كاتب: Bill Law
في ظل زيارة البابا فرانسيس إلى الإمارات، التي وصفها بأنَّها نموذجٌ للتعايش والتآخي الإنساني، نشر موقع «ميدل إيست آي» البريطاني تحليلًا لبيل لو، الصحفي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، يُكذِّب فيه هذا الوصف ويستعرض القمع الذي تمارسه الإمارات، واصفًا إياها بأنها دولة بوليسية شريرة.
وإليكم ترجمة نص المقال:
كان البابا فرانسيس مُفرطًا في مدحه دولة الإمارات العربية المتحدة قبل زيارته إلى أبوظبي، التي تعد واحدةً من سبع إمارات تُكوِّن الدولة الخليجية، وهي أقوى تلك الإمارات.
وفي خطاب مصور قبل الزيارة، وصف البابا فرانسيس الإمارات بأنها «دولة تسعى إلى أن تكون نموذجًا للتعايش والتآخي الإنساني، ونقطة التقاء للأديان والحضارات».
نموذج للتعايش؟
تأتي هذه الزيارة في أعقاب الحرج البالغ الذي سببته أبوظبي لنفسها في بطولة كأس آسيا، حيث مُنِع مشجعو قطر -العضوة في مجلس التعاون الخليجي الذي يضم الإمارات أيضًا- من دخول الإمارة لمساندة منتخبهم، وفي مباراة الدور قبل النهائي التي فازت بها قطر على الإمارات برباعية نظيفة، تعرض اللاعبون القطريون لوابل من صافرات الاستهجان وإلقاء الزجاجات والأحذية عليهم.
وكل ذلك لأنَّ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة يُضمِر كرهًا شديدًا لتميم بن حمد آل ثاني أمير. وقد أطلق ابن زايد، مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حصارًا جويًا وبحريًا وبريًا على قطر جارته الخليجية الصغيرة يونيو (حزيران) 2017، وهو مستمرٌ حتى يومنا هذا.
وفي الإمارات العربية المتحدة، يواجه أي شخص يُبدى تعاطفًا مع قطر حُكمًا بالسجن يصل إلى 15 عامًا وغراماتٍ تعادل 136 ألف دولار، إذ أنَّ كراهية محمد بن زايد تجاه قطر ضارية جدًا، وهذا تصرُّف لا يصدر عن قائدٍ وبلد وصفهما البابا بأنهَّما «نموذجٌ للتعايش».
بيد أنَّ تلك الزيارة تعد خطوة ناجحة في العلاقات العامة من شأنها أن تقطع شوطًا طويلًا دون شك في إصلاح الأضرار التي لحقت بصورة الإمارات في العالم بسبب المعاملة السيئة والانتقامية التي عومل بها فريق كرة القدم القطري، الذي واصل مشواره في البطولة حتى التتويج باللقب في لحظةٍ رائعة تتجلى فيها عدالة السماء.
وكذلك فهي مفيدةٌ للكنيسة الكاثوليكية، لأنَّها الزيارة الأولى التي يُجريها أحد البابوات الفاتيكان إلى منطقة الخليج. وتتزامن الزيارة مع التقاء بين الأديان، فالبابا فرانسيس سيلتقي الشيخ المصري أحمد الطيب، إمام الأزهر الأكبر. وبالنسبة للإماراتيين، فهذه فرصة للاحتفال وإظهار التسامح الديني. وكي لا نبخس حق الإمارات، فهي أكثر تسامحًا من المملكة العربية السعودية التي تقع جوارها.
امتنانٌ أبدي
يحظى قداس البابا، الذي كان أغلب حاضريه من العمال المهاجرين الكاثوليك، بأهميةٍ كبيرة للمجتمع الفلبيني الكبير في الإمارات. وقد تحