نقل السفارة الأمريكية إلى القدس ليس بكارثة

1

دينيس روس و ديفيد ماكوفسكي

هناك القليل من القضايا في الشرق الأوسط التي تثير المشاعر أكثر من القدس. فقد كانت الردود الرسمية للقادة العرب على اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل في السادس من كانون الأول/ديسمبر سريعة وسلبية على الأقل جزئياً، لأنهم لم يكونوا على دراية كافية لما كان سيُعلَن عنه ولم يكن باستطاعتهم التصرف وكأنهم يتنازلون عن حقوق العرب والفلسطينيين والمسلمين في المدينة وأماكنها المقدسة.

ومن المفارقة أن ما قاله الرئيس الأمريكي لا يعني التنازل عن هذه الحقوق والمطالبات. فاعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل يعكس واقع أنها مركز الحكومة الإسرائيلية وأن القدس، بالنسبة للدولة اليهودية، ستبقى دوماً عاصمتها – وأنه لا توجد مدينة أخرى يمكن أن تحل محلها. وبالنسبة للفلسطينيين، لا يمكنهم أيضاً تصوّر أن تكون أي مدينة باستثناء القدس عاصمة لدولتهم، إذا خرجت من رحم المفاوضات المتداعية وعند حدوث ذلك. إن إعلان الرئيس ترامب لا يستبعد ذلك: على العكس، لقد قال إن الولايات المتحدة لا تتخذ موقفاً حول مسألة “الحدود الخاصة لسيادة إسرائيل في القدس أو حل الحدود المتنازع عليها”. وأوضح أن هاتين المسألتين “تخص الطرفين المعنيين”.

وبالنظر إلى المخاوف العربية والفلسطينية وإمكانية أن تُقدم كل من «حماس» و «حزب الله» وإيران وتنظيم «القاعدة» على تحريف ما تقوم به الولايات المتحدة من أجل تأجيج الغضب والحض على أعمال العنف، من الضروري أن تكون رسالة إدارة ترامب واضحة وثابتة حول عدم إصدار أحكام مسبقة بشأن نتيجة وضع القدس. ورغم أن الحفاظ على أدبيات الرسائل لم يكن السمة المميزة للبيت الأبيض في [العام الأول من] فترة رئاسة ترامب، لكنها أمراً أساسياً الآن. فالتغريدات المضللة ممنوعة. إن المخاطر كبيرة للغاية، لا سيما إذا لم يكن قرار الرئيس سيصبّ في مصلحة أعداء السلام.

وهذا يعني تكرار وترسيخ الموضوع الرئيسي للرئيس ترامب في خطابه وهو: أن الولايات المتحدة تميّز بين الاعتراف بواقع أن القدس كانت عاصمة إسرائيل منذ عام 1949 والحاجة إلى إجراء مفاوضات لحلّ كافة مطالبات الإسرائيليين والفلسطينيين، بما فيها القضايا المتعلقة بالقدس. فعلى الإسرائيليين والفلسطينيين حلّ هذه المسائل بشكل مباشر ودون تدخل خارجي.

ثمة منطق لهذه الازدواجية. إن مقرا رئاسة مجلس الوزراء والبرلمان الإسرائيليين يقعان في الجزء غير المتنازع عليه من القدس، وهناك توجّه صادق في وضع حدّ للافتراض غير الصحيح بأن هذه المدينة ليست عاصمة إسرائيل، وهو الافتراض الذي استمر لحوالي 70 عاماً. وفي الوقت نفسه، وبالنظر إلى مركزية القدس وطبيعتها القابلة للانفجار كما يُحتمل، فمن الأهمية بمكان ألا يبدو المرء وكأنه يستبق قدرة الطرفين على ترسيم حدود المدينة وعما إذا كانت ستكون عاصمة لدولتين أم لا. وقد سبق أن دعا زعيم «حماس» إسماعيل هنية إلى انتفاضة، وتشير أعمال الشغب العنيفة التي عمّت الضفة الغربية في 7 كانون الأول/ديسمبر إلى أنه يمكن استغلال الغضب من إعلان الرئيس الأمريكي بشكل أكبر – مما يساعد أيضاً على شرح إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على لعب دور الوسيط.

