هجرة الشباب العربي… تبدأ بالحلم وتنتهي بالكابوس

2

طرق غير شرعية وعبور حدود ومواجهة الموت هرباً من واقع مأزوم
منى عبد الفتاح
محمد الخطيب
أمينة خيري
طارق علي
حمادي معمري
طارق ديلواني
حسن الأشرف
بشير مصطفى
محمد لهوازي
مؤيد الطرفي
الولايات المتحدة والدول الأوروبية من أكثر الدول التي يحاول العرب الهجرة إليها (اندبندنت عربية)
ملخص
في هذا التحقيق المشترك، تبحث “اندبندنت عربية” في أسباب هجرة شبان عرب، وما ينتظرهم في البلد الجديد، في حال نجحوا في الوصول إليه، وما الطرق التي يستعملها الشباب للهرب من واقعهم.
إذا بحثنا جيداً في أسباب هجرة الشباب العربي من بلادهم نجد أنهم يهربون من واقع مرير، واقع لا يتغير أو يتطور، بل يزيد سوءاً مع مرور الوقت. أحلام لا تكتمل، وقصص نجاح تتأثر بظروف اقتصادية وسياسية، أو اعتقالات أو حتى، أو في أبسط الأمور انعدام الفرص.
التوتر الدائم الذي يعيشه عديد من الدول العربية، يدفع شبابها صوب الهجرة، والخيار الأول أوروبياً، ومن ثم الولايات المتحدة، للبحث عن كما يقولون عن الحلم الضائع. وغالباً ما يعتمد الشباب على طرق غير شرعية للهجرة، عبر عبور الحدود مثلاً خلسة، أو من خلال رحلة بالبحر، وفي كلتا الحالتين، الموت يتربص بهم.
ونسمع يومياً عن غرق قارب هجرة، أو اعتقال مجموعة من المهاجرين غير الشرعيين وإرسالهم مجدداً إلى بلادهم.
WhatsApp Image 2024-09-10 at 12.43.05 PM.jpeg
غالباً ما يعتمد الشباب على طرق غير شرعية للهجرة (اندبندنت عربية)
في هذا التحقيق المشترك، تبحث “اندبندنت عربية” في أسباب هجرة شبان عرب، وما ينتظرهم في البلد الجديد، في حال نجحوا في الوصول إليه، وما الطرق التي يستعملها الشباب للهرب من واقعهم.
السودان… أعداد متزايدة تهاجر عبر السنين
فرضت ظروف عدة سياسية واقتصادية واجتماعية على السودانيين مغادرة ديارهم، إذ بدأت موجات الهجرة منذ سبعينيات القرن الماضي إلى دول الخليج، واستمرت طوال العقود الماضية بعد اكتشاف وجهات جديدة.
وتنوعت دوافعها ما بين الهجرة الاختيارية لتحسين الأوضاع، وما بين الهرب من الحروب أو الاضطهاد أو عدم الاستقرار أو تغير المناخ والكوارث الطبيعية. وزادت حدة الهجرة في عهد الرئيس السابق عمر البشير، إذ عمل نظامه على تصفية الخدمة المدنية من موظفيها واستبدالهم بالمنتسبين لنظام “الإخوان المسلمين”.
السودان2.jpg
فرضت ظروف عدة سياسية واقتصادية واجتماعية على السودانيين مغادرة ديارهم​​​​​​​ (اندبندنت عربية – حسن حامد)
كما تأثرت نشاطات اقتصادية أخرى في مجالات الزراعة والتعدين والتجارة والأعمال الحرة. ولم يستثن قطاع التعليم، إذ واجه طلاب الجامعات والمعاهد العليا التضييق الذي فرضه عليهم جهاز الأمن والمخابرات عبر ذراعه “أمن الطلاب”، خصوصاً المنتمين لأحزاب سياسية أخرى غير التنظيم الإسلامي، فهاجرت أعداد كبيرة منهم إلى غرب وشرق أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا وغيرها.
تواصلت هجرة السودانيين واتخذت إضافة إلى الدوافع السابقة شكلاً إثنياً هذه المرة، بعد اندلاع الحرب في دارفور عام 2003، فهاجرت مجموعات عرقية كثيرة من غرب السودان. واستمر الحال حتى سقوط النظام السابق عام 2019، ليبدأ فصل جديد من الهجرة بعد اشتعال الحرب في الـ15 من أبريل (نيسان) 2023.
هجرة واسعة
شهدت دول الخليج العربي هجرة واسعة من السودانيين بعد الحرب، خصوصاً إلى السعودية حيث يستمر نظام الإقامات، وكذلك الزيارات العائلية التي تبعتها إجراءات ميسرة تتعلق بتجديدها من دون الحاجة إلى الخروج من المملكة كما كان يحدث سابقاً. كما وفرت دولة الإمارات إضافة إلى الإقامات العائلية والزيارات، إقامة الحروب والكوارث لأعداد كبيرة من السودانيين ضمن دول أخرى تواجه الظروف نفسها، وهي إقامة مستمرة وفق إجراءات ميسرة ومستمرة إلى انتهاء الحرب.
أما الهجرة إلى بقية دول الجوار فأعلنت منظمة الهجرة الدولية، في يوليو (تموز) الماضي، أن “مليونين و238 ألفاً و671 شخصاً عبروا إلى البلدان المجاورة بما في ذلك تشاد وجنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى ومصر وإثيوبيا، منذ بداية الحرب ضمن نحو 10 ملايين و594 ألفاً و576 شخصاً، بينهم 7 ملايين و794 ألفاً و480 شخصاً نزحوا داخلياً”، وصنفتها الأمم المتحدة بأنها أكبر أزمة نزوح في العالم.
السودان.jpg
شهدت دول الخليج العربي هجرة واسعة من السودانيين بعد الحرب (اندبندنت عربية – حسن حامد)
ووفقاً لمنظمة الإغاثة الدولية “تفتقر عدد من المخيمات التي يأوي إليها اللاجئون والنازحون إلى الموارد الأساسية للعدد المتزايد من السكان، ففي تشاد لا يملك عدد من اللاجئين السودانيين مصدراً موثوقاً للغذاء. وفي عام 2023 وحده استوعب أكثر من 1500 مريض بسبب سوء التغذية الحاد، جميعهم دون سن الخامسة، في برنامج التغذية التابع لمنظمة “أطباء بلا حدود” في مقاطعة سيلا بالقرب من الحدود السودانية – التشادية، إذ تدير منظمة أطباء بلا حدود مشروعاً للطوارئ. وفي داغيسا، تقدم عيادات “أطباء بلا حدود” المتنقلة الرعاية الصحية الأساسية للعائدين التشاديين، بما في ذلك فحص سوء التغذية”.
أكبر هجرة أطفال
قالت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، “يشكل الأطفال ما يقرب من 51 في المئة من الفارين من الحرب مما يجعل السودان واحدة من أكبر أزمات نزوح الأطفال في العالم. تمكنت البلدان من فحص وتسجيل نحو 44105 أطفال معرض للخطر”.
وأضافت المفوضية “يواجه الأطفال مجموعة واسعة من أخطار الحماية في كل مرحلة من مراحل لجوئهم ونزوحهم – قبل وأثناء وبعد هربهم. وتشمل هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الأطفال، وتقييد الوصول إلى الأمان، والانفصال عن الأسر، والعنف القائم على النوع الاجتماعي (وخصوصاً العنف الجنسي وزواج الأطفال)، والضائقة النفسية الاجتماعية، واحتجاز المهاجرين، والاتجار بهم، والوصول المحدود إلى خدمات حماية الطفل، بما في ذلك على طول الطريق إلى الأمان”.
وأفادت المفوضية “تكشف تقارير رصد وتقييم الحماية التي أجريت في تشاد وإثيوبيا وجنوب السودان عن حوادث متزايدة من الاتجار وتهريب الأطفال والمراهقين السودانيين، وبخاصة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 19 و27 سنة من الخرطوم وغرب ووسط دارفور، وكذلك ولايتي النيل الأزرق والأبيض. معظمهم في طريقهم إلى دول الخليج وأوروبا ووجهات أخرى”.
السودان1.jpg
نحو 56 في المئة من اللاجئين السودانيين هم دون سن 18 سنة (اندبندنت عربية – حسن حامد)
وأوردت “في جنوب السودان، نحو 56 في المئة من اللاجئين السودانيين هم دون سن 18 سنة، وفي أوغندا 43 في المئة من نحو 40 ألف شخص مسجل لدى الحكومة هم أطفال، منهم 37 في المئة من الأطفال المعرضين للخطر”.
معضلة التسجيل
وفي ما يتعلق بأوضاع اللاجئين في مصر، ذكرت مفوضية شؤون اللاجئين “منذ بداية الصراع في السودان وحتى يونيو (حزيران) الماضي، قدمت المفوضية في مصر مواعيد تسجيل لنحو 600 ألف شخصاً أجبروا على الفرار من السودان، منهم 300 ألف أي 50 في المئة تم تسجيلهم بالكامل، ويشكل عدد الأطفال نحو 42 في المئة”.
معبر هجرات
في المقابل طالب وزير الداخلية السوداني المكلف اللواء خليل باشا سايرين، بإيجاد حلول جذرية للهجرة غير الشرعية بتطوير علاقات التعاون والشراكات بين الدول المصدرة ودول العبور والدول التي يقصدها المهاجرون. وكشف أثناء مشاركته في “منتدى المتوسط للهجرة غير الشرعية” بليبيا، عن ترتيبات مع الاتحاد الأوروبي لتوقيع اتفاق يقنن الهجرة غير الشرعية، وذلك بتحديد مطلوبات الدول الأوروبية من العمالة وتوفير إمكانات لدول المعبر والمصدر للحد من الظاهرة.
يذكر أن الاتحاد الأوروبي كان وقع اتفاقاً مع الحكومة السودانية عام 2016، لوقف الهجرة غير الشرعية، وهي مهمة عهد بها البشير إلى قائد “قوات الدعم السريع” محمد حمدان دقلو (حميدتي). وقدرت تقارير دولية أموال المساعدات التي دفعها الاتحاد الأوروبي للسودان بموجب “عملية الخرطوم” للقيام بمهمة مكافحة الهجرة غير الشرعية بنحو 200 مليون دولار في الفترة بين 2016 حتى 2018.
وبحسب تقارير البنك الدولي احتل السودان المركز السادس من حيث أعداد اللاجئين عالمياً في عام 2017، بينما احتل المركز الثامن بالنسبة إلى أعداد اللاجئين القادمين من أفريقيا إلى أوروبا عبر البحر المتوسط في العام ذاته. كما أن السودان دخل في تجربة أخرى بإنشاء قوات مشتركة سودانية (الدعم السريع)، ومن دول ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى.
تبدد الحلم
قال الصحافي محمد المهدي مصطفى عن تجربته في الهجرة إنه فكر فيها قبل الحرب “كنت أنوي الهجرة من السودان، لتحقيق ولو قدر بسيط من المشاريع التي يحلم بها أي شاب سوداني، خصوصاً أن الظروف الاقتصادية كانت تمضي من سيئ إلى أسوأ”، وأضاف “كنت أعمل في اتجاهات عدة، فبينما قدمت لوظيفة خارج السودان، كنت أنتظر نتيجة منحة دراسية قدمت لها أيضاً وجهزت أوراقي والنفقات اللازمة التي ستعينني على الرحلة، ولترتيب إجراءات الإقامة والسكن والمعيشة في الفترة الأولى”.
وأورد “بعد اشتعال الحرب، اقتحم جنود من قوات الدعم السريع منزل الأسرة في أمدرمان، ونهبوا كل شيء بما فيه اللابتوب الخاص بي والمال الذي ادخرته للسفر. ولم يكتفوا بذلك بل أحرقوا أرشيفي الصحافي (الورقي)، وحبست في إحدى غرف المنزل لأكثر من 12 ساعة، بعد أن عصبوا أعيني بقماش وقيدوا يدي وأرجلي من خلاف ثم نقلوني إلى مكان مجهول، وبعدها بـ10 ساعات أطلقوا سراحي”.
وواصل الصحافي “بعد هذه التجربة المريرة، تغيرت خطة السفر، وتحولت إلى هجرة قسرية، إذ قررت الخروج من أم درمان والسفر إلى مصر وبعد محاولات فاشلة عدة في طلب تأشيرة الخروج، قررت السفر عبر طرق التهريب”.
وتابع “أدركت أن القرار كان خاطئاً، فغير الإحساس بالموت الوشيك، عند مطاردة شرطة مكافحة التهريب على الحدود المصرية – السودانية، كانت معاناة الإحساس بالعجز عن تقديم المساعدة لآخرين معنا في الرحلة منهم أم وطفلها فارقاً الحياة جراء العطش ونفاد الماء، لنقوم بعدها بشرب ماء السيارة (اللديتر) المخلط بالصابون الذي اقتسمناه مما تسبب لنا في آلام وأمراض لاحقاً”.
وذكر “كان آخر ما تركته ورائي أثناء عملية الهرب، حقيبتي وبها شهاداتي الدراسية وشهادات الخبرة، إذ سقطت أثناء المطاردة، لتطوى صفحة الآمال الأولى من الهجرة ويتبدد معها الحلم”.
اليمن… البحث عن سبيل نحو مستقبل أفضل
يسعى اليمنيون إلى الهجرة من بلدهم نتيجة الاضطرابات والحروب التي أسهمت بصورة كبيرة في خلق بيئة غير ملائمة للسكان والاستثمار، مع غياب مقومات الحياة الكريمة مثل الأمن والحرية وتوفير فرص العمل ووجود دولة عادلة، كما أن الفساد المستشري في منظومة الحكم يعد سبباً إضافياً يدفع كثيرين، وبخاصة المثقفين والمتعلمين، لمغادرة البلاد.
تحديات لحياة أفضل
بعد عقد من الحرب أصبح حلم الهجرة الخيار الأكثر جاذبية لكثير من الشباب والعقول اليمنية بدافع الأمل في حياة أفضل، إذ يغادرون البلاد بحثاً عن ظروف معيشية كريمة، سواء إلى الدول المتقدمة التي تتمتع باستقرار وأمن كبيرين وتوفر حياة كريمة لمواطنيها وللمهاجرين على حد سواء، مع احترام حرية الشعوب في اختيار حكامها أو إلى الجوار مثل دول الخليج العربي سعياً وراء فرص العمل.
اليمني محمد قعيبل الزرنوقي (اندبندنت عربية)
وخلال سعيهم إلى تحقيق حلم الهجرة للدول الأوروبية على أمل نيل حق اللجوء والعيش بسلام، يواجه كثير منهم رحلات محفوفة بالأخطار عبر البحار أو المعابر الحدودية البرية، حيث تقابلهم إجراءات أمنية صارمة تهدف إلى الحد من الهجرة غير الشرعية، وتلك الرحلات قد تعرض حياتهم للخطر أو قد تنتهي بمأساة.

التعليقات معطلة.