«هآرتس»: خرافة ولي العهد الليبرالي.. ابن سلمان لم يكن أول الإصلاحيين!

1

مترجم عنKhashoggi and the Myth of the ‘Liberal’ Middle East Crown Princesللكاتب Anshel Pfeffer

نشرت صحيفة «هآرتس» تحليلًا للصحافي البريطاني أنشل فيفر ناقش فيه خرافة الحكام العرب الشباب الإصلاحيين، هذه الخرافة التي لطالما أقنعت السياسيين والصحافيين في الغرب، وما تزال. ويطرح فيفر تساؤلًا: أليس الجيل القادم من زعماء الشرق الأوسط قد تعلموا في الغرب وأصحاب توجه إصلاحي؟

تلك سردية شديدة الإغراء. شاب ذو توجه ليبرالي سليل نظام مستبد يعتلي العرش بأفكار مثيرة عن انفتاح المملكة التي على وشك أن يرث حكمها، لكنَّ المشكلة أنَّ الأمور لا تسير مطلقًا بهذه الطريقة؛ فالسلطة لا يكاد يتم التخلي عنها طواعية ودائمًا ما يقع الوريث في فخ السهولة الخادعة في إدارة شؤون الدولة دون الحاجة للتشاور أو اتباع إجراءات قانونية واجبة.

منذ نشر هذا التقرير مع تكشف المزيد من تفاصيل القتل الواضح لجمال خاشقجي وتقطيع أوصاله (ليس بالضرورة وفقًا لهذا الترتيب) في قنصلية المملكة العربية السعودية في إسطنبول، فإنَّ الوصف المذكور أعلاه يمكن أن ينطبق على ولي العهد محمد بن سلمان، الذي قيل إنَّ رجاله متورطون في مصرع الصحافي، لكنَّ هذا الوصف صالح أيضًا لوصف الثناء الذي حصل عليه شاب ثلاثيني آخر وصل إلى السلطة في الشرق الأوسط، سائرًا على نهج أبيه قبل أن يظهر ببطء شديد للغاية طبيعته الحقيقية.

الديكتاتور الذي لا يطيق رؤية الدماء
وقال فيفر: إنه عندما وصل الابن الأكبر لبيت الأسد إلى السلطة في دمشق بعمر الـ34، كان وصوله هذا منتظرًا بالشغف نفسه الذي كان ينتظر به وصول محمد بن سلمان، الأصغر منه بعام، إلى السلطة. كان بشار طبيبًا تلقى تعليمه في الغرب ودرس طب العيون في لندن، ويبدو أنه اختار طب العيون لأنه يكره منظر الدم. وكان بشار – وهذه نقطة مهمة – يستخدم الإنترنت. لم يكن بشار الأسد مجرد شاب صغير على الموضة، بل كانت له زوجة جميلة، احتفت بها مجلة «فوج» في مقابلة صحافية متدفقة بالعاطفة (اختفت هذه المحادثة من الإنترنت منذ ذلك الوقت) ووصفتها بأنها «وردة في الصحراء».

وبصرف النظر عن أنه لم يكن ثمة أي علامات ملموسة على أي تخفيف ذي معنى من القمع في سوريا تحت حكم الأسد الابن؛ فقد استمر وصف بشار في الصحافة الغربية بأنه «ذو توجه إصلاحي»، واستضافه قادة العالم، مصحوبًا بزوجته الفاتنة أسماء الأسد، لقرابة 11 عامًا، حتى أصبح من المحال تجاهل القمع الدموي للثورة السورية.

وحتى في ذلك الوقت، عندما كانت أكثر من ربع مليون جثة قد تراكمت في سوريا، حاول بعض الغربيين التماس الأعذار له. فحتى أواخر شهر ديسمبر (كانون الأول) 2015، كان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري يظن – في مقابلة صحافية مع مجلة «نيويوركر» – أنَّ بشار المسكين قد اضطرته أمه وأخوه إلى قمع المتظاهرين.

طغاة مستنيرون؟
وفي تقريره قال فيفر: إنَّ الأمل البائس للسياسيين والصحافيين الغربيين في أنَّ الدكتاتوريين القادمين بالوراثة سوف يكونون حكامًا أكثر استنارة من آبائهم لم يكن مستندًا إلى أية حقيقة أكثر من كون أولئك الورثة شبابًا، وأصحاب تعليم أفضل، ويستطيعون الدردشة بالإنجليزية. ليست هذه السردية مجرد نتاج للاستشراق. فقد كان ثمة أسباب ظاهرية جيدة للأمل في تحسن في ظل الملوك والرؤساء الذين كانت لديهم فكرة أفضل عن مزايا المجتمعات المنفتحة والأكثر حرية.