وبما أن كافة الأطراف ترى القدس من منظار عاطفي، فقد يسئ المتطرفون تفسير أي قرار يسفر عن اندلاع أعمال عنف. وإذا كانت الولايات المتحدة تبدو وكأنها تنهي الجدل حول مسألة القدس أو أنها ببساطة تتبنى الموقف الإسرائيلي بوضع القدس كلها تحت السيادة الإسرائيلية، فإنها قد تمكّن الجهاديين والرافضين من استغلال هذه المسألة الحساسة للغاية. وبطبيعة الحال، فإنهم سيغتنمون الفرصة للتحريض ضد الولايات المتحدة وشركائها العرب والفلسطينيين – لا سيما عباس والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني. يجدر بالإدارة الأمريكية ألا تنسى الضغوط التي قد يتعرض لها هذان الرئيسان.

ومن الخطوات العملية التي يمكن أن تتخذها إدارة ترامب للحدّ من قدرة الآخرين على استغلال قرار الرئيس الأمريكي هي جعل كبار المسؤولين الأمريكيين يظهرون في كافة الوسائل الإخبارية الناطقة باللغة العربية ويشرحون ماهية القرار الفعلية وما لا يشمله هذا القرار. ولا بدّ لهم أن يسلّطوا الضوء على ضرورة الإقرار بواقع بات مسلماً به، وهو: إن أي اتفاق سلام سينتهي باحتفاظ إسرائيل بعاصمتها في جزء من القدس على الأقل. ومن شأن ذلك أن يساعد على توضيح ادعاء الإدارة الأمريكية بأنها لا تحاول تقويض مصالح الفلسطينيين في القدس – وأن الولايات المتحدة لا تزال تصرّ على ضرورة التفاوض بشأن القضايا الأساسية المرتبطة بمستقبل القدس، والأسئلة الدائرة حول السيادة، والمطالب الإسرائيلية والفلسطينية المتعارضة، قبل التوصل إلى اتفاق سلام. ويجب أن يصبح عنصرا هذه الرسالة عبارة شائعة يرددها أبرز المسؤولين الأمريكيين على مسامع الجمهور العربي خلال الأسابيع المقبلة، بمن فيهم نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس خلال زيارته إلى المنطقة.

وهذا هو أفضل أمل لتعزيز مواقف الزعماء العرب والفلسطينيين الذين يجدر بهم التصدي للجهود التي يبذلها أولئك من أمثال [قادة] «حماس» الذين سيسعون إلى تشويه الواقع والادعاء بأنه تمّ التخلي عن القدس – والذين يريدون بوضوح التحريض على العنف وتعزيز الاستقطاب. وقد يبدأ أيضاً بتغيير البيئة بطريقة تسمح لعباس ومفاوضيه، مثل صائب عريقات، بالتراجع عن بعض تصريحاتهم حول إنهاء عملية السلام والدور الأمريكي فيها.

ويُعتبر نقل هذه الرسالة مهماً ليس فقط لتجنب اندلاع أعمال عنف، بل أيضاً لضمان أن الخطة التي تعتزم إدارة ترامب عرضها على الإسرائيليين والفلسطينيين والدول العربية ليست باطلة من أساسها. كما أن السبب الذي دفع بالرؤساء السابقين بيل كلينتون وجورج دبليو بوش وباراك أوباما إلى توقيع مستندات إرجاء نقل السفارة الأمريكية إلى القدس لم يكن نابعاً من عدم تحلّيهم بالشجاعة بل لأنهم اعتقدوا أنه من شأن قرار مماثل أن يحرم الفلسطينيين والعرب من المجال السياسي الذي يحتاجون إليه لاتخاذ قرارات صارمة تتعلق بالسلام، مما يجعل تحقيقه أكثر صعوبة. وفي كلمته، أكّد الرئيس ترامب أنهم مخطئون. وإذا كان يريد أن يثبت أنه على حق، سيتعيّن عليه أولاً أن يوضح أنه لم يتمّ التنازل عن مصالحهم وحقوقهم – وأن يقدّم بعد ذلك خطة سلام موثوقة تشمل القدس.

التعليقات معطلة.