حكومة ميلوني استقبلت حفتر ومراقبون يشيرون إلى سعي روما لاستغلال علاقتها الجيدة بالمعسكرين ومحاولة باريس تدارك ما فاتها
استقبال رئيسة الوزراء الإيطالية لحفتر فتح باب التأويلات (مواقع التواصل)
حرك استقبال رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني، قائد قوات الجيش في الشرق الليبي خليفة حفتر الأربعاء الماضي بالعاصمة الإيطالية روما، نار المنافسة القديمة الجديدة بين إيطاليا وفرنسا على ليبيا، تلك النار التي حركتها رياح المعطيات الدولية، وكان آخرها الحرب الروسية- الأوكرانية التي دفعت القارة الأوروبية إلى البحث عن بديل جديد للطاقة الروسية.
ويبدو أن الثروة النفطية التي تتوافر عليها ليبيا تسيل لعاب الفرنسيين والإيطاليين الذين حركوا أسطولهم الدبلوماسي نحوها منذ الـ 28 من يناير (كانون الثاني) الماضي على أعلى مستوى، فزارت رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني العاصمة السياسية طرابلس برفقة وزير الداخلية ماتيو بينتيدوسي، ظفرت على أثرها باتفاق مشترك للتنقيب عن النفط داخل المياه الإقليمية الليبية.
ووصفت تلك الزيارة بأول اتصال سياسي مباشر لميلوني مع حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة، ولم تشمل أي اتصال برجل إقليم برقة حفتر، مما جعل استقبالها له أخيراً يفتح باب تعدد القراءات على مصراعيه بخاصة أنه، أي الاستقبال، أعاده إلى الساحة الدولية من جديد بعد غياب طويل.
الثروات المنجمية
الباحث الإستراتيجي محمد الأسمر يرى أن القرب الجغرافي لليبيا من إيطاليا جعل منها امتداداً تاريخياً لها عكس فرنسا التي ما زالت تنظر إليها على أنها مجرد مستعمرة سابقة لها على مستوى إقليم فزان.
الأسمر أكد في حديثه إلى “اندبندنت عربية” أن “التنافس الإيطالي- الفرنسي في ليبيا محكوم بعوامل عدة، يأتي في مقدمتها الصراع على النفط والغاز الليبيين بين شركة ’إيني‘ الإيطالية وشركة ’توتال‘ الفرنسية الذي بلغ أشده عام 2011، وهو صراع تدعمه الولايات المتحدة لمصلحة إيطاليا التي يبدو أنها ستكون الأداة التنفيذية الجديدة للمصالح الأميركية في ليبيا، بخاصة بعد فتور العلاقات بين قائد القوات المسلحة بالشرق الليبي خليفة حفتر والجمهورية الفرنسية”.
ويتابع أنه “من المتوقع أن تتسبب الثروات المنجمية الليبية في اندلاع صراع بين الدولتين، بخاصة أن ليبيا فتحت باب الاستثمارات الأجنبية في مجال الطاقة الذي سيكون محور الصراعات الدولية المستقبلية، لا سيما بعد اندلاع الحرب الروسية- الأوكرانية”.
ويشير الأسمر إلى أن “الموقع الإستراتيجي الذي تتمتع به الدولة الليبية في شمال أفريقيا وعلى ضفاف البحر الأبيض وتوافرها على نحو 2.8 في المئة من إجمالي الاحتياط العالمي للنفط مما يؤهلها لتكون صاحبة أكبر احتياط نفطي في القارة الأفريقية، إضافة إلى لثروتها من الغاز الطبيعي التي تصل احتياطاتها منه إلى 1.4 تريليون متر مكعب تتربع به في المرتبة الخامسة بين الدول الأفريقية، كل ذلك يجعلها محط مطامع المجموعة الدولية ومن بينها إيطاليا وفرنسا”.
يقول الأسمر إن “فرنسا تحاول لعب دور متبادل مع ألمانيا لتكون ليبيا وجهة وهدفاً من ناحية إمدادات الغاز والنفط، غير أن إنتاجات شركة ’إيني غاز‘ الإيطالية المشاركة عبر شركة مليتا التي يصل إنتاجها إلى نحو 600 ألف برميل يومياً من النفط والغاز أي ما يقارب نصف ما تنتجه الدولة الليبية من النفط (يبلغ إنتاجها مليون و200 ألف برميل)، تجعل حظوظ فرنسا في المنافسة مع إيطاليا ضعيفة جداً”.
ويوضح أن “التوجه نحو حفتر يرتبط بالدور الذي تريد أن تلعبه إيطاليا أوروبياً، حيث من الواضح أن حكومة ميلوني خططت ليكون الأداة المساعدة لها نحو توسيع نفوذها في ليبيا التي ستكون بوابتها الرئيسة للتحرك تجاه السوق الأفريقية، محور الصراعات الدولية الحالية بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية”.
ويشرح الباحث الإستراتيجي أن “إيطاليا ستستغل حسن علاقتها بالمعسكرين الغربي والشرقي في ليبيا لتحقيق مصالح مشتركة للطرفين، على عكس فرنسا التي تعد علاقتها متوترة نوعاً ما بالقطب الغربي بحكم دعمها لحفتر في حربه على العاصمة الليبية طرابلس في الرابع من أبريل (نيسان) 2019”.
تنافس سياسي
المحلل السياسي حازم الرايس يقول إن “الصراع الإيطالي- الفرنسي ظهر على أكثر من مستوى، لكن يبقى المستوى السياسي هو الأبرز، بحيث تحاول باريس تدارك ما فاتها في الساحة الليبية بسبب انشغالها سابقاً بتشكيل حكومتها الحالية”، مبرزاً أن “الصراع الإيطالي- الفرنسي على ليبيا تحكمه أولويات غيرت ترتيبها الحرب الروسية – الأوكرانية، ففي حين يحتل ملف الهجرة غير الشرعية أولويات الحكومة الإيطالية يبدو الملف الأمني هو الأبرز بالنسبة إلى فرنسا، بينما يبقى دعم العملية السياسية هدف إيطاليا التي حرصت على وجودها الدبلوماسي على الأرض حتى خلال أعنف الأزمات التي عرفتها ليبيا، فلم تغلق بعثتها أبوابها بينما أعادت فرنسا فتح سفارتها في طرابلس منذ عامين فقط”.
ويتابع أن “تحرك فرنسا الأخير بهدف عقد قمة ليبية على المستوى الأمني والعسكري في باريس، دفع إيطاليا إلى التحرك أيضاً على المستوى العسكري الذي ترجم سريعاً من خلال اللقاء بحفتر والحديث عن التنسيق الأمني والعسكري بين القطبين وآخر نتائج اجتماعات مجموعة 5+5 العسكرية”.
ويضيف الرايس أن “إيطاليا تحاول خلق توازن في تحركها الدبلوماسي بليبيا حيث التقت في يناير الماضي برئيس حكومة الوحدة الوطنية والآن تحاول أن ترفع من مستوى التنسيق الاقتصادي لها في الشرق الليبي الذي يسيطر عليه حفتر مقابل تقلصات واضحة للدور الفرنسي في الساحة الليبية”.
ويقول المصدر نفسه إن “إيطاليا تحاول التحرك على مستوى دعم العملية الانتخابية بالتوازي مع جهود الأمم المتحدة للدعم في ليبيا” مردفاً أن “روما ستلعب دوراً مهماً بالتنسيق مع حفتر الذي يسيطر على البوابة الليبية- السودانية في الجنوب للتقليل من موجات الهجرة غير الشرعية تجاه الاتحاد الأوروبي عبر ليبيا التي من المتوقع أن تشهد موجات نزوح للاجئين السودانيين تجاه الجنوب الليبي”.