الشرق الاوسط

هكذا اندلعت الحرب البحريّة بين إسرائيل وإيران

14-08-2021 | 08:00 المصدر: النهار العربيفلسطين- مرال قطينة

السفينة الاسرائيلية ميرسر ستريت

A+A-قبل ما يقارب الأسبوعين، هاجمت أربع طائرات من دون طيار مثلثة الشكل وغامضة الهوية سفينة مدنية مملوكة لإسرائيلي، كانت المثلثات المعدنية الضخمة الأربع تحلق على ارتفاع آلاف من الأمتار فوق المياه السوداء لخليج عُمان، وليس بعيداً عن قمة الجبل الذي تقع عليه مسقط العاصمة العمانية، كان ذلك في وقت متأخر جداً من الليل، في مثل هذا الارتفاع من المستحيل على أي شخص أن يسمع أزيز محركات الطائرات المكبسة، لكن إذا مرت طائرة أخرى عن طريق الخطأ لسبب ما ورصدتها بطريقة ما فمن المحتمل أن يكون الطيار قد أبلغ عن مواجهة مع أربعة أجسام غريبة. في مقر قيادة القوات الجوية والفضاء في طهران، كان ضباط الحرس الثوري الجالسون أمام شاشات عملاقة يدركون جيداً أن هذه المثلثات الطائرة ليست في الحقيقة أشياء مجهولة، بل إنها “شهد 136” الطائرة الجديدة بدون طيار التابعة للحرس الثوري، على الشاشات التي تنقل ما تلتقطه كاميرات الطائرات من دون طيار، بدأت أضواء غير واضحة لسطح سفينة عملاقة في الظهور، وبدأت المثلثات الأربعة في التحليق ببطء نحوها، الليلة سيُكتب فصل جديد في “الحرب السرية بين إيران وإسرائيل”. أما القتيلان اللذان سقطا بعد الهجوم على السفينة، الروماني والبريطاني، فهما أول ضحايا هذه المعركة التي تدور منذ أشهر عدة في قلب البحار بين تل أبيب وطهران .. لكنهما قد لا يكونان الأخيرين.       كيف بدأت الحرب البحرية بين إسرائيل وإيران ؟ ومن يقف وراء التخطيط لهذه المعركة؟ وكيف يحاول ربابنة السفن العملاقة الهرب من الكوماندوس الإيرانيين؟ تساؤلات كثيرة وردت في تقرير مطول للصحافي والمحلل العسكري رونين بيرغمان نشرته مجلة “يديعوت أحرونوت” الأسبوعية. في 21 تموز (يوليو) الماضي، أمر ربان سفينة “ميرسر ستريت” الروماني برفع المرساة ومغادرة ميناء دار السلام الضخم في تنزانيا، الناقلة ميرسر جديدة نسبياً، بدأ عملها في اليابان عام 2013، ويمكنها أن تحمل ما يقارب 50 ألف طن على متنها، هذه المرة كانت وجهتها ميناء الفجيرة في الإمارات العربية المتحدة، حيث كان من المفترض أن يتم تحميلها بالنفط، وبحسب حسابات الملاحة كان من المفترض أن ترسو في الميناء يوم الأحد الساعة الواحدة ظهراً، الشركة الأم لمرسير يابانية ولا علاقة لها بإسرائيل، لكن قبل بضع سنوات تم تأجير السفينة لشركة زودياك ماريتايم “وهي الشركة التي تدير أسطول أيال عوفر، أحد أبناء سامي عوفر، بينما يدير شقيقه عيدان أسطولاً كبيراً منفصلاً خاصاً به، نظراً الى أن الشقيقين عوفر ورجال أعمال آخرين، رامي أونجر وأودي أنجل هم أباطرة شحن عالميون، فمن الحكمة والأصح إضعاف الارتباط الإسرائيلي في كثير من الأحيان بهذه السفن خوفاً من المقاطعة العربية. فقد خلقت بعض الشركات عالماً كاملاً من التكاليف المقيدة للشركات المدرجة في جميع أنحاء العالم، بحيث يمكن لمن يريدون الخدمات عدم المخاطرة بأي أضرار اقتصادية والعمل بحرية، يقول بيرغمان. ويضيف بيرغمان: “بالطبع يعرف الجميع من هم الملّاك الحقيقيون في قمة هرم الشركات، وأنهم إسرائيليون، لكن المشغّلين أغمضوا أعينهم عن هذه الحقيقة، لتتمكن هذه السفن المستأجرة من شركات مملوكة لإسرائيل من أن تدخل ميناء في الخليج الفارسي من دون عوائق، وتقريباً من دون إزعاج، إلا أنه خلال الأشهر الأخيرة، أصبح واضحاً لأي شخص يعمل في الشحن حول العالم أن حرباً بحرية سرية قد اندلعت بين إيران وإسرائيل، في شركة إيال عوفر يعرفون ذلك جيداً، في حزيران (يونيو) الماضي تعرضت سفينة أخرى مملوكة لهم لهجوم من وحدة كوماندوز إيرانية، على الرغم من أن ضباط الحرس الثوري أعدّوا عملية هجومية دقيقة، إلا أنهم نسوا شيئاً واحداً صغيراً: أن يبحثوا في محرك غوغل عن اسم السفينة، فقد تم بيع السفينة قبل الهجوم بوقت قصير لشركة لا علاقة لها بإسرائيل، لذلك بدأت السفن الإسرائيلية بتوخّي الحذر، فمثلاً تلقى ربان ميرسر تحذيراً لإيقاف تشغيل نظام “أيه أي أس” المثبت على جميع السفن المدنية في العالم، والذي ينقل موقع السفينة علناً عبر نظام تحديد المواقع “جي بي أس” خوفاً من أن يستخدم المهاجمون الإيرانيون النظام لتحديد موقع السفينة”. 

