– باريس
في مشهد إقليمي مُتقلّب، تبرز تركيا كلاعب أكثر جرأة في السنوات الأخيرة، مُستغلّة حالة الفراغ والتغييرات الجذرية في توازنات الشرق الأوسط، خاصة بعد سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، وقطع طريق طهران-بيروت بعد طرد الميليشيات الإيرانية من سوريا.
فيدان يلعب دوراً دبلوماسياً مُزدوجاً
ظلّ أردوغان
يقود هذه الاستراتيجية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الرجل الذي يُوصف في أنقرة بـِ “ظل أردوغان” و”مُهندس الملفات السرّية”، والذي يعتبره كثيرون الخليفة المُنتظر للرئيس رجب طيب أردوغان، وذلك على الرغم من أنّه لا يمتلك كاريزما رئيسه القيادية. كما أنّه يحرص في كل ظهور علني، على مدح الرئيس وإظهار ولائه التام له، دون التلميح إلى خططه المُستقبلية، وفق محللين سياسيين غربيين نقلاً عن مصادر في الحكومية التركية.
وتقول المراسلة الصحفية والمحللة السياسية الإسرائيلية سمدار بيري، إنّ فيدان، الذي أمضى سنوات طويلة في قيادة الاستخبارات التركية ويُخفي كل أسرار بلاده، يُعرف بمواقفه المُتشددة تجاه إسرائيل، بل ويستضيف قيادات حماس بشكل مُنتظم في أنقرة، وسط قطيعة واضحة مع تل أبيب. وهو يُعد عضواً مُخضرماً في حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم، لكنّه في الوقت الحالي، لا يتجاوز الحدود والصلاحيات المُحددة له.
خصم إسرائيل
وبحسب تقرير تحليلي نشرته أمس الأربعاء “يديعوت أحرونوت”، فإنّ هاكان فيدان هو الخصم الذي يُثير قلق تل أبيب اليوم أكثر من أردوغان نفسه الذي قد يُبدّل من مواقفه وتوجّهاته أحياناً بعكس وزير خارجيته، وفقاً لما ذكرته الصحيفة الإسرائيلية التي نقلت في المُقابل عن خبراء قولهم إنّ فرص تحسين العلاقات التركية الإسرائيلية سوف تفشل في كلّ الأحوال.
وترى أنّ أنقرة تسعى اليوم إلى لعب دور محوري في ملفات غزة وسوريا، مع مُحاولة إزاحة إيران من موقعها كقوة إقليمية مؤثرة. وفي دمشق تحديداً يُحاول فيدان منع أي تقارب بين النظام السوري الجديد وإسرائيل، مع التأكيد على أنّ تركيا هي الحليف الأول لسوريا الجديدة.
وفي ذات الوقت تتحرك تركيا لكبح أيّ تعاون بين الأكراد ودمشق، وتُحذّر بشكل دائم من أنّ إسرائيل تهدف إلى تقسيم سوريا إلى كيانات طائفية وعرقية.
إزاحة إيران
وتُحذّر “يديعوت أحرونوت” من أنّ فيدان، الذي ترأس جهاز الاستخبارات التركي لسنوات، انتقل إلى وزارة الخارجية وهو يحمل أجندة واضحة: مواجهة إسرائيل على كل الجبهات، وتوسيع نفوذ أنقرة في الساحات الحساسة، مع طموح مُعلن لإزاحة إيران من موقعها كقوة إقليمية مؤثرة.
وتقول إنّ فيدان يفتح مكتبه في العاصمة التركية، لقيادات حركة حماس، وعلى رأسهم خليل الحية، الذي يجد في تركيا “ملاذاً آمناً” بعيداً عن استهداف إسرائيل التي “لن تجرؤ على استهدافه في ظلّ حماية أردوغان”. وفي الوقت نفسه، يجوب فيدان العواصم العربية، فزار مؤخراً القاهرة للقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي، ثم دمشق للقاء الرئيس أحمد الشرع، الحليف الجديد لتركيا.
وترى سمدار بيري أنّ تركيا يبدو أنّها في نهاية المطاف ترسم لنفسها دوراً أكبر من مُجرّد لاعب إقليمي، فهي تتحرّك كقوة تسعى لإعادة صياغة التوازنات، ومسك خيوط الملفات الشائكة في منطقة الشرق الأوسط، مع عيون تُراقب إيران ومصالحها، وأخرى على إسرائيل وعلاقاتها المتوترة مع المنطقة.
منع التقارب السوري الإسرائيلي
وفي دمشق، ترى الصحيفة الإسرائيلية أنّ فيدان يلعب دوراً دبلوماسياً مُزدوجاً، كوزير خارجية وسياسي مُحنّك يعرف دهاليز العمل الاستخباراتي.
ويكمن هدفه الأساسي اليوم في منع أيّ تقارب بين النظام السوري الجديد والحكومة الإسرائيلية، وضمان أنّ أنقرة، وليس طهران، ستكون الحليف الإقليمي الأوّل لسوريا بعد التغييرات الأخيرة. كما يُركّز على كبح أيّ تعاون بين دمشق والأكراد، مُذكّراً القيادة السورية بعداء تركيا التاريخي لهم.
وتنقل عن مصادر مطلعة، قولها إنّ فيدان أوضح للرئيس السوري أنّ إسرائيل تسعى إلى تقسيم البلاد إلى كيانات عرقية وطائفية: سنية، كردية، ودرزية. كما طرح عليه عرضاً واضحاً: لا تقارب مع إسرائيل، وتركيا ستكون سندك الأول في مواجهة أيّ ضغط خارجي.
وتعهّد الشرع بدوره بعدم السماح لأيّ نشاط إسرائيلي على الأراضي السورية، سواء كان ذلك علناً أو سرّاً.
خبراء في الشأن التركي، مثل الدكتور هاي إيتان جانروزك، يرون أنّ الأجواء مشحونة وفرص استعادة العلاقات بين تركيا وإسرائيل شبه معدومة، سواء بقي أردوغان في السلطة أو تولى فيدان الرئاسة. وهو يصف فيدان بأنّه “عامل قلق لإسرائيل، خاصة فيما يتعلق باستعادة العلاقات”، فالمواقف التركية، وفق جانروزك، لن تتغير إلا إذا تراجعت إسرائيل أولاً وقدّمت مُبادرات إيجابية، وهو سيناريو لا يبدو واقعياً في ظلّ القيادة الحالية في تل أبيب.