نهر السند: هل يكون عنواناً للحرب بين باكستان والهند أم هناك ما هو أعمق؟

4

 

 

في قلب جنوب آسيا، حيث تلتقي الجغرافيا بالتاريخ وتتشابك السياسة بالمقدّس، ينساب نهر السند، شريان الحياة لباكستان ورافدًا استراتيجيًا للهند، حاملاً في مياهه ما هو أكثر من مجرد ماء: يحمل توتراً تاريخياً، وصراعاً سيادياً، ومخاوف وجودية.

مياه تحت الجسر… أم فوق صفيحٍ ساخن؟

نهر السند، الذي ينبع من التيبت ويمر عبر كشمير قبل أن يصل إلى باكستان، لم يكن يوماً مجرّد نهر في الجغرافيا، بل تحوّل إلى جزء من المعادلة السياسية بين الجارتين النوويتين. منذ اتفاقية مياه السند عام 1960، والتي رعتها جهات دولية وعلى رأسها البنك الدولي، وُضعت ضوابط لتقاسم مياه النهر. غير أن المتغيرات السياسية، والنزاع المزمن على إقليم كشمير، جعلا من هذا الاتفاق هشًّا، سهل الانتهاك.

الهند، باعتبارها دولة المنبع، تسعى منذ سنوات إلى الاستفادة القصوى من حصتها المائية، بل وتهدد أحياناً بإعادة النظر في الاتفاق، وهو ما تعتبره باكستان “إعلان حرب غير مباشر”. فبالنسبة لإسلام آباد، نهر السند ليس مجرد مصدر ريّ، بل هو شريان حياة يروي أراضيها الزراعية ويغذي أمنها الغذائي. أي تهديد لهذا المصدر قد يُفهم كتهديد وجودي.

أبعد من المياه… الصراع الحقيقي في العمق

لكن، هل فعلاً الصراع يدور حول المياه فقط؟ أم أن نهر السند بات واجهةً لقضايا أعمق؟ الحقيقة أن ما يجري يعكس صراع هوية وسيادة ونفوذ إقليمي متصاعد. الهند تسعى لتعزيز مكانتها كقوة صاعدة عالمياً، بينما تحاول باكستان، المثقلة بالتحديات الداخلية، الحفاظ على توازن الردع مع جارها الأكبر.

النهر، في هذه المعادلة، يتحول إلى ورقة ضغط استراتيجية. فالهند تعلم جيداً أن التلاعب بتدفق المياه قد يشكل وسيلة ضغط غير دموية لكنها فعالة. في المقابل، ترى باكستان في ذلك استفزازاً قد يدفعها لاستخدام أوراق أكثر حساسية، ربما تشمل التصعيد في كشمير أو حتى استدعاء التحالفات الدولية.

الرهانات الدولية والقلق الإقليمي

المجتمع الدولي يدرك خطورة الانزلاق نحو مواجهة مفتوحة بين دولتين نوويتين، لذا تُبذل جهود دبلوماسية لإبقاء الملف ضمن الإطار الفني والبيئي. لكن المشكلة أن السياسة، حين تتغلغل في تفاصيل البيئة، تفرغ الاتفاقات من مضمونها وتحولها إلى أدوات مساومة.

 

 نهر السند… اختبار للمستقبل

قد لا يكون نهر السند سبباً مباشراً لحرب شاملة، لكنه بالتأكيد مؤشر على ما هو أعمق: فشل النظام الإقليمي في إدارة النزاعات القديمة، وتصاعد الخطاب القومي، واستمرار توتر العلاقات في إقليم حيوي تتقاطع فيه مصالح القوى الكبرى.

إن لم يُعالج الملف المائي برؤية شاملة تراعي العدالة والاستقرار، فقد تتحول مياهه من نعمة إلى نقمة، ويصبح النهر مرآةً لحرب باردة جديدة في قلب آسيا، وربما لما هو أخطر .

التعليقات معطلة.