لطالما شكّل المشروع الإيراني في المنطقة جزءًا من السياسة الخارجية لطهران منذ عام 1979، حيث سعت الجمهورية الإسلامية إلى توسيع نفوذها عبر دعم حركات وفصائل مسلحة واستخدام أذرعها الإقليمية لبسط سيطرتها على عدد من الدول العربية، من خلال ما يُعرف بمحور “المقاومة”. ومع مرور السنوات، بدا أن هذا المشروع، الذي استند إلى الدين والطائفية، قد حقق تقدمًا كبيرًا في بعض المناطق. إلا أن التحولات الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى الأزمات الداخلية التي تضرب إيران، تشير إلى أن هذا المشروع بات يواجه نهايته الحتمية.
التحولات الإقليمية الجديدة
شهدت السنوات الأخيرة تحولًا جذريًا في المواقف الإقليمية تجاه إيران ونفوذها. كان للعقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، ولا سيما تلك المتعلقة ببرنامجها النووي، أثر كبير في إضعاف قدراتها المالية على دعم حلفائها في سوريا، لبنان، العراق، واليمن. إضافة إلى ذلك، بدأت العديد من الدول العربية، وخصوصًا دول الخليج، في بناء تحالفات استراتيجية مع إسرائيل تحت إطار “اتفاقيات أبراهام”، مما أدى إلى عزل إيران إقليميًا وتكثيف الضغط عليها.
هذه التحالفات العربية الإسرائيلية لم تأتِ فقط لمواجهة إيران عسكريًا، بل استهدفت أيضًا الحد من نفوذها السياسي والاقتصادي في المنطقة. فقد بدأت الدول العربية تدرك أن إيران لا تسعى إلا لتوسيع نفوذها على حساب استقرار وأمن هذه الدول. من هنا، جاءت مساعي تلك الدول لمحاصرة النفوذ الإيراني والبحث عن حلول دبلوماسية للتخلص من تأثيراته السلبية.
فشل استراتيجية “محور المقاومة”
استند المشروع الإيراني على استراتيجية “محور المقاومة”، الذي دعم من خلاله حركات مثل حزب الله في لبنان، والفصائل المسلحة في العراق، والمتمردين الحوثيين في اليمن. في البداية، بدا أن هذا المشروع يحقق نجاحات كبيرة، حيث تمكنت إيران من بسط نفوذها في عدة دول عربية، مستغلةً الفوضى التي أعقبت الربيع العربي.
إلا أن الوضع تغير مع مرور الوقت. ففي لبنان، يعاني حزب الله من أزمة شرعية داخلية، حيث بدأ اللبنانيون يتململون من دور الحزب الذي أصبح دولة داخل دولة. في العراق، تواجه الفصائل المسلحة المدعومة من إيران سخطًا شعبيًا كبيرًا بسبب دورها في تأجيج الصراعات الطائفية وعرقلة بناء الدولة. أما في اليمن، فقد أصبح الحوثيون محاصرين سياسيًا وعسكريًا مع استمرار التحالف العربي في الضغط عليهم.
الانهيار الداخلي في إيران
إلى جانب التحديات الإقليمية، تواجه إيران أزمة داخلية خانقة. الاقتصاد الإيراني يعاني من التضخم، البطالة، وتراجع قيمة العملة، مما أدى إلى احتجاجات واسعة في مختلف المدن الإيرانية. الشعب الإيراني بات يعبر عن استيائه من السياسات الخارجية التي تستنزف موارد البلاد على حساب تحسين الأوضاع المعيشية في الداخل.
أضف إلى ذلك أن النظام الإيراني يواجه أزمات شرعية حادة بعد الانتخابات المثيرة للجدل والقمع العنيف للاحتجاجات الشعبية. الشباب الإيراني الذي نشأ في ظل الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، أصبح ينظر بعين الريبة إلى النظام الحاكم ويرفض مغامراته الإقليمية التي لم تجلب سوى العزلة والفقر.
الضغوط الدولية وتغير المعادلة
المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة وأوروبا، يدرك أن المشروع الإيراني في المنطقة لم يعد يشكل تهديدًا تقليديًا فحسب، بل أصبح عائقًا أمام أي تسوية سياسية شاملة. مع استمرار البرنامج النووي الإيراني في إثارة قلق المجتمع الدولي، بدأت القوى الكبرى تتعامل مع طهران بسياسة العصا والجزرة، ما بين فرض العقوبات ومحاولات إحياء الاتفاق النووي.
لكن العقوبات الاقتصادية، إلى جانب تصاعد العمليات العسكرية ضد مواقع إيرانية في سوريا والعراق، أظهرت أن إيران تواجه موقفًا صعبًا لم تعد معه قادرة على التوسع أكثر في المنطقة، بل باتت تسعى للحفاظ على مكتسباتها السابقة وسط تراجع نفوذها.
هل نحن أمام نهاية المشروع الإيراني؟
في ضوء التحولات الحالية، يبدو أن المشروع الإيراني في المنطقة بات على أعتاب نهايته. التحديات الداخلية المتزايدة، الضغوط الإقليمية والدولية، وانحسار نفوذ حلفائها، كلها عوامل تشير إلى أن إيران لم تعد قادرة على لعب الدور الذي كانت تطمح إليه.
النظام الإيراني الذي سعى لتصدير “الثورة” والسيطرة على العواصم العربية، يواجه اليوم عاصفة من الأزمات قد تنهي مشروعه الإمبراطوري الذي بُني على أسس هشة من الطائفية والتدخلات الخارجية.
لكن يبقى السؤال: هل ستتمكن إيران من إعادة تقييم سياساتها الخارجية والداخلية للتكيف مع المعطيات الجديدة، أم أنها ستستمر في طريق التصعيد الذي قد يقودها إلى مزيد من العزلة والانهيار؟
ما هو مؤكد أن النهاية الحتمية للمشروع الإيراني قد بدأت تلوح في الأفق، وأن المنطقة ستشهد تغييرات جذرية تضع حدًا لنفوذ طهران المتراج
حوع.