بدت النهاية كأنها مقتطعة من الحلقة الأخيرة في أحد مسلسلات رمضان الدرامية، عندما يدرك المخرج فجأة أن أمامه دقائق معدودة لإنهاء كل الخطوط الدرامية، فتتراكم المفاجآت، تتقاطع النهايات، ويأتي الختام بجرعة مفرطة من الإثارة.
هذا هو حال المشهد السياسي والعسكري في الشرق الأوسط مع إعلان وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، بعد 12 يوماً من تبادل الضربات غير المسبوقة.
لكن، كما في الدراما، فإن ما يبدو خاتمة ليس بالضرورة نهاية. فبين سطور الاتفاق، وتوقيت الرشقات، وطبيعة الوساطات، تتكشف رواية أعقد بكثير من مجرد «هدنة».
تسارعت التحركات السياسية والدبلوماسية بعد ضربة إيرانية استهدفت قاعدة «العديد» الأمريكية في قطر، حيث سارعت طهران إلى إرسال رسالة إلى البيت الأبيض تؤكد أنها لا تعتزم التصعيد، وأن الهجوم يأتي في سياق «الدفاع المشروع عن النفس» بعد الغارات الأمريكية على أراضيها.
الرد الأمريكي جاء بحذر. لم تُسجل إصابات بين الجنود الأمريكيين أو القطريين، وهو ما دفع ترامب للإشادة علناً بـ«مسؤولية إيران»، قائلاً إنها أبلغت مسبقاً بالهجوم، ما سمح بتجنب خسائر بشرية.
وبحسب موقع «أكسيوس»، فقد بدأ بعدها تحرك ثلاثي: واشنطن تتواصل مع إسرائيل، وقطر تتواصل مع طهران، لتقريب وجهات النظر نحو وقف إطلاق النار.
ترامب، الذي وجد نفسه أمام مشروع قانون في الكونغرس يطالبه بسحب القوات من أي حرب مع إيران، أسرع في التوصل إلى اتفاق هدنة، استباقاً لموجة رفض داخلية قد تُقيّده في تحركاته العسكرية والدبلوماسية. فالنائب الديمقراطي، غريغ ميكس، كان قد تقدم بمشروع قانون يُلزم الإدارة بالانسحاب من العمليات ضد طهران، في حين ربط النائب الجمهوري، توماس ماسي، سحب المشروع بنجاح الهدنة.
لم تخلُ الساعات الأخيرة قبل وقف إطلاق النار من مشاهد دامية وتطورات حرجة. ففي بئر السبع، دمر صاروخ إيراني ضخم مبنى مكوناً من ثلاثة أجزاء، ما أسفر عن مقتل ثلاثة على الأقل، وسط تقارير عن وجود عالقين تحت الأنقاض. اللافت أن الرشقة الإيرانية جاءت بعد إعلان إسرائيل التوقف، ما دفع نتانياهو للتفكير بسحب بيان وقف إطلاق النار قبل أن يتراجع.
وكانت إيران قد أطلقت عدة رشقات حتى بعد إعلان وقف الحرب، آخرها جاءت بعد 16 دقيقة من دخول الاتفاق حيز التنفيذ، الأمر الذي فُسّر على أنه إما تأخير في التعميم الميداني أو استمرار لضربات انطلقت قبل التوقيت.
من جهة أخرى، اغتالت إسرائيل فجر اليوم الأخير من الحرب العالِم النووي الإيراني محمد رضا صديقي، في إشارة إلى أنها ستستمر في استهداف البرنامج النووي حتى بعد وقف القتال، وهو ما يعنى أن الحرب الباردة بين الطرفين مستمرة، ولو بوسائل غير تقليدية.

