بغدادمحمد الباسم28 فبراير 2022انشرفقد بعض الأطفال أهلهم نتيجة الحروب (حسين فالح/ فرانس برس)
منذ نحو 11 عاماً، يهتم الناشط العراقي والطبيب المتخصّص في علم النفس هشام الذهبي (51 عاماً) بالأطفال الأيتام، معتمداً على تبرعات العراقيين لرفد مؤسسته “البيت العراقي للإبداع” وسط العاصمة بغداد، التي تضم حالياً 55 طفلاً ذكراً لم يجدوا من يرعاهم، على الرغم من أن طاقتها الاستيعابية لا تزيد عن 30 طفلاً. لكنّه يُفضل أن يرى الأيتام وضحايا الأسر المفككة والمضطربة في داره وليس في الشارع.
سجل الذهبي البيت العراقي للإبداع كمؤسسة رسمية عام 2004، وبدأ يساعد الأطفال الأيتام والمشردين ليجعل منهم شباناً ناجحين على الرغم من كل الصعوبات التي عاشوها. وحصل بعضهم على جوائز عربية وعالمية في الرسم والسينما والرياضة والموسيقى، وخصوصاً أن مؤسسته ترعى النشاطات الفنية والإبداعية. ويقول الذهبي لـ “العربي الجديد” إنّ “الدار تضم حالياً 55 طفلاً تتراوح أعمارهم ما بين 5 و15 عاماً. بعد هذا العمر، يكون الطفل قد أنهى مرحلة الدراسة المتوسطة، ليتوجه إلى متابعة الدراسة الإعدادية أو الدراسة في معاهد الفنون أو السياحة أو الصناعة أو التجارة”. يضيف: “نترك الخيار للأطفال”.
ويوضح أنّ “الدار، وعلى الرغم من صغر حجمها، تضم قاعات لتدريس الأطفال وأخرى لاجتماعاتهم، بالإضافة إلى قاعات لتعليمهم على أجهزة الحاسوب والخياطة والرسم والعزف على بعض الآلات الموسيقية وغيرها، الأمر الذي يساعد الأطفال على اكتشاف مواهبهم”، مشدداً في الوقت نفسه على أنّ الدار “تركز على أهمية ما سيدرسه الطفل في المستقبل”.
ويقول: “عقب ذلك، يتوجه الطفل إلى دار البالغين التابعة للمؤسسة، حيث يستقر فيها ويكمل دراسته ويمارس أعماله. كما يتولى رعاية المسنين في الدار ضمن مبادرة أطلق عليها “جدّو بخدمتك” (جدي، أنا في خدمتك). وتتألف المبادرة من فريق تطوعي يُعد من أهم الفرق التطوعية على مستوى العراق، وقد عملنا خلال الفترات الماضية على استقطاب الإعلام لتغطية نشاطات هذا العمل، بهدف إشعار الشباب العاملين فيه بأهمية ما يفعلون بدلاً من قضاء الوقت في المقاهي أو مع أصدقاء السوء أو تعاطي المخدرات”.
يتابع: “بالنسبة للإناث، ليس لدينا أي مجال لاستقبالهن. لكنّنا نرعى نحو 285 طفلة يتيمة، من خلال تأمين مصاريف الدراسة والمصاريف الشهرية والملابس الخاصة بالصيف والشتاء والمناسبات، في مقابل العيش عند أحد الأعمام أو الأجداد أو الأقرباء من الدرجة الأولى، والتعهد بعدم ترك المدرسة أو التسرب منها، ونحن نراقبهن من خلال فرقنا الميدانية والتواصل مع إدارات المدارس لمعرفة مدى التزام الطالبات”.قضايا وناس
أيتام أفغانستان بلا مأوى
ويشير الذهبي إلى أنّ لديه “فريقاً ميدانياً (البيت العراقي للإبداع) يتجول عادة بعد الساعة 12 بعد منتصف الليل، للبحث عن أطفال لا معيل لهم يتجولون في الشارع، من أجل حل مشاكلهم واحتوائهم، ويتبين أن معظمهم يعانون من مشاكل من جراء اليتم والتخلي من أحد الوالدين بعد موت أحدهما، ومعظمهم ضحايا من أسر مفككة، وهو ما يدعونا إلى استقبالهم واحتوائهم”.
ويقول الذهبي إنّ “عدد الأيتام في العراق يزيد عن مليون وربع مليون من جراء الوفاة الطبيعية للأهل أو نتيجة الحروب والتفجيرات في المدن العراقية المختلفة. ولا نهدف في البيت العراقي للتحوّل إلى دار إيواء بقدر ما نسعى إلى حل مشاكل الأطفال. وفي حال مطالبة الأهل باسترجاع الأطفال، نحصل على تعهدات منهم بعدم ترك الأطفال مرة ثانية، ونتابع أحوال الصغار لمدة 6 أشهر”.
ويستكمل حديثه بالقول إنّه “منذ 11 عاماً، تخرج من البيت أكثر من 480 طفلاً، وبات معظمهم شباباً وبعضهم توظف في مؤسسات حكومية وآخرون ينخرطون بأعمال مهنية متعددة، ومنهم من بات يملك أسرة بعد تزويجه بجهود البيت العراقي للإبداع، كما أنّ بعض خريجي الدار يتابعون دراساتهم الجامعية ويتخصصون في طب الأسنان والهندسة، ومنهم من بات ممثلاً مسرحياً وسينمائياً، وقد حاز البعض على جوائز محلية وخارجية، ولدينا عازفون ورسامون من بينهم”.
الأنشطة الإنسانية التي يقوم بها الذهبي كانت سبباً في فوزه بجائزة “صناع الأمل” (تحت مظلة مؤسسة مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية) عام 2017 في الإمارات العربية المتحدة. ويوضح أنه تبرع بالجائزة، وهي مالية وقيمتها مليون درهم إماراتي (نحو 271 ألف دولار أميركي)، لبناء دار إيواء للأيتام. لكنّ المبلغ لم يكن كافياً لإتمام المشروع، فتقدمت بطلب تسلم قطعة أرض من الحكومة العراقية.قضايا وناس
أيتام العراق… مشكلات نفسية تهدد مستقبل أطفال ويافعين
ويشكو الذهبي من البيروقراطية الحكومية، مشيراً إلى أنّه حصل “على موافقة للحصول على قطعة الأرض في حكومة حيدر العبادي، وتمكنت من استكمال إجراءات استلامها في حكومة عادل عبد المهدي، لكنّني أنهيت نحو 90 في المائة من بناء الدار الجديدة في حكومة مصطفى الكاظمي، فيما تكفل البنك المركزي العراقي من خلال مبادرة تمكين باستكمال ما بقي من نواقص قبل افتتاح الدار، فصلاً عن تبرعات العراقيين من عموم المدن لإنجاز الدار”.
وفي ختام حديثه، يبيّن الذهبي أنّ مؤسسته “عانت من مشاكل قبل عام 2013، لكن بعد هذا التاريخ، باتت الحكومات تتعاون معي ولا تعرقل أعمالي، في حين لا تقدم الحكومة العراقية أيّ مساعدات لمشاريعي، كما لا أتسلم أيّ مبالغ من المنظمات الأجنبية أو الأحزاب العراقية، وأعتمد فقط على تبرعات العراقيين”.