتقامية في باب المندب، إلى جانب وضع يكاد يشتعل بين تايوان والصين، وآخر ملتهب بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية… بينما كل من هذه الأطراف له علاقات متشعبة ومربكة مع الآخرين، وأغلبها يمتلك أسلحة نووية بشكل رسمي أو غير رسمي.

ويرى غالبية المراقبين والخبراء العسكريين، أنّ السلاح النووي يعدّ بمثابة “سلاح ردع” أكثر من كونه “سلاح حرب”، لأنّه سيكون على الأرجح “آخر حدث على الأرض”؛ إذا ما تمّ استخدامه. لذلك فمن المرجح أنّ أي حرب كبرى مقبلة ستكون أسلحتها “أكثر استراتيجية” و”أقل دماراً” من ذلك.

أسلحة الغد

ومن بين الأسلحة التي يتوقع الجميع أن يكون لها دور بارز “الأسلحة السيبرانية”، بخاصة أنّ الدول صارت تعتمد بشكل بالغ على التكنولوجيا في جميع جوانب الحياة، بما يتضمن الجيوش والمعدات العسكرية، ولذلك فإنّ الهجمات السيبرانية الفعّالة من شأنها أن تقوم بشلّ مفاصل العمليات العسكرية للدول الأخرى، وتعطيل البنى التحتية الحيوية.

سلاح آخر يبزغ بقوة في الأفق، يتمثل في “الأسلحة الفضائية”، حيث تُستخدم الأقمار الاصطناعية بشكل متزايد في الاتصالات والملاحة والاستطلاع. ما قد يجعل من الأسلحة الفضائية الهجومية والدفاعية، صاحبة دور فعّال في السيطرة على ساحات المعارك، سواءً عبر تدمير قدرات العدو الفضائية أو الاستحواذ عليها.

ورغم أنّ الصورة الذهنية التقليدية قد تحيلنا إلى أفلام الخيال العلمي إذا ذكرت “الأسلحة الروبوتية”، على غرار “ستاروورز” مثلاً، إلاّ أنّ هناك أشكالاً من تلك الأسلحة موجودة بالفعل ومستخدمة، مثل روبوتات إزالة الألغام وغيرها، وربما يكون هناك الكثير من الابتكارات غير المعلنة في هذا المجال.

سلاح آخر ربما يكون خطيراً، وهو قائم على مبدأ الحرب الإعلامية التقليدي لكن بنكهة المستقبل. فقبل أيام، أشار عمدة لندن إلى أنّ تقنية “ديب فيك” أو “التزييف العميق” يمكن أن تؤثر على انتخابات أو استفتاء في المملكة المتحدة في المستقبل… وذلك بعدما سقط شخصياً ضحية تسجيل مزيف له باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي تضمّن إدلاء بتصريحات تحريضية.

لكن الأمر قد يتخطّى مجرد انتخابات أو بريطانيا، فماذا لو استُخدمت مثل هذه التقنية مثلاً في إعلان دولة الحرب على أخرى؟ أو خداع دولة نووية بأنّ غريمتها ضغطت “الأزرار الحمراء (النووية)” بالفعل؟

قلب المعركة

أما السلاح الأبرز المرتقب، فسيكون الذكاء الاصطناعي، والذي قد يكون سلاحاً أو سبباً للحرب في رأي البعض.

وخلال الأيام الماضية، أعرب الملياردير الأميركي إيلون ماسك عن مخاوفه العميقة تجاه تقنيات الذكاء الاصطناعي وعلاقتها بمستقبل السلام في الكوكب. ورغم أنّ ماسك نفسه أحد أهم رواد الأعمال والابتكار، فإنّه لا يخفي قلقه الدائم من انفلات الذكاء الاصطناعي.

وقال ماسك إنّ العالم لا يولي اهتمامًا كبيرًا لدرجات الأمان في استخدام الذكاء الاصطناعي، موضحاً أنّ الذكاء الاصطناعي قد يشكّل خطرًا على قطاعات الطائرات والسيارات وحتى الأدوية، لذا يجب أن يتمّ إدارته من خلال ضوابط رقابية وعمليات إشراف؛ حتى وأن تسبّب ذلك في إبطاء عمليات تطوره. مشدّداً أنّ “الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين، ومن الممكن استخدامه في تطوير أسلحة نووية”.