صحيح أنه لم يكن من المفروغ منه أنَّ قمع المنشقين تحت حكم محمد بن سلمان سوف يشتد بهذه السرعة. أو أنَّ قوات بشار الأسد، في سبع سنوات فحسب من الحرب الأهلية في سوريا، سوف تذبح عددًا من مواطني البلاد أكثر بكثير من العدد الذي قتله أبوه في ثلاثة عقود، لكن لم يكن ثمة سبب للاعتقاد أنَّ ذلك محال أيضًا. ذلك أنَّ طغاة الإبادة الجماعية بشر هم أيضًا. إنَّ حب ستالين لأفلام هوليوود والحمية النباتية لهتلر لم تحدا من نهمهما لسفك الدماء أكثر مما أدى هوس كيم جونغ أون بدوري كرة السلة الأمريكية إلى تحسين حياة شعبه المقهور.

لكن كما هو الحال مع كيم، فقد كان ثمة توقع أنَّ الجيل الجديد من أولياء العهد المستبدين الذين أمضوا بعض الوقت في الغرب سوف يمزجون – بطريقة ما – ما تعلموه من آبائهم بممارسات أكثر اعتدالًا. وبالتزامن مع وصول محمد بن سلمان إلى رتبة ولي العهد، الذي لم يصبح الحاكم النهائي بعد لكنه يتحكم في كل شيء دون اللقب، فإنَّ جيلاً من أولياء العهد قد وصلوا إلى الواجهة في الشرق الأوسط. أولياء العهد هؤلاء لم يشرعوا، بشكل عام، في عصر جديد من الديمقراطية النسبية حتى.

ويذكر الكاتب في تقريره أن معظم المنطقة حاليًا يحكمها أولياء عهد من أصحاب التعليم الأجنبي من أصحاب التوجه الغربي، لكنَّ ذلك لم يغير أسلوب حكمهم، كل ما حدث أنَّ العلاقات العامة قد تحسنت.

علاقات عامة ممتازة
وأضاف فيفر أنَّ محمد بن سلمان لم يخترع أي شيء بلطفه المبالغ فيه، والذي تبدد الآن. فقد سبقه في ذلك مثله العليا من جيرانه الخليجيين الذين ارتفعت مكانتهما مؤخرًا: محمد بن زايد، ولي عهد إمارة أبوظبي، والحاكم الفعلي للإمارات، ومنافسه تميم بن حمد، أمير قطر ذو الـ33عامًا. انخرط كلا الرجلين في شركات العلاقات العامة الخاصة بهما في الغرب مستخدمين ثروة بلادهما النفطية لبناء واجهة من المشروعات الثقافية والاقتصادية في شراكة مع أكثر المؤسسات وجاهة في الغرب. قبلت هذه المؤسسات الأكاديمية جميعها أموال الخليج على الرحب والسعة وغضت الطرف عن الغياب التام للديمقراطية والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان. ثم هناك – بالطبع – الاستثمارات الإماراتية والقطرية في أفضل أندية كرة القدم الأوروبية.

من حين لآخر كانت الحقيقة القاتمة تظهر من بين الشقوق. من أمثلة ذلك التقارير التي كشفت عن مئات الوفيات للعمال الآسيويين الكادحين في ظل ظروف غير إنسانية لبناء ملاعب وفنادق لكأس العالم الفخم الذي سوف تستضيفه قطر عام 2022. وبينما كان السعوديون هم من اجتذبوا أكثر الانتقادات لحربهم الدموية في اليمن، فإنَّ من النادر أن يذكر أنَّ الإمارات شريكتهم هناك. من ذلك التحقيق الذي نشره موقع «Buzzfeed» الأسبوع الجاري عن استئجار الإمارات مرتزقة أمريكيين للقتال في اليمن، لكن هذا التقرير استثناء للقاعدة. ذلك أنَّ محمد بن زايد وأمير قطر يعرفان، بشكل عام، كيفية الإبقاء على الجوانب غير السارة لنظاميهما سرًا. وما يزال محمد بن سلمان في حاجة لأن يتعلم منهما عدم تجاوز الحدود.

وفي مكان آخر نجح أولياء العهد في الأردن في الحفاظ على صورة جيدة في الغرب، دون إجراء إصلاحات مهمة؛ إذ أظهر الملك عبد الله أنه ليس أقل من والده، الملك حسين، إتقانًا لفن البقاء. ومع كل الحديث عن «عملية الدمقرطة» و«التطور الدستوري» في الأردن، فإنَّ عبد الله لم يتنازل عن أي من سلطاته في مملكته. فالبرلمان المنتخب صوري بشكل كبير، وإذا كانت قوات الأمن لم تقمع المظاهرات بالعنف، فإنَّ ذلك يعود جزئيًا لأنَّ المتظاهرين يعرفون حدودهم. فهم يتظاهرون ضد «الحكومة» لا الملك، ويعودون إلى بيوتهم بهدوء بعد بضع ساعات. وفي غضون ذلك، يجري تحضير حسين بن عبد الله – البالغ من العمر 24عامًا وولي العهد القادم – ويعرض باستمرار على رعاياه بجانب والده. ومؤخرًا نشر فيديو مليء بالإثارة لعبد الله وحسين في ملابس قتالية رائعة يقفزان من سيارة وهما يطلقان النار بسرعة من بنادق هجومية.

