تضاربت الأنباء خلال الأيام القليلة الماضية حول مصير رجل الأعمال المقرّب من السلطات السورية، خضر طاهر، المعروف بلقب “أبو علي خضر”، بين من أكّد هروبه إلى خارج البلاد قبل شروع الأجهزة الأمنية في حملة لمداهمة مقاره وشركاته، ومن يشير إلى أنّه توارى عن الأنظار فقط ولم يغادر الأراضي السورية، فيما ألمح البعض إلى أنّ خضر يخضع للتحقيق فعلياً، ومن المرجح أن يكون قد وضع قيد الإقامة الجبرية ريثما يجري البتّ بأمره نظراً لتشابك علاقاته مع مفاصل السلطة السياسية والاقتصادية والأمنية. غير أنّ هذه التسريبات لا يمكن التأكّد منها بسبب التكتم الذي يحيط بالقضية من جهة، ولأنّه منذ سنتين تقريباً تلاحقه أخبار التحقيق والاعتقال ليتبين لاحقاً عدم صحتها. ويُعتبر خضر طاهر من رجال الأعمال القلائل الذين نسجوا علاقات قوية مع كلّ من قائد الفرقة الرابعة في الجيش السوري شقيق الرئيس بشار الأسد، ماهر الأسد، وأسماء الأسد زوجة الرئيس، لما كان يجري تداوله من وجود تنافس بين الجهتين أو على الأقل عدم تنسيق، والحديث عن وجود اختلاف بينهما في الرؤى والخطط والأدوات، لا سيما لجهة كيفية إدارة الملف الاقتصادي وسط الظروف الصعبة التي تمرّ فيها البلاد. وتباينت المعلومات المسرّبة حول سبب الضجة المستجدة بخصوص خضر طاهر. فقد ذهبت بعض المصادر إلى الحديث عن خضوعه للتحقيق بسبب مخالفات ذات طابع تجاري محض تتعلق بالتهريب واحتكار التجارة في بعض المواد، بينما اعتبرت مصادر أخرى أنّ ما يُشاع حوله يتعلق بملف مكافحة الفساد الذي ينوي الرئيس السوري تدشينه بالتزامن مع التحضير لإجراء انتخابات حزبية لاختيار قيادة مركزية جديدة لحزب البعث الحاكم. ونقل موقع “هاشتاغ سوريا” الموالي عن مصادر متابعة أنّ مكتب الرئاسة “أصدر كتاب (منع تعامل) مع أحد أثرياء الحرب (خ. ط) المعروف لدى عموم السوريين”، في إشارة إلى خضر طاهر، مضيفةً أنّ الكتاب صدر “في إطار حملة مكافحة الفساد التي عزمت الرئاسة السورية على تنفيذها بعيداً من الأضواء”. وأكّد الموقع أنّ أبو علي خضر هرب إلى خارج سوريا منذ أكثر من أسبوع، إثر صدور تعليمات من السلطات السورية لـ”التدقيق في أعماله واستعادة الأموال التي اكتسبها بطريقة غير مشروعة، وعدم التعامل معه من قِبل أي جهة حكومية”، مشيراً إلى أنّ مجالات عمله تشمل الاتصالات والجمارك والتعهدات والشركات الأمنية. وزعم أنّ السلطات الأمنية كانت أصدرت في وقت سابق قراراً بمنع التعامل مع طاهر، لكنه سرعان ما أوقف العمل به. وفيما لم يذكر الموقع أسباب توقف العمل بالقرار السابق المزعوم، نقل عن مصادر، قال إنّها من “حملة المحاسبة”، أنّ “القرار الحالي نهائي وحاسم ولا رجعة عنه، في إطار الحملة المنظمة لمكافحة الفساد التي انطلقت تباشيرها مع بداية 2024”. من جهته، أكّد موقع “صوت العاصمة” المعارض أنّ مكتب الأمن الوطني وهو أعلى سلطة أمنية في سوريا، وبتوجيهات من القصر الجمهوري، قد أصدر أوامر للمؤسسات الحكومية الرسمية، والجهات الأمنية والعسكرية بعدم التعامل مع أبو علي خضر وجميع شركائه والشركات التابعة له أو لشخصيات تعمل معه، واستدعاء عشرات الموظفين للتحقيق في الفروع الأمنية. وأكّدت مصادر “صوت العاصمة” أنّ خضر لم يظهر في دمشق منذ الأسبوع الماضي، ولم يره أي من موظفيه في منزله أو مكتبه أو الأماكن التي يتردّد إليها يومياً، وسط ترجيحات حول احتمالية تنسيق لخروجه من سوريا بشكل نهائي بعد التخلّي عنه من قِبل العائلة الحاكمة. وفي حين أكّد موقع “صاحبة الجلالة” الموالي أنّ هناك تحقيقات تجري