الاضرار في “ميرسر ستريت”  استمرت رحلة الناقلة العملاقة أياماً عدة بسلاسة ومن دون أي مشكلات تذكر، لكن ليلة الخميس – الجمعة اقتربت سفينة من مضيق هرمز عند مدخل الخليج العربي، لم يكن هناك بحار إسرائيلي واحد على متن السفينة، وأمر مشغّلو الطائرات من دون طيار بالبدء في الغوص باتجاه السفينة، طائرة “شهد 138” الانتحارية التي لها شكل الدلتا ويتراوح مدى طيرانها بين 2000-2200 كيلومتر، ويمكن أن تحمل ما يصل الى 20 كيلوغراماً من المتفجرات، ظهرت أول مرة خلال مناورة عسكرية برية عام 2020، وتُستخدم من خلال نظام توجيه عبر الأقمار الاصطناعية. بعد اقترابها من ميرسير طافت المثلثات المعدنية بالقرب من السفينة، كان الهدف ‘لحاق الضرر بالممتلكات وإبقاء حدة الصراع منخفضة، لأنه خلال المرتين السابقتين استُهدفت مناطق ليس فيها أفراد من طاقم السفينة، لكن هذه المرة انتهى الأمر مختلفاً، عند الساعة 4 صباحاً انفجرت الطائرتان الانتحاريتان فجأة في منطقة الممر بالقرب من مقر إقامة أفراد الطاقم، وبثت الطائرتان الأخريان مشاهد الرعب، أداة تكنولوجية غير مكلفة نسبياً وسهلة التشغيل ضربت الصهاينة على بعد عشرات الآلاف الأميال من حدودهم. بحسب مصادر استخبارية، فإن الإيرانيين كانوا يبحثون عن الدماء وأرادوا الانتقام لمقتل سيد أحمد قريشي، الضابط البارز في الحرس الثوري، الذي قُتل خلال هجوم على مطار الضبعة في سوريا، لكن مصدراً آخر يؤكد أن خطأً ما حدث خلال استخدام الطائرتين، لأن آخر ما يريده الإيرانيون هو جر رومانيا وبريطانيا الى جانب إسرائيل. إذاً ما هي قواعد اللعبة الجديدة؟ يشير بيرغمان الى أن الهدف هو تقليص حرية عمل إسرائيل ضد إيران في جميع أنحاء العالم، علماً أنها إذا ما استمرت، فإن الإيرانيين سيستمرون في مهاجمة السفن المملوكة لإسرائيل، لكن السؤال الذي طرحه عدد غير قليل من كبار ضباط  المؤسسة الأمنية وجهاز الدفاع والاستخبارات الإسرائيلية على أنفسهم خلال الأشهر الأخيرة: كيف انتهى الأمر بإسرائيل في هذه الحرب؟ بعضهم يبدو مقتنعاً بأن إسرائيل أعطت الإيرانيين طريقة جديدة لضربهم، لفهم ذلك علينا أولاً أن نفهم كيف ولدت الجبهة البحرية الجديدة مع إيران، فإسرائيل قوة إقليمية، لكن عندما يتفحص المرء الاشتباكات العديدة التي خاضتها، يتبين أنها قوة عسكرية جوية وبرية، كما أن لديها أيضاً قوة استخبارية، لكن هل هي قوة بحرية؟ من دون أدنى شك أن قوتها البحرية أقل.    عموماً، كان يُنظر الى سلاح البحرية الإسرائيلي لسنوات على أنه ثانوي مقارنة بسلاح الجو والقوات البرية، بينما كان المجال البحري تاريخياً في العديد من البلدان يعتبر مصدر تهديد في إسرائيل، لم يكن هناك تهديد بحري حقيقي باستثناء فترات قصيرة جداً.لكن من ناحية أخرى، لدى إيران قدر كبير من الخبرة في الأنظمة البحرية، إذ بدأت طهران خلال الحرب العراقية – الإيرانية مهاجمة ناقلات دول الخليج التي كانت تدعم العراق، بخاصة الكويتية، ما دفع الولايات المتحدة الى رفع علمها على كل الناقلات، معلنة أنها أميركية وأن ضربها بمثابة ضرب السفن الأميركية، كما وفر الأميركيون العتاد وقوات جوية وقوات خاصة لحماية هذه الناقلات، وتم ردع الإيرانيين في الساحة البحرية لسنوات عديدة، الى أن جاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب.  