وسبق أن عبّر ماسك عن هذا القلق منذ سنوات، وفي عام 2017 كتب على “تويتر” (بحسب اسمه آنذاك قبل ان يستحوذ عليه ماسك ويحوله إلى “إكس”): “الصين وروسيا هما مستقبل القوة المعلوماتية في العالم، الصراع بين الأمم سيكون معتمداً على التفوق في مجال الذكاء الاصطناعي، وربما سيكون محور الحرب العالمية الثالثة”. معربًا عن قلقه الدائم من استخدام الذكاء الإصطناعي في المجالات العسكرية، ما دعاه لتأسيس معهد دراسات متخصّص في مجال الذكاء الإصطناعي عام 2015، من أجل تطويره “لصالح البشرية”.

وفي العام نفسه، 2017، أظهرت ورقة بحثية من “معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية” الفرنسي، أنّ الذكاء الاصطناعي هو مستقبل العالم، وتوقعت أنّ الحرب العالمية القادمة سيكون محورها الذكاء الاصطناعي.

ويوضح المراقبون أنّ تقنية الذكاء الاصطناعي أثارت مخاوف الدول الكبرى منذ نحو 10 سنوات، لاسيما الولايات المتحدة التي كانت تخشى التطور المتسارع لتلك التقنيات آنذاك بخاصة في روسيا والصين.

وأشار المعهد الفرنسي إلى تصريح سابق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حين قال: “من تكون له الريادة في الذكاء الاصطناعي، سيكون سيّد العالم”.

سلاح مرعب

وبالعودة إلى الزمن الحاضر، فقد أكّد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي خلال الأيام الماضية، أنّ روسيا تعمل على تطوير قدرات عسكرية لاستخدامها ضدّ الأقمار الصناعية في الفضاء، لكنه ترك طبيعة التهديد المحدّدة مفتوحة.

وتابع: “على الرغم من أنني مقيّد بحجم ما يمكنني كشفه حول الطبيعة المحدّدة للتهديد، إلاّ أنني أستطيع أن أؤكّد أنّه مرتبط بالقدرة المضادة للأقمار الصناعية التي تطورها روسيا”، وأضاف: “أريد أن أكون واضحًا في الوقت الحالي بشأن أمرين. أولاً، هذه ليست قدرة في الخدمة تمّ نشرها. وعلى الرغم من أنّ سعي روسيا للحصول على هذه القدرة بالذات أمر مثير للقلق، إلّا أنّه لا يوجد تهديد مباشر لسلامة أي شخص”.

وقال كيربي: “نحن لا نتحدث عن سلاح يمكن استخدامه لمهاجمة البشر أو التسبب في دمار مادي على الأرض، ومع ذلك، فإننا نراقب هذا النشاط الروسي من كثب وسنواصل أخذه بجدّية”.

ورغم تكذيب روسيا لهذه التقارير، قال محللون إنّ ما يعمل عليه الروس، من أجل استهداف الأقمار الصناعية مستقبلاً، قد يكون جهازاً يعمل بالطاقة النووية على الأرجح، لحجب أو تشويش أو حرق الأجهزة الإلكترونية داخل الأقمار الصناعية، بدلاً من استخدام رؤوس حربية نووية متفجّرة لإسقاطها. ويمكن لمثل هذه الأسلحة أن تقوّض الاتصالات والمراقبة والاستخبارات والقيادة والسيطرة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في المجال النووي.

وتحدثت مجلة “إيكونوميست” عن 3 احتمالات، فإما أن يكون السلاح نووياً “منبثقاً” مصمماً لتدمير الأقمار الصناعية، وسيتمّ وضعه على الأرض ولا يُطلق إلاّ عندما يكون استخدامه وشيكاً، أو سلاحاً نووياً سيتمركز في المدار الخارجي، أو قمراً اصطناعياً يعمل بالطاقة النووية، وهو ليس قنبلة في حدّ ذاته، لكنه يستخدم الطاقة النووية لتشغيل نوع آخر من الأجهزة.

وفي الداخل الأميركي، دعا رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأميركي، مايك تيرنر، الرئيس الأميركي جو بايدن إلى رفع السرّية عن المعلومات الخاصة بالسلاح الروسي، للسماح للقادة السياسيين وحلفاء الولايات المتحدة بمناقشة التهديد علانية. لكن كيربي رفض مطالب تيرنر، مشيرًا إلى أنّ وكالات الاستخبارات لديها “مخاوف جدّية” بشأن نشر معلومات بالغة الأثر.

وفي الوقت ذاته، دعا وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس إلى الوضوح. كما قال وزير الدفاع البريطاني غرانت شابس: “لا أعلّق بشكل محدّد على هذا التقرير، ولكننا نعلم أنّ الخصوم سيبحثون دائمًا عن طرق جديدة لشن الحرب، وإنّ الفضاء يمثل جبهة كبيرة، والإنترنت يمثل جبهة كبيرة. ولهذا السبب يتعيّن علينا أن نكون أقوياء، ولهذا السبب يتعيّن علينا أن نكون مستعدين”.

أمن الفضاء

ومع تطور أنظمة الأقمار الاصطناعية البالغ، فإنّها صارت بالنسبة للبعض هدفًا رئيسيًا لهجمات القرصنة الإلكترونية.

وسلّطت هجمات القرصنة الإلكترونية التي وقعت في السنوات الأخيرة، مثل الهجوم الذي استهدف منظومة قمر الاتصالات “كيه إيه” الخاص بشركة “فياسات” الأميركية عام 2022، الضوء على الضعف المتزايد لمثل هذه المنظومات، حيث تسبّب الهجوم في تعطّل إمكانات تصفّح الإنترنت بالنسبة للآلاف في أوروبا، وأظهر الأهمية الاستراتيجية للأقمار الاصطناعية باعتبارها أهدافًا مهمّة في الحروب التي تتمّ عبر الأثير.

ويقول الباحث سلفستر كاسماريك، مسؤول التكنولوجيا في شركة “أوربي سكاي سيستمز” للأمن السيبراني، إنّه من الضروري العمل بشكل فوري لتعزيز سبل تأمين الأقمار الاصطناعية، وهو ما يتطلّب القيام بعمل حاسم في الوقت الحالي لتجنّب سيناريوهات، مثل انقطاع خدمات ضرورية، وما قد يترتب على ذلك من عواقب وخيمة، بحسب وكالة الأنباء الألمانية.

وأشار كاسماريك إلى أنّ هجوم عام 2022، والذي نسبت تقارير مسؤوليته إلى أطراف على صلة بالدولة الروسية، نجح في اختراق بروتوكولات الاتصال الخاصة بالقمر الصناعي، ما أدّى إلى انقطاع خدمات الإنترنت وأفضى إلى اضطرابات وظائف الاستشعار في مختلف أنحاء أوكرانيا وأجزاء من أوروبا، وكان له تأثير على أكثر من 9 آلاف مشترك في فرنسا وقرابة 13 ألفاً آخرين في دول أوروبية أخرى، كما أدّى إلى انقطاع الاتصال بين شركة طاقة ألمانية رئيسية وأكثر من 5800 من توربينات توليد الطاقة من الرياح تقوم الشركة بتشغيلها.

ويؤكّد كاسماريك أنّ ضعف أنظمة الأقمار الاصطناعية أمام هجمات القرصنة لم يعد مسألة نظرية، بل انّ كثيراً من الحوادث تسلّط الضوء على خطورة هذه التهديدات، بعدما كشفت دراسة أجرتها الوكالة الأوروبية على سبيل المثال، أنّ عدد هجمات القرصنة ارتفع بنسبة 300% خلال السنوات الخمس الماضية، مع التركيز بصفة خاصة على تعطيل أنظمة الاتصال ذات الأهمية البالغة في الأقمار الاصطناعية.

وأظهرت حوادث سابقة مثل السيطرة على مسيّرات عسكرية أميركية بواسطة عملية قرصنة إلكترونية عام 2009، أنّه حتى أكثر الأنظمة تأمينًا ليست بمعزل عن هذه التهديدات، وأنّه من الضروري العمل باستمرار لتحديث أنظمة الحماية للتخفيف من أضرار الهجمات السيبرانية.

الردع لا يزال مطلوبًا

وبالتوازي مع أسلحة الغد، فإنّ سلاح الحاضر لا يزال موجودًا. وبعد عامين من التحوّل المفاجئ الذي حقّقته ألمانيا في سياستها الدفاعية، والذي أتى كردّ فعل على الغزو الروسي لأوكرانيا، تتعامل البلاد مع موضوع كان يُعدّ أيضًا من “المحرّمات الاستراتيجية”، وهو إنشاء مظلّة نووية أوروبية، في مواجهة شبح إعادة انتخاب دونالد ترامب للرئاسة الأميركية.

وقالت كاتارينا بارلي، العضو في الحزب الديموقراطي الاشتراكي الذي يتزعمه أولاف شولتس، إنّه مع احتمال إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، فإنّ درعًا ذرية أوروبية “قد تُطرح على الطاولة”، بحسب وكالة “فرانس برس”.

وأثارت هذه التصريحات جدلًا وطنيًا مشحونًا بالمشاعر في بلد مناهض بشدّة للسلاح النووي، ودائمًا ما جعل الشراكة مع الولايات المتحدة الأولوية المطلقة.

وساهمت التصريحات الصادمة لدونالد ترامب، الذي هدّد بعدم ضمان حماية الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (ناتو) في مواجهة روسيا إذا لم تدفع التزاماتها المالية، في تسريع نقاش كان قد بدأ منذ الغزو الروسي لأوكرانيا.

التعليقات معطلة.