مع أبو علي خضر على خلفية أعمال تخصّ تجارة “الموبايلات”، موضحاً أنّ “مجموعة من أصحاب المحال تضرّروا نتيجة عملية حماية غير قانونية لسلع يسيطر هو على تجارتها، مشيراً إلى أنّ التحقيقات ما زالت جارية في القضية، قال إنّها تتعلق بمخالفات تجارية مرتبطة باحتكار غير مشروع لسوق الموبايلات”. وذكر موقع “صوت العاصمة”، أنّ الأمر يتعلق بخلافات بين خضر طاهر واللجنة الاقتصادية في القصر الجمهوري، مشيراً إلى أنّ طاهر زار القصر الجمهوري والتقى المسؤولين عن الملف الاقتصادي، أكثر من مرّة خلال الأشهر الماضية، وأعطوه توجيهات للعمل بها وطريقة جديدة مع ضرورة إيقاف بعض الأنشطة التجارية والاحتكارية التي يمارسها منذ سنوات، وإيداع مبالغ مالية لصالح القصر مقابل إكمال أعماله، لكنه لم يلتزم بالأوامر التي صدرت عن مرؤوسيه الجُدد. وكشفت مصادر مقرّبة من خضر لـ”صوت العاصمة” أنّ الأخير خرج من عباءة ماهر الأسد قبل أشهر، بعد سنوات من العمل لصالحه، وقدّمه ماهر كـ”هدية” للقصر الجمهوري، لتُصبح تجارته واستثماراته تحت عين اللجنة الاقتصادية التي تُشرف عليها أسماء الأخرس. وبدأت الضغوط على خضر تظهر للعلن في تشرين الأول (أكتوبر) من العام الفائت، بعدما قامت مجموعات تتبع للفرقة بالتنسيق مع إدارة الجمارك، استهدفت خلالها البضائع المهرّبة التي تحمل شعار شركة “الميرا التجارية”، المملوكة لخضر، ليتبعها إغلاق بعض ممرات التهريب بين سوريا ولبنان، والتي تستخدمها شركات خضر لاستقدام بضائعها الأجنبية، وبيعها في الأسواق بعد إضافة شعارها عليها. وقالت المصادر السابقة، إنّ خضر رفض مراراً طلبات اللجنة الاقتصادية بالامتثال للأوامر الجديدة ورفض المبالغ المستحقة عليه لصالح القصر الجمهوري، حتى انتهى الأمر بصدور قرار بملاحقة خضر وشركاته وفتح ملفات الفساد التي اُنجزت في الأساس تحت سقف القانون. ونفّذت دوريات أمنية تتبع للجان القصر مساء الأحد 14 كانون الثاني (يناير) الجاري، مداهمات استهدفت منازل ومكاتب تعود ملكيتها لأبو علي خضر ومقرّبين منه، وضباط في الأمن العسكري على علاقة به في دمشق وحمص واللاذقية، ومصادرة مبالغ مالية وسيارات واعتقال أشخاص على علاقة بخضر على رأسهم ضباط في سرية المداهمة المعروفة باسم “الفرع 215” التابعة للأمن العسكري. وذكرت المصادر معلومات عن هوية أحد الضباط الأمنيين المتورطين مع خضر طاهر، حيث أشارت إلى أنّ شعبة المخابرات العسكرية وضعت رئيس الفرع 215 العميد أسامة صيوح قيد التحقيق تحت تصرف الشعبة، وكذلك مدير مكتبه، بتهمة اعتقال الناس لصالح رجل أعمال نافذ من دون أي “وجه قانوني” أو مذكرات اعتقال من قِبل جهة رسمية. وفي نيسان (أبريل) 2022، نقل موقع “صوت العاصمة” عن مصادر خاصة، من دون أن يسمّيها، أنّ أحد الفروع الأمنية استدعى أبو علي خضر للتحقيق، إلّا أنّه لم يمتثل، ما أدّى إلى حملة دهم قامت بها الفروع الأمنية في حي الفيلات الغربية بمنطقة المزة. وأسفرت حملة المداهمات حينها بحسب الموقع، عن اعتقال ثلاثة من أبرز رجال خضر، من بينهم صهره إيهاب الراعي، المعروف بإدارته للحواجز العسكرية التابعة لـ”الفرقة الرابعة”. في ذلك الوقت أيضاً، نشرت صفحات تواصل اجتماعي موالية أنّ الاستخبارات أصدرت برقية استدعاء لخضر، للتحقيق بملفات مرتبطة برجاله المعتقلين، وهو الملف ذاته الذي يُقال إنّه أُثير هذه المرّة، فما كان من خضر إلاّ أن استشعر الخطر وقرّر الهرب من البلاد قبل أن يتمّ اعتقاله، في حين ذكرت مصادر أخرى أنّه غادر البلاد مع 3 مليارات دولار.
التعليقات معطلة.