هجوم أوكرانيا على القرم.. طلقة تحذيرية لبوتين

1

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.(أف ب)

24-جورج عيسى

وصف الأستاذ في كلية لندن الجامعية الدكتور مارك غاليوتي، قائد أسطول البحر الأسود الروسي الأدميرال فيكتور سوكولوف بـ”الأدميرال شرودنغر” بقوله: هو حي وفق موسكو، وميت وفق كييف، دون وضوح بشأن من قد يكون على حق، ومع ذلك، فإن الأهمية الحقيقية للضربة الصاروخية على مقره لا تكمن فيما إذا كانت قد قتلته أم لا، بل فيما تقوله عن القدرات الأوكرانية.

يوضح الهجوم أن الأوكرانيين يتمتعون بقدرة متزايدة على ضرب أهداف معقدة
وكتب غاليوتي في مجلة “سبكتيتور” البريطانية: “يوم الجمعة، أطلقت قاذفات سو-24أم الأوكرانية التابعة للواء الطيران التكتيكي السابع صواريخ كروز من طراز ستورم شادو على مقر أسطول البحر الأسود في مدينة سيفاستوبول الساحلية، في شبه جزيرة القرم. يبدو أن بعضها تعرض للتشويش أو الإسقاط، لكن اثنين منها ضربا المبنى، مما أدى إلى اشتعال النيران فيه”.

هدوء.. ثم فيديو

ادعى الروس أن هناك حالة وفاة واحدة فقط، لكن رئيس المخابرات العسكرية الأوكرانية كيريلو بودانوف رد بأن 9 أشخاص على الأقل قتلوا وأصيب 16 آخرون بما في ذلك العقيد جنرال ألكسندر رومانتشوك، قائد القوات الروسية على الجبهة الجنوبية. بعد ذلك، تم تعديل عدد القتلى ليصل إلى 34 ضابطاً، حيث أشار الأوكرانيون إلى أن الأدميرال سوكولوف ربما يكون من بينهم.


كانت وسائل الإعلام الروسية هادئة بشكل ملحوظ بشأن مصير سوكولوف، حيث أصدر الكرملين بياناً فاتراً إلى حد ما، يوم الثلاثاء قال فيه إنه “لم يتلق أي معلومات” من وزارة الدفاع. مع ذلك، وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، تم نشر مقطع فيديو على قناة تلغرام التابعة للوزارة يظهر فيه سوكولوف وهو يحضر اجتماعاً عبر الإنترنت لقادة الدفاع. لكن لا يوجد ما يؤكد أنه تم تسجيله بالفعل في ذلك اليوم، كما أنه، مثل قادة الأسطول الآخرين، لا يتحدث.

ما بعد الإشاعات

من المحتم، حسب غاليوتي، أن تكثر الإشاعات الآن كالقول إن هذه لقطات تم التلاعب بها أو قديمة، أو أن سوكولوف نجا لكنه أصيب بجروح بالغة الخطورة إلى درجة أن السلطات لم ترغب في بث مقابلة معه، أو أن الأوكرانيين كانوا يكذبون ببساطة لزيادة رصيدهم في الغرب. ولو قُتل سوكولوف، فستكون هذه أول وفاة قتالية لأدميرال منذ الحرب العالمية الثانية. وسوف يشكل ذلك أيضاً خسارة فادحة للبحرية الروسية، بما أنه قيل عنه إنه واحد من ضباطها الأكثر كفاءة، بالرغم من أن سجل أسطول البحر الأسود منذ تعيينه في سبتمبر (أيلول) لم يكن مثيراً للإعجاب.


على أحد المستويات، يعتبر هذا أمراً تافهاً نسبياً؛ إنه جولة أخرى في العمليات المعلوماتية المتبادلة بين موسكو وكييف. يحب بودانوف بشكل خاص مضايقة الروس (بالرغم من أن عدم رؤية رومانتشوك منذ الهجوم هو أمر جدير ذكره)، في حين أن الكرملين غير راغب بالاعتراف بحجم ودقة الضربات الأوكرانية، وخصوصاً على شبه جزيرة القرم. إذا مات سوكولوف، فعندها سيحل محله شخص آخر. وإذا لم يكن الأمر كذلك فإن الأوكرانيين ما زالوا يثبتون قدرتهم على ضرب قلب المؤسسة العسكرية للاحتلال في شبه جزيرة القرم.

انتصار هندسي.. وأكثر

من نواحٍ عدة، هذه هي النقطة الحقيقية. وسواء كانت هذه ضربة قاطعة لرأس طاقم القيادة الروسية في شبه جزيرة القرم أم لا، يوضح الهجوم أن الأوكرانيين يتمتعون بقدرة متزايدة على ضرب أهداف، تحت ما كان من المفترض أن تكون مصفوفات شبه منيعة من الدفاعات المتداخلة، ففي وقت سابق من هذا الشهر، تسبب وابل آخر من صواريخ ستورم شادو البريطانية بإلحاق أضرار بالغة بالغواصة روستوف أون دون، وسفينة الإنزال الضخمة مينسك، أثناء رسوها في أحواض سيفاستوبول.

وفق غاليوتي، لا يعد هذا مجرد انتصار لهندسة الصواريخ، بل يعكس أيضاً المعلومات الاستخبارية التفصيلية المقدمة إلى كييف، وخصوصاً من المملكة المتحدة والولايات المتحدة، وقدرتها المتزايدة على خداع الدفاعات الجوية الروسية أو اختراقها أو إنهاكها أو تجاوزها. يتم اعتراض أو التشويش على غالبية الطائرات بلا طيار والصواريخ التي تطلقها كييف، لكن النقطة المهمة هي أن ما يكفي منها لا يستطيع إحداث أضرار جسيمة وحسب، لكن أيضاً، كما تأمل كييف، توجيه رسالة مفادها أنه لا توجد ملاذات آمنة.

أين أصبح الهجوم المضاد؟

يحرز الهجوم الأوكراني المضاد تقدماً حقيقياً، حيث اخترق الخط الدفاعي الروسي الأول في منطقة زابوريجيا، وربما أحدث بعض الثغرات في الخط الثاني. مع ذلك، إن الخسائر على كلا الجانبين مرتفعة، ومع اقتراب أمطار الشتاء، تتزايد احتمالات عدم تحقيق تقدم كبير يكفي لكسر طريق “الجسر البري” وخطوط السكك الحديدية المؤدية إلى شبه جزيرة القرم قبل تعليق العمليات الهجومية. بالتالي سيكون فصل الشتاء إلى حد كبير وقتاً للتعزيز، حيث يقوم الروس بحفر خطوط دفاعية جديدة، وربما يحشدون قوات إضافية، في حين يتدرب الأوكرانيون بشكل أكبر على استخدام معداتهم الجديدة التي يزودهم بها الغرب.

رسالة إلى الكرملين

يظل تهديد شبه جزيرة القرم عنصراً أساسياً في استراتيجية كييف. سيشهد الربيع محاولة متجددة لمحاصرة شبه الجزيرة، لكن في هذه الأثناء من المهم بالنسبة إلى الأوكرانيين أن يثبتوا ليس فقط للقادة الروس المحاصرين أنهم ومقراتهم في خطر، ولكن أيضاً للكرملين أن ما اعتبره ذات يوم أقوى معقل يصبح على نحو متزايد نقطة ضعف، كما ختم غاليوتي.

التعليقات معطلة.