وقال التقرير: إنَّ ثمة ملكًا آخر شاب نسبيًا يقدم عرضًا جيدًا للـ«دمقرطة» ألا وهو محمد السادس ملك المغرب. إذ أعلن الملك، في السنوات الأولى بعد الربيع العربي عام 2011، عن «إصلاحات دستورية» تبعتها انتخابات فاز بها الإسلاميون، بل إنه حتى تكلم عن التشارك في السلطة، لكنه في الواقع لم يتنازل عن أكثر هذه السلطة. ولو كان لنا استنتاج شيء من المظاهرات العنيفة المستمرة في شوارع الدار البيضاء وآلاف المغادرين من خلال البحر أملًا في الوصول إلى أوروبا، فسوف يكون هذا الاستنتاج أنَّ القليل فحسب هو ما تغير في المغرب أيضًا، لكنَّ الملك ما يزال يحصل على الثناء لكونه إصلاحيًا.

وأضاف الكاتب في تقريره أنه حتى الدول غير الملكية في المنطقة لديها هي الأخرى سلالاتها الحاكمة المختلة. ربما يكون اللبناني سعد الحريري، ابن الشهيد رفيق الحريري، قد تجنب الاغتيال، وخرج في قطعة واحدة بخلاف خاشقجي بعد احتجازه في الرياض العام الماضي بأوامر من محمد بن سلمان، لكنه رئيس وزراء لبنان بالاسم فقط. فليس للحريري أي ائتلاف قائم منذ الانتخابات البرلمانية منذ خمسة شهور، وبلده يحكمها في الواقع الجيش اللبناني و«حزب الله»، ولكنَّ ذلك لم يمنع من وصفه لسنوات في وسائل الإعلام بأنه «مستقبل لبنان».

وبحسب الكاتب فإنه من المغري إلقاء اللوم على دونالد ترمب، وهو الآخر حاكم عنده ولية عهد: إيفانكا، وولي عهد: جاريد، لتصرفه كما لو كان «ذراعًا» لمحمد بن سلمان. فالسياسة الخارجية للإدارة قد استندت بالتأكيد على السعوديين بدرجة غير مسبوقة، لكنَّ أيًا من سابقيه، أو أي زعيم غربي آخر فيما يخص ذلك الأمر، لم يكونوا مختلفين عنه. فجميعهم اقتنعوا بخرافة ولي العهد المصلح وسوف تستمر هذه الخرافة. ذلك أنه لا أحد يمكنه مقاومة الشهادات المتوهجة عن أولئك الرجال الشباب أصحاب التوجه الغربي (طبعًا جميعهم رجال، دائمًا). ويمكنك المراهنة على أنه قريبًا جدًا سوف تكون هناك ضجة كبرى حول الأنيق بيرات البيرق، وزير المالية التركي البالغ من العمر 40 عامًا، والأمر الأكثر أهمية أنه صهر الرئيس رجب طيب أردوغان ووريثه بحسب جميع الدلائل. هل تعرف أنه حاصل على ماجستير إدارة الأعمال من جامعة أمريكية؟

واختتم الكاتب تقريره بالقول: لقد ذهب الأسد بعيدًا جدًا، سوف يجري تجنبه في المستقبل المنظور بسبب جرائم الحرب التي ارتكبها، على الرغم من أنه آمن في قصره بفضل إيران وروسيا. وسوف يتعين على محمد بن سلمان أخذ استراحة لبعض الوقت، بينما ينخرط الغرب في إدانة طقسية كاملة لقتل خاشقجي، لكنَّ أحدًا لن يعبث مع مملكة يمكنها غدًا أن تدفع أسعار النفط إلى 400 دولار للبرميل. خلال سنتين – أو ربما أقل من ذلك – سوف يعود ولي العهد، وسوف نقرأ مقالات جادة عن كيف أنه قد «نضج» وعرف حدوده. كل ما ينبغي له فعله أن ينتظر قليلًا ويتعلم من زملائه أنَّ كل ما أنت بحاجة إليه للحفاظ على خرافة المصلح أن تقمع رعاياك بطريقة أكثر كياسة.

ر

التعليقات معطلة.