يحاول الرئيس الصيني شي جين بينغ، منذ توليه حكم البلاد، غرس روح الثقة في شعبه، إذ يركز على فكرة أن بكين تعمل بشكل جيد للغاية مقارنة بـ”الغرب الفوضوي”، وعمل على تعزيز هذا المنطق بين جيل الشباب خصوصاً، في الوقت الذي بدت فيه الولايات المتحدة ودول غربية أخرى غارقة في أزمة وباء كورونا، والتوترات العرقية ومشاكل أخرى.
المحللة والكاتبة لي يوان، أشارت في تقرير مطول على صحيفة “نيويورك تايمز”، إلى أن فلسفة بينغ السياسية المميزة التي تسمى بـ”عقيدة الثقة”، قد تولد نوعاً من الغرور الزائد أو الثقة المفرطة ما ينعكس سلباً عليها، ويشكل نقطة ضعف تضعها في ورطة أمام الولايات المتحدة وغيرها من الدول.
الصينيون المعتدلون
وأشارت يوان إلى أن الشعب الصيني – وليس الحكومة – لديه كل الأسباب للشعور بالفخر والثقة في إنجازاته على مدى العقود الأربعة الماضية، إذ انتشلوا أنفسهم من الفقر وأنشأوا بعضاً من أنجح الشركات على وجه الأرض، وجعلوا بلدهم عملاقاً صناعياً وأكبر سوق استهلاكي للسيارات والهواتف الذكية والعديد من العلامات التجارية الفاخرة، كما قاموا ببناء ناطحات سحاب ومترو أنفاق وطرق سريعة وسكك حديدية عالية السرعة، وهي من أفضل السكك الحديدية في العالم.
من ناحية أخرى، بدت الولايات المتحدة متورطة في العديد من مشاكلها المحلية وغالباً ما تكون مشلولة للغاية بحيث لا يمكنها حل قضاياها. تحدثت يوان عن الصينيين الذين عادوا من رحلاتهم إلى الولايات المتحدة، قبل الوباء، وكانوا منزعجين، إذ رفض بعضهم أخذ نظام مترو أنفاق نيويورك، قائلين إنه قذر وخدماته لا تعمل، وبعضهم شعر بالفزع من نقص وسائل النقل العام في لوس أنجلوس وظروف الطرق السريعة السيئة في وادي السيليكون. لم يفهموا سبب ابتلاء سان فرانسيسكو الثرية بالتشرد والمشردين، وتحدثوا عن عنف السلاح وفشل القوانين في السيطرة عليه.
عقيدة بينغ
ووفقاً ليوان، معظم هؤلاء الصينيين لم يكونوا قوميين، بل كانوا من النخب المتعلمة الذين نشأوا في الفقر، واستفادوا من انفتاح الصين ورأوا الولايات المتحدة على أنها مثالية، لكنهم أصيبوا بخيبة أمل. إلا أنه بالنسبة للعديد من الصينيين الآخرين، وخاصة الأصغر سناً، فإن فكرة الشرق الصاعد والغرب المتدهور هي حقيقة واقعية، حيث تمتلئ البرامج الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي بمثل هذه العقيدة (عقيدة بينغ)، وتقوم المدارس بتدريسها، بناءً على طلب الرئيس.
لفتت الكاتبة إلى ما قاله يان شويتونغ، أستاذ الدراسات الدولية في جامعة تسينغهوا ذات النزعة القومية، في مؤتمر بكين في يناير (كانون الثاني) الماضي، إن “طلاب الجامعات في الصين بحاجة إلى معرفة المزيد عن العالم، وإنهم غالباً ما يكون لديهم وجهة نظر ثنائية، معتقدين أن الصين فقط هي العادلة والبريئة بينما جميع الدول الأخرى، وخاصة الدول الغربية شريرة، وأن الغربيين ملزمون بكراهية الصين”.
