أحمد الحناكي
لا أملك في القاموس أقلّ من هذه الكلمات، أعبّر فيها عن ألمي وحزني على جريمة الاعتداء التي نُفّذت في مسجدين في نيوزلندا أدت إلى استشهاد 50 مسلماً (حتى كتابة المقالة) لا جريرة لهم ولا ذنب، ذهبوا ليؤدوا صلاة الجمعة في أمان واطمئنان، وهل هناك أكثر سلمية من أن تكون في بيت الله؟
نعم، هذا هو المنطق السليم، ولكن هذا إذا كنت تتعامل مع إنسان حضاري يتمتع بقدر من الحد الأدنى من الاختلاف في الرأي مع الآخر، مع احترام لعقيدته، وهذا هو المتوقع من الشعب النيوزلندي، الذي عرف بأنه في بلاد تتعايش بها الأديان على اختلافاتها، غير أنك تصطدم أحياناً بـ «الإسلاموفوبيا» أو بهذا الخوف الذي يعشعش في صدور العنصريين أو المتطرفين من الجانب الآخر، فليس كل إرهابي خلفيته إسلامية.
لا أدري كيف تسنى لهذا القاتل أن ينفّذ جريمته البشعة وهو مطمئن البال لم ترمش له عين؟! نحن نتحدث عن 50 بريئاً، أي أكثر من 50 عائلة فجعت بيوم الجريمة، ولا أفهم لمن يوجه هذا الإرهابي رسالته! أهو يريد للمصلين ألا يمارسوا شعائرهم الدينية في المساجد، أم يريد من المسلمين أن يتركوا الإسلام، أم ماذا؟
هؤلاء الإرهابيون لم يتركوا مكاناً آمناً، فالتفجير أو إطلاق النار أو الحريق أو الصواريخ شملت المساجد والكنائس والملاهي الليلية والمطارات والطائرات والقطارات والسيارات، ولم يبقَ إلا أن يطرقوا على الناس في بيوتهم وينكّلون بهم.
هل تختلف جريمة هذا الإرهابي عن جرائم الدواعش؟ لا وألف لا، فكلهم إرهابيون لا يملكون ذرة إنسانية أو بقية من الضمير. هل يدّعون أن لهم مآرب أو مقاصد إنسانية؟ اللعنة على من يفكر كذلك، فالإسلام الذي تعرّض هذه المرة للاعتداء المروع لا يدعو بالقرآن أو بالأحاديث المروية عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام إلا إلى السلام والإحسان والتعامل بشرف ونبل بالمعارك، مع أنها حالة حروب فكيف إذا كانت ليست بحرب، بل عن أبرياء آمنين يعيشون بسلام في بلد بعضهم أصلاً من أبنائه، لكن جامعهم هو الإسلام؟
أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في «الحروب» فقال: «لا تقطعوا شجرةً ولا تقتلوا امرأةً ولا صبياً ولا وليداً ولا شيخاً كبيراً ولا مريضاً.. لا تمثلوا بالجثث.. ولا تسرفوا في القتل.. ولا تهدموا معبداً ولا تخربوا بناءً عامراً.. حتى البعير والبقر لا تُذبح إلا للأكل»، كما أوصانا أيضاً بالإحسان إلى الأسير وأن نكرمه ونطعمه، وأن نفي بالعهد.. وأخيراً عدم إجبار أحد على الإسلام.
ومن بعده وفي عهد سيدنا أبوبكر الصديق أوصى جيشه الذاهب للحرب: «يا أيها الناس، قفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عني: لا تخونوا ولا تغلوا، ولا تغدروا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً، ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاةً ولا بقرةً ولا بعيراً إلا لمأكلة، وستمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع؛ فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له».
من بعده جاء عهد سيدنا عمر بن الخطاب الفاروق الذى فرّق بين الحق والباطل رضي الله عنه.. «لا تُسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينقص منها ولا من خيرها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم»، وقد أعطى الأمان لأهل القدس ومنحهم حريتهم الدينية والسلامة لكنائسهم.
إذا كان هذا ما يدعو له الإسلام وبهذه الوصايا التي سبقت منظمات حقوق الإنسان فكيف يتم التعامل مع المسلمين المدنيين الأبرياء بهذه الوحشية؟ الرحمة والشهادة لهؤلاء الأبرياء، واللعنة على كل الإرهابيين الذين قتلوهم وكذلك على من حرضهم.