قاسم سليماني ويشرح بيرغمان أنه في نيسان (أبريل) عام 2019، فرض الرئيس ترامب عقوبات شديدة على إيران بعد ضغوط كبيرة مارستها إسرائيل، وتسببت بإيلامها أكثر من غيرها بـ”صادراتها النفطية”، لربما كانت تل أبيب وواشنطن تأملان أن يتغير شيء مع إيران، لكن هذا لم يحدث. ووفقاً لمصدر استخباري إسرائيلي، فإن قاسم سليماني نصح الزعيم خامنئي بأنه “إذا لم تستطع إيران تصدير نفطها فلن يكون أحد قادراً على إخراج النفط من الخليج الفارسي”. وبعد ذلك بوقت قصير بدأت التحذيرات، إذ قامت طواقم من وحدة الكوماندوس المتمركزة في “سافيز” بزرع ألغام صغيرة في الناقلات، وتم تصميم الانفجارات بحيث يتم الشعور بها من ناحية، لكنها من ناحية أخرى لن تؤدي الى كارثة كبيرة كالتلوث البيئي أو تتسبب في غرق ناقلة.  وفي ضوء ذلك، أرسلت الاستخبارات الإسرائيلية سلسلة من التحذيرات العاجلة الى الولايات المتحدة، بأن السفينة “سافيز” متنكرة بهيئة سفينة مدنية بريئة، هي المسؤولة مباشرة عن العمليات التي يقوم بها الكوماندوس التابع للحرس الثوري، وأن الهدف من وراء هذه الهجمات هو رفع أسعار النفط عالمياً، يومها سافر رئيس جهاز الموساد الأسبق يوسي كوهين على وجه السرعة للقاء وزير الخارجية بومبيو والرئيس ترامب، وقال إن “الإيرانيين يحاولون إبلاغهم أنهم لا يخشون التصعيد”، في الوقت نفسه كانت إيران منخرطة في مشروعها الكبير الثاني للتمركز في سوريا على بعد كيلومترات قليلة من الحدود مع إسرائيل، بالطبع حاولت إسرائيل منع أن تصبح الحدود مع سوريا حدوداً مع إيران، بالقيام بسلسلة عمليات نفذها الموساد وقصف سلاح الجو، كان الهدف منع إيران و”حزب الله” من بناء قوة عسكرية فاعلة في المنطقة وإحباط مشروع “حزب الله” الدقيق لتحسين فاعلية أسلحته الصاروخية، حاول سليماني إرساء تكتيكات جديدة لتهريب السلاح من إيران الى سوريا، وبعد قصف البوكمال لأول مرة، شعر سلماني بأنه مكشوف ولم يبقَ أمامه سوى البحر، فابتكر حلاً إبداعياً. من جهة، فإن إيران عليها عقوبة أميركية لتصدير نفطها ومن الصعب عليها بيع ملايين البراميل التي تنتجها، ومن جهة أخرى، سوريا بحاجة ماسة الى النفط، وبعد الحرب الأهلية التي مزقتها إرباً، لم يعد لدى سوريا المال لشراء النفط، لكن لديها الكثير من السلاح، لذلك ستعطي إيران النفط لسوريا مقابل أن تقوم سوريا بالدفع عن طريق السلاح والخدمات التي ستقدمها لفيلق القدس ولـ”حزب الله”، ومن هنا ولدت الصفقة “منح النفط مقابل الحصول على السلاح”. مع إبحار ناقلات النفط الإيرانية السرية باتجاه سوريا، تجاوزت الاستخبارات الإسرائيلية خطة سليماني وقررت تدميرها، وقدمت البحرية الإسرائيلية خطة مفصلة لمحاربة قوافل الإمداد الإيرانية التي تضمنت تفعيل مختلف الرسائل العلنية والسرية، لم تعجب الخطة كبار الضباط في هيئة الأركان والمؤسسة الأمنية، فهناك من ما زال مقتنعاً بأن سلاح البحرية يحسد سلاح الجو على الضربات الناجحة التي ينفذها منذ سنوات في سوريا، تم قبول بعض المقترحات التي قدمتها القوات البحرية، ومن منتصف 2019 يقوم السرب 13 بمهاجمة السفن الإيرانية التي تحمل نفطاً وأسلحة بناءً على معلومات يجمعها الموساد والقوات المسلحة وسفينة استخبارات بحرية، لذلك كانت الضربات في معظم الأوقات إما تصيب المحرك أو غرفة المحرك أو مروحة السفينة، حتى بعد مقتل سليماني استمرت العمليات البحرية وتم نشر بعضها وبقي القسم الأكبر مجهولاً، لذلك فقد تنامى الإحباط في صفوف الحرس الثوري والضغط على خامنئي للسماح له بالرد حتى جاءت الموافقة في شباط (فبراير) الماضي.