نظريات المؤامرة
وأضاف البروفيسور “إنهم يلجئون للتمني في الشؤون الدولية، معتقدين أنه من السهل جداً على الصين تحقيق أهداف سياستها الخارجية، ويميلون أيضاً إلى تصديق نظريات المؤامرة والآراء الأخرى التي لا أساس لها الموجودة على الإنترنت”.
ولطالما حاولت الدعاية الصينية تسليط الضوء على إنجازات الصين وإخفاقات الغرب، فبحسب يوان، في 30 ديسمبر (كانون الأول) 1958، عندما كانت الصين تدخل مجاعة كبرى، ذكرت الصفحة الأولى من صحيفة الشعب اليومية أن البلاد كانت تنجح في الإنتاج الصناعي والزراعي. وفي قسم الأخبار الدولية، كانت القصص عن الدول الاشتراكية مثل فيتنام وكوريا الشمالية احتفالية، بينما كانت القصص عن الغرب الرأسمالي تدور حول مشاكلها الاقتصادية والسياسية.
تغير ذلك إلى درجة ما في التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث سمح الحزب الشيوعي الصيني ببعض التقارير الاستقصائية والانتقادات العامة عبر الإنترنت. لكن في عهد بينغ، ينضح كل شيء عن الصين “بالطاقة الإيجابية”، بما في ذلك التوقعات الاقتصادية، بينما يتم تصوير الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، بشكل متزايد على أنه شرير أو في حالة تدهور.
استهداف الولايات المتحدة
في العامين الماضيين، قارنت العديد من التقارير الإخبارية الحكومية والمقالات النظرية بين الحكم المنظم في الصين و “الغرب الفوضوي”، مستشهدة بـ “سوء تعامل الولايات المتحدة مع الوباء، واحتجاجاتها الواسعة النطاق ضد العنصرية والعديد من عمليات إطلاق النار الجماعية”.
واشتكى وانغ جيسي، أستاذ الدراسات الدولية في جامعة بكين وكبير الخبراء في العلاقات الأمريكية الصينية، في منتدى السلام في يوليو (تموز) من C.C.T.V التي كانت تنشر ببرنامجها الإخباري الرئيسي قصتين على الأقل عن الولايات المتحدة كل ليلة، وكان كلاهما سلبياً. وقال: “إنها إما تتعلق بإطلاق نار جماعي آخر على الولايات المتحدة، أو مثال آخر على التوترات العرقية أو تعاملها الفوضوي مع الوباء.. لماذا لا نتحدث عما يحدث في إفريقيا أو أمريكا اللاتينية ولا نتحدث عن الأشياء السيئة في الولايات المتحدة؟”.
ونوهت ليوان إلى مقابلة نشرتها مجلة أكاديمية مع وانغ في وقت سابق، حاول فيها تصحيح فكرة أن الولايات المتحدة في حالة تدهور، بل وجادلت بأنه في حين أن المكانة الدولية لأمريكا قد شهدت انخفاضاً نسبياً بين عامي 1995 و 2011، فقد ارتفعت حصتها من الإنتاج العالمي في العقد الذي تلا عام 2011. وقال إنه لا توجد أدلة كافية لاستنتاج أن الاقتصاد الأمريكي في حالة تدهور لا رجعة فيه، رغم أنه أقر بأن القوة الناعمة للولايات المتحدة قد تضاءلت.
واختتمت ليوان تقريرها بالقول إن “نفور الحزب الشيوعي من الحقيقة وهوسه بالسيطرة يأتي بنتائج عكسية”، لافتة إلى أن سياسة بينغ بشأن عدم وجود كورونا مثلاً، والتي تعتمد على الاختبارات الجماعية والإغلاق، تلحق أضراراً جسيمة بالاقتصاد الصيني. ولكن نظراً لعدم السماح بأي انتقاد، فإن البلاد تتماشى إلى حد كبير مع القيود الصارمة، بينما معظم العالم في طور العودة إلى طبيعته”.