توشك الدول الأوروبية على الدخول في أزمة طاقة خانقة، بعد قرار شركة الغاز الروسية “غازبروم” أمس الجمعة، وقف تدفق الغاز عبر خط “نورد ستريم 1” الذي يمر عبر بحر البلطيق ويغذي ألمانيا ودول أخرى بمعظم احتياجاتها من الغاز إلى أجل غير مسمى. وجاء القرار الروسي رداً على خطة أوروبية للحد من السعر العالمي للنفط الروسي.
وفي نهاية شهر أغسطس (آب) الماضي، بدأت روسيا عملية صيانة واسعة لخط نورد ستريم 1 أدت إلى توقف تدفق الغاز، بشكل مؤقت. وكان من المقرر استئناف التدفق اليوم السبت، لكن القرار الأوروبي حال دون إتمام العملية. وأعلنت موسكو لاحقاً تعليق العمل في الخط إلى أجل غير مسمى، ما أثار قلقاً واسعاً في الدول الأوروبية التي بدأت بالبحث عن بدائل ممكنة قبيل فصل الشتاء.
تبادل اتهامات
القرار الروسي بوقف تدفق الغاز عبر نورد ستريم 1 له أسباب عديدة. أبرزها العقوبات الغربية، التي أثرت بشكل كبير على عمليات صيانة أنابيب الغاز الروسية، بسبب نقص المواد اللازمة، وألقت موسكو باللوم على تلك العقوبات الغربية التي أتت رداً على غز أوكرانيا في عرقلة العمليات الروتينية وصيانة نورد ستريم 1.
لا تقتنع بروكسل بالادعاء الروسي، وتقول إن هذه ذريعة وإن روسيا تستخدم الغاز سلاحاً اقتصادياً للرد على مسألة تحديد سقف سعري لنفطها وكذلك العقوبات التي يفرضها الغرب عليها. وطالب الاتحاد الأوروبي روسيا بالالتزام بعقود الطاقة المبرمة بين الطرفين.
لكن يكمن السبب الحقيقي في وقف تدفق الغاز الروسي إلى أوروبا، بمشروع وزراء مالية مجموعة الديمقراطيات السبع الثرية (بريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والولايات المتحدة) تحديد سقف لأسعار النفط الروسي في اجتماع عقد أمس، يهدف إلى “تقليل… قدرة روسيا على تمويل حربها العدوانية مع الحد من تأثير الحرب الروسية على أسعار الطاقة العالمية” التي ارتفعت بشدة.
ومن وجهة نظر أوروبية، فإن تحديد سقف سعر للغاز الروسي، سيؤثر على مداخيل روسيا الهائلة من ارتفاع أسعار الطاقة وبالتالي فرض ضغط عالمي عليها يجبرها على وقف حربها في أوكرانيا. أيضاً تطمح دول الاتحاد الأوروبي لإيجاد بدائل واقعية تعوضها عن النفط والغاز الروسيين، لكن حلاً كهذا يحتاج وقتاً طويلاً حتى تتمكن الدول الأوروبية من الاستغناء عن موسكو التي تزود تلك الدول بـ40% من مصادر طاقتها.
فوراً، بعد ذلك الاجتماع، خرج نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي دميتري ميدفيديف، بتصريح ناري، قال فيه: “لن يكون هناك غاز روسي في أوروبا” رداً على تعهد مجموعة الدول الصناعية السبع، بفرض سقف لسعر النفط الروسي.
يعتبر الكرملين، أن محاولة تحديد سقف لسعر النفط الروسي ستؤدي إلى توتر كبير في سوق الطاقة العالمية، مهدداً بوقف بيع الطاقة إلى كل الدول التي تلتزم بتحديد سقف لأسعار النفط الروسي.
انتحار
أصبحت أوروبا بمثابة من يطق النار على قدميه، وعادت محاولة الاتحاد لوضع سقف لسعر الغاز الروسي بأثر عكسي. فأي وقف لتدفق الغاز الروسي يدفع القارة الأوروبية خطوة إضافية نحو شتاء بارد ومظلم، وبالتالي ركود رهيب قد تعيشه تلك المنطقة، وفقاً لتقرير نشرته وكالة بلومبيرغ.
باتت ألمانيا، تواجه أزمة طاقة خانقة، في أعقاب إعلان شركة غازبروم عدم استئناف توريد الغاز عبر خط أنابيب “نورد ستريم 1”. وشددت الوكالة الألمانية الاتحادية للشبكات على ضرورة الإجراءات الاحترازية الألمانية لمواجهة الأزمة.
وغرد رئيس الوكالة، كلاوس مولر، عبر تويتر مساء أمس الجمعة: “في ضوء القرار الروسي بعدم السماح بتدفق أي غاز عبر نورد ستريم 1 في الوقت الحالي، أصبحت محطات الغاز الطبيعي المسال ومستويات التخزين ذات الصلة والحاجة إلى تحقيق وفورات كبيرة أكثر أهمية… من الجيد أن تكون ألمانيا الآن أفضل استعدادا، لكن الأمر يعتمد الآن على الجميع”.
وبحسب تقرير نشرته وكالة بلومبيرغ أمس الجمعة، فإن ارتفاع أسعار الطاقة في أوروبا بسبب وقف تدفق النفط الروسي، قد يتسبب في إغلاق 60% من الشركات والمصانع في بريطانيا.
وبحسب الجمعية البريطانية للمصنعين، فإن فواتير الطاقة المرتفعة قد تؤدي إلى إغلاق 6 من أصل كل 10 مصانع في البلاد، وفقاً لدراسة أجرتها الجمعية. ويلاحظ أن حوالي نصف المؤسسات شهدت زيادة في فواتير الكهرباء بأكثر من 100% خلال العام الماضي.
وأعلنت هيئة تنظيم الطاقة البريطانية في وقت سابق، عن زيادة بنسبة 80% في الحد الأقصى المسموح به لفاتورة الكهرباء اعتباراً من 1 أكتوبر (تشرين الأول) بسبب ارتفاع أسعار الطاقة العالمية. وبالتالي، يمكن أن يزيد الحد الأقصى لحجم الحساب بمقدار 1578 جنيهاً إلى مستوى 3549 جنيهًا. كان الحد الأدنى السابق لسعر الطاقة 1971 جنيهاً.
بدائل ممكنة
تسعى الدول الأوروبية للخروج من إطار الهيمنة الروسية، واستبدال غاز موسكو ببدائل أخرى موثوقة، ومن الحلول المطروحة على طاولة المباحثات في بروكسل، بدء ألمانيا باستيراد الغاز من بريطانيا والدنمرك والنرويج وهولندا عبر خطوط أنابيب.
أيضاً، أن تعمل النرويج، ثاني أكبر مورد للغاز في أوروبا بعد روسيا، على زيادة الإنتاج لمساعدة الاتحاد الأوروبي في تحقيق هدفه المتمثل في إنهاء الاعتماد على الوقود الأحفوري الروسي بحلول عام 2027.
وكذلك تبحث الدول الأوروبية، استقبال الغاز الأذربيجاني عبر خط الأنابيب العابر للبحر الأدرياتيكي إلى إيطاليا وخط أنابيب الغاز الطبيعي عبر تركيا.
أيضاً استقدام الغاز من الولايات المتحدة، التي قالت في وقت سابق إنها تستطيع توريد 15 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال إلى الاتحاد الأوروبي هذا العام.
ومن البدائل الأخرى المطروحة البدء باستخدام الطاقة النووية، والطاقة المتجددة، والطاقة الكهرومائية، والفحم لسد العجز الحاصل جراء القرار الروسي.