هدير الساموني
تساءلت صحيفة «نيويورك تايمز» في افتتاحيتها أمس الجمعة ما إذا حان انتهاء زمن أردوغان في تركيا، وأضافت أن الأتراك يسافرون من حول العالم عائدين لوطنهم للمشاركة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المرتقبة بعد ساعات.
ووصفت الافتتاحية أن هذه تبدو خطوة لا فائدة منها إذ إن الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي جاء للسلطة في 2003، قد تخلف منذ وقت طويل عن جهود لبناء نموذج للديمقراطية الإسلامية، وحل مكانها حكومة سلطوية يحركها فرد مع مجموعة من المحافظين والمتدينين بشكل متزايد.
ولكن لأن الانتخابات المرتقبة ستحيل المزيد من الصلاحيات والسلطة للرئيس، فبالتالي أصبح هناك دفعة قوية لصالح التصويت. فبينما أردوغان يملك اليد العليا، لكنه يواجه –بحسب المحللين- أكثر المنافسات جدية على الإطلاق، ما جعله يبدو خائفًا. واعتبرت الصحيفة أن تلك علامة جيدة بغض النظر عن الفائز.
إن الضعف والخطر من استمرار حكم أردوغان أصبح واضحًا أكثر، لا سيما مع تضاؤل الطفرة الاقتصادية والتطور الذي أكسباه دعمًا واسعًا. وتضيف الصحيفة: «إنه عزز الفساد وعرقل حكم القانون وأبعد الولايات المتحدة وحلفاء الناتو الآخرين في حين تقارب أكثر من روسيا وإيران. إن الاستثمارات الأجنبية القادمة للبلاد منخفضة، في حين يتدفق رأس المال التركي للخارج، سعيًا وراء عائدات أفضل في أماكن أخرى بها بيئة سياسية أكثر استقرارًا».
فيديو يظهر فيه المرشح الرئاسي التركي محرم إينجه يخطب في مؤيديه أمس الجمعة
إن حقيقة أن الانتخابات التي كان من المفترض انعقادها في 2019 تم تقديم موعدها 18 شهرًا كاملًا، تشير إلى إحساس أردوغان بالضعف بالإضافة إلى عزمه على البقاء في السلطة. وتقول الصحيفة أن إردوغان قد هزه عدد من الأحداث أهمها خسارة حزبه «العدالة والتنمية» في الانتخابات البرلمانية في 2015، ثم الانقلاب الفاشل في 2016 وأخيرًا اتهامات الفساد التي طالته وعائلته.
أما الآن –تستدرك الصحيفة- فإنه مع الورطة التي وقع فيها الاقتصاد التركي وانخفاض قيمة الليرة، وحتى انخفاض التأييد بين أفراد قاعدته الانتخابية بما فيهم ناخبي المناطق الحضرية والطبقة المتوسطة والشباب، فإن أردوغان يأمل في تأمين فترة رئاسية أخرى قبل أن تسوء الظروف أكثر من ذلك وبالتالي تضعف شعبيته أكثر. إن معظم استطلاعات الرأي المحلية في تركيا أظهرت نسبة تأييد لأردوغان لا تزيد عن 51%.
تقول الافتتاحية إن أردوغان الذي بنى مؤخرًا قصرًا ضخمًا باذخًا ومسجدًا عملاقًا؛ لديه الكثير يمكن أن يخسره. إن الانتخابات من شأنها تعزيز الاستيلاء على السلطة الذي بدأه بالفعل من خلال التعديلات الدستورية التي تمت الموافقة عليها بصعوبة السنة الماضية في استفتاء شعبي. وبموجب هذه التغييرات؛ فإن مجلس الوزراء الذي كل أعضائه منتخبين من البرلمان سيتم استبداله بنواب ومستشارين معينين من قبل الرئيس. أعرب كثيرون عن خوفهم أن تلك التعديلات تجعل من البرلمان المقبل «ختمًا مطاطيًا» (في إشارة إلى تحجيم سلطاته) خصوصًا إذا ما أعيد انتخاب أردوغان واحتفظ حزبه بالأغلبية.
فبالنظر إلى سلطاته الواسعة، فإن أردوغان يجب أن يضمن الفوز. وخلال ثلاث فترات شغل خلالها منصب رئيس الوزراء وفترة واحدة رئيسًا للبلاد؛ فإنه استخدم القوة والفساد والمنح الحكومية والخطابات القومية الرنانة لإحكام سيطرته على البرلمان والجيش والقضاء والإعلام.
من ناحيته –تضيف الصحيفة- فإن الإعلام التركي مملوك في أغلبيته الكاسحة للمقربين من أردوغان، ولم تعر هذه الوسائل الإعلامية اهتمامًا كبيرًا لمنافسيه في الحملة الانتخابية. وتضيف: «وفي محاولة أردوغان البائسة لسحق المعارضة تم احتجاز أكثر من 120 صحافيًّا، وتم إغلاق أكثر من 180 وسيلة إعلامية. ومنذ محاولة الانقلاب الفاشلة تم القبض على ما يقرب من 50 ألف تركي من بينهم ضباط بالجيش ومعلّمون ومعارضون سياسيون، بينما تم تسريح 110 ألف آخرين من وظائفهم الحكومية، حدث ذلك في ظل استمرار حالة الطوارئ التي فرضت وقت الانقلاب العسكري».
تشير الافتتاحية إلى القاعدة الجوية الكبيرة التي تديرها تركيا في منطقة إنجرليك، حيث تتمركز أسلحة نووية تكتيكية تحت السيطرة الأمريكية. ومع ذلك فإن أردوغان يغذي المشاعر القومية عن طريق «توبيخ» الولايات المتحدة، ومهاجمة الانفصاليين الأكراد في شمال شرق البلاد وحلفائهم في سوريا والعراق.
لكن أيًا من ذلك جعل أردوغان يشعر بالأمان، لذلك اتخذ خطوات أخرى: فقد شكل تحالفًا مع حزب «الحركة القومية» اليميني المتطرف –بحسب الصحيفة- كما هدد نزاهة الانتخابات عن طريق ترك مسؤولين في الحكومة يتحكمون في مراكز الاقتراع، واحتساب الأصوات التي لا يوجد عليها دمغة رسمية، وحتى إعادة توزيع أماكن مراكز الاقتراع.
تعود الصحيفة وتقول إن قلق أردوغان في محله. إذ إن المرشحين الخمسة المتنافسين ضده، اثنان منهم –محرم إينجه مرشح وسط اليسار عن حزب الشعب الجمهوري وميرال أكشينار القومية المحافظة وحزبها الجديد «حزب الخير»- يخوضان الانتخابات في تحالف واحد، ما يزيد من حماسة السباق ويقدم تحديًا جديًا. إن كليهما تعهدا بعودة النظام البرلماني وفصل مختلف للسلطات وعلاقات أفضل مع حلفاء تركيا. كما أن إينجه وعد بالمزيد من استقلالية القضاء، وحريات فردية أكبر بالإضافة إلى إنهاء الإنفاق الحكومي المفرط.
وبحسب المحللين، فإن إينجه لديه الفرصة الأفضل في إجبار أردوغان على جولة انتخابية ثانية من شخصين تجرى في يوليو (تموز) المقبل، كما أن المعارضة الموحدة يمكنها أن تفوز بأغلبية البرلمان.
تضيف الافتتاحية أن ذلك سيتطلب عرضًا جيدًا من قبل الحزب الكردي، الذي يقود زعيمه ذي الكاريزما صلاح الدين دميرتاش حملته الانتخابية من السجن بعد أن حبسه أردوغان على خلفية اتهامات سياسية لمحاولة خفض عدد المشاركين في التصويت.
خطاب ترشح صلاح الدين دميرتاش للرئاسة من السجن
إنه من المتوقع أن يفعل أردوغان كل ما هو ضروري للبقاء في السلطة. لكن القيام بذلك من شأنه أن يغذي رد فعل شعبي، وبالتالي خلخلة الاستقرار الاقتصادي والسياسي.
تقول الصحيفة في ختام افتتاحيتها: «ما لا يجب أن يضيع عن الأذهان هو أن المعارضة التركية لديها فرصة غدًا، وهو الشيء الذي لم يكن محتملًا قبل عام واحد. وبالرغم من المحاولات المضنية التي قام بها أردوغان؛ إلا أنه لم ينجح في القضاء على المنافسة السياسية. إن شعلة الديمقراطية لم تنطفئ بعد، في واحدة من أكثر دول الناتو استراتيجية، في مواجهة موجة القومية العالمية».