شكّلت هجمات الحوثيين على السفن التي تمر عبر البحر الأحمر وباب المندب سلاحاً استعمله الحوثيون لضرب التجارة الدولية والملاحة البحرية بالمنطقة في محاولة للضغط على إسرائيل والدول الداعمة لها لوقف الحرب على غزة.
ويُعد البحر الأحمر، الذي يربطه مضيق باب المندب من الجنوب بالمحيط الهندي وبحر العرب وتربطه قناة السويس شمالا بالبحر المتوسط، شرياناً مهماً للتجارة والاقتصاد العالميين. إذ إن نحو 12 في المئة من التجارة العالمية يمر بقناة السويس وفق العديد من التقديرات الدولية، كما أنه يعتبر حلقة الوصل البحرية الأقصر والأسرع بين آسيا وأوروبا.
وتركّزت موجة هجمات الحوثيين بشكل خاص على السفن ذات الصلة بإسرائيل، ولكن هذه الأحداث ليست بجديدة. فبين عام 2021 وأوائل عام 2023، استهدفت هجمات بالطائرات بدون طيار بعض السفن المرتبطة بجهات إسرائيلية، لكن حرب غزة رفعت من مستوى هذه التهديدات، إذ يستهدف الحوثيون في اليمن سفناً في جنوب البحر الأحمر وباب المندب في هجمات تقول الحركة المتحالفة مع إيران إنها ترمي إلى دعم الفلسطينيين في مواجهة حرب تشنّها إسرائيل على حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية “حماس”.
وبحسب الباحث المتخصص بالشؤون الإيرانية خالد الحاج فإن ”الهجمات الحوثية التي تستهدف السفن الاسرائيلية أو المتوجّهة الى إسرائيل، مسألة أعمق بكثير من مجرّد موقف عسكري للحوثيين دعماً لغزة”. كما أن للبحر الأحمر أهمية كبرى بالنسبة للتجارة العالمية، وفي هذا الاطار أوضح الحاج في حديث لـ”النهار العربي” أن ”أهميته تكمن لناحية عدد السفن التجارية التي تمر عبره، إضافة الى سفن النفط والطاقة، لاسيما أن القسم الاكبر منها يتوجّه للدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية”.
وقال: “إذا نظرنا للقواعد العسكرية المتواجدة على شواطئ الدول المطلة على البحر الاحمر سنجد أن الولايات المتحدة الأميركية، القطب الاساسي في العالم، والتي تعتبر قوة بحرية قد فرضت نفوذها من خلال السيطرة على هذه الأماكن الاستراتيجية فكان من الطبيعي أن تتواجد سفنها الحربية بالبحر الاحمر، اضافة الى القواعد العسكرية الموجودة بدول الخليج العربي المطلة على البحر الاحمر نرى أن إحدى أكبر القواعد الاميركية بأفريقيا موجودة في جيبوتي وأنشِئت تحت عنوان مكافحة الطائرات من دون طيار كما تهدف لمكافحة عمليات القرصنة”.
ولفت الحاج الى أن “فرنسا وتركيا والصين واليابان والامارات والسعودية لديها أيضا قواعد عسكرية مطلة على البحر الاحمر، والسؤال الابرز كان متى ستنشئ روسيا قاعدة عسكرية لها في هذه المنطقة الاستراتيجية، خاصة أنها تسعى لإحداث تغيير في النظام العالمي؟. والوجود العسكري تحديدا عند هذا المضيق يؤكد أن هناك تغييراً كبيراً سيحدث على مستوى سيطرة الدول على العالم، لكن حتى اليوم فشلت روسيا بإنشاء هذه القاعدة التي حاولت أن تقيمها في السودان”.
ومضى الحاج قائلا: “أمام هذه التكتلات العسكرية الموجودة، والتي تؤكد أن هذه المنطقة إستراتيجية وجيوسياسية مهمة جداً، نرى أن مضيق باب المندب هو عبارة عن تقريباً 2 ميل أي مساحة صغيرة جداً. وبين مضيق باب المندب وآخر الحدود السعودية – اليمنية، 442 كلمتراً مربعاً وهي مساحة كبيرة عبارة عن جبال وتضاريس جغرافية صعبة تساهم وتساعد دائما بالعمل العسكري، خصوصا لأسلوب عمل الحوثيين، لذا نرى أن نجاح الحوثيين بالتعرّض للسفن التي تمر عبر البحر الاحمر كبير جداً”.
يذكر أن عرض باب المندب بيلغ 29 كيلومترا في أضيق نقاطه، مما يجعل حركة الناقلات صعبة ومقتصرة على قناتين للشحنات المتجهة للبحر الأحمر والخارجة منه، تفصل بينهما جزيرة بريم.
وعبر المضيق نحو 7.80 مليون برميل يوميا من شحنات النفط الخام والوقود في أول 11 شهرا من 2023، ارتفاعا من 6.60 مليون برميل يوميا طوال 2022، وفقاً لشركة تحليلات النفط فورتيكسا. ورصدت فورتيكسا عبور 27 ناقلة محملة بالخام أو الوقود يوميا في المتوسط في عام 2023، ارتفاعا من 20 في العام الماضي.
وأقر الحاج بخطورة الهجمات التي يشنّها الحوثيون على السفن، وأوضح أنه “عندما نتكلم عن قوة الحوثيين العسكرية بعيداً عن الصورة النمطية، نحن نتكلم عن قوات عسكرية شبه نظامية أو أنها تجمع نوعين من المدارس العسكرية، فلديها كميات هائلة من الأسلحة التي حصلت عليها إمّا من الجيش اليمني وبمعظمها أسلحة روسية متقدّمة ومؤثّرة، إمّا أنها أسلحة إيرانية حيث مدّت طهران الحوثيين بأحدث الأسلحة على أنواعها. هذا الامر يساعد الحوثيين على استخدام الأنماط العسكرية المختلفة ليتمكّنوا من القيام بعمليات عبر البحر الأحمر إن كان بزوارق أو عبر طائرات مسيّرة أو استهدافها بصواريخ وغيرها من الاسلحة المختلفة”.
وبالنسبة للحاج، “من الواضح أن إيران متقدّمة في لعبة الشطرنج بالبحر الأحمر، فبات حضورها ونفوذها مؤثراً لاسيما أننا نتكلم اليوم عن مدى تأثيرها على العالم وليس فقط على إسرائيل، فالولايات المتحدة والدول الأوروبية تشعر اليوم بأنها مهددة”.
ودفعت هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر ببعض الشركات إلى تحويل مسار سفنها بعيداً عن قناة السويس ومضيق باب المندب الاستراتيجي. وباتت السفن تسلك طريقاً أطول حول رأس الرجاء الصالح للوصول إلى أوروبا وآسيا، مما يزيد من وقت عبورها.
واعتبر الحاج أن “الرسالة الأكثر أهمية التي تهدف إيران لإيصالها هي أن ما قام به الحوثيون في مضيق باب المندب هو مثال لما يمكن أن يقوم به الإيرانيون في أحد أهم مضائق الطاقة في العالم وهو مضيق هرمز الذي تطل عليه إيران وتقيم فيه مناورات عسكرية وتهدّد بإقفاله، بالتالي هي تقول للغرب إن تهديداتها جديّة وأن لديها القوة والقدرة”.
وردا على هجمات الحوثيين، أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن عن تشكيل قوة متعددة الجنسيات “حارس الازدهار” تهدف إلى ضمان حرية الملاحة وتعزيز الأمن الإقليمي بالبحر الأحمر فما مدى قدرة هذه القوة على التصدي للهجمات الحوثية؟ وفقاً للحاج إن “القدرة على فرض ردع بهذه المنطقة من دون وجود قوات عسكرية داخل اليمن تساعد على ضبط الأمور، صعبة جدا”.
وقال: “نحن نتكلم عن منطقة جغرافية وتضاريس صعبة جداً وأشخاص متمرّسين يعرفون الطبيعة الجغرافية للمنطقة ومتمكنين في عملهم العسكري والاستخبارات، فعلياً قوات الردع قد تقلّل التهديد لكن لا يمكنها منعه، قد توقف عمليات حجز السفن ولكن لا يمكنها السيطرة على إطلاق الصواريخ من اليمن”.