مقالات

نعم لتحرير الغوطة

 
فوزي بن يونس بن حديد
لماذا التركيز اليوم على الغوطة باعتبارها المدينة الوحيدة في العالم التي تحترق، بينما تعيش مدن كثيرة أخرى تحت الرماد، إذا أراد الإعلام العالمي أن يوجه كاميراته إلى منطقة معينة أنها تعيش أزمة خانقة ووضعا إنسانيا مأساويا فاعلم أنها معادية للتوجه الأمريكي العفن والصهيوني النتن، لأن هناك مدنا بأكملها تحترق في العالم لا يتوجه إليها الإعلام العالمي إلا قليلا، فأين العالم من الرقّة المدينة التي تعرضت لأكبر إجرام في التاريخ الحديث، قصف عشوائي ومكثف من التحالف الأمريكي البشع والإجرامي خلف مئات القتلى من المدنيين ما زالت جثثهم معلقة إلى اليوم بل تحت الركام ولم تجد من ينفض عنها الغبار لدفنها في مكانها.
هذه المجزرة لم يلتفت إليها العالم بأكمله ولم يصدر تقريرا مفصلا عما جرى في الرقة من تدمير كامل للبنية التحتية وإخلاء السكان منها قسرا والاحتفاظ بالإرهابيين والمرتزقة، كل ذلك تفعله أمريكا العدوة الامبريالية التي تسعى إلى الهيمنة والسيطرة على مقدرات الشعب السوري بالقوة والعنف، وتريد إقامة قواعد عسكرية بالمناطق السورية لتقويض الوجود الإيراني وحماية حليفها الصهيوني، وبعد زيارة نتنياهو تأكد أن العالم اليوم يسير نحو تكتل جديد في المنطقة بعد أن أظهرت روسيا قدراتها العسكرية الفائقة في خطاب ناري للرئيس الروسي، وبعد قرارات ترامب الأخيرة التي أزعجت كلا من روسيا والصين والاتحاد الأوروبي وباكستان وكثيرا من الدول التي أصبحت تفكر في حلول أخرى تواجه بها قرارات الرئيس الأمريكي العشوائية والعدائية تسببت في عزل أمريكا سياسيا واقتصاديا فلجأت إلى إسرائيل بديلا مسلّيا لإحراق ورقة كان العرب يمسكون بطرفها.
الغوطة ليست المدينة الوحيدة التي تتعرض للمكيدة، وليست المنطقة الوحيدة التي يتخذها العالم شماعة للقضاء على روح المقاومة وتنظيف المدن من الإرهاب والتبعية للامبريالية والصهيونية العالمية، فهناك مدن اليمن بأكملها تعيش وضعا إنسانيا مأساويا تحت الاحتلال السعودي والجماعات الحوثية، ولا أحد يهتم بهذا الوضع الكارثي، لا الأمم المتحدة ولا الإعلام العالمي، ولا أمريكا ولا الاتحاد الأوروبي، وهناك المدن الفلسطينية التي ترزح تحت الاحتلال الصهيوني منذ ستين (60) عاما، ينتهك فيه الاحتلال الصهيوني كل الأعراف الدولية والقرارات الأممية ويعتدي على الشعب الفلسطيني بأبشع الطرق والأساليب من الحرمان والهدم والنهب والسرقة والاعتداء وكأن الذين يعيشون بهذه المناطق ليسوا بشرا، فهل بعد هذا نبقى نولول على الغوطة الشرقية لأن النظام السوري يريد تحريرها من الإرهاب.
وماذا عن العدوان التركي في عفرين وفي مناطق محيطة بها، ما الذي جعل أردوغان يصر على هذه العملية القذرة، إنها ليست بلاده، ولا قطعة محتلة من أرضه يريد استرجاعها، إنه التدخل في شؤون الآخر بالقوة والعنف والإرهاب، فلماذا نحارب الإرهاب ودول تمارسه بكل الألوان، فهل ستبقى سوريا مكتوفة الأيدي أمام يجري في الغوطة وفي عفرين وفي الرقة وفي كل شبر من أراضيها؟ فليس من العدل والحكمة أن نسمح لأنفسنا بأن نتدخل في دولة أخرى ذات سيادة دون إذن منها وندّعي أننا نحارب الإرهاب بالقوة، بينما ما تفعله هذه الدول هو الجريمة البشعة من عدة أوجه، أولها أنها اعتدت على دولة ذات سيادة، وثانيها أنها تقتل المدنيين بلا حساب، وثالثها أنها تمول الإرهاب وتتركه يتمدد عبر مدّه بالسلاح والمال، وغيرها من الأوجه الخبيثة التي تمارسها دول أجنبية وعربية مع الأسف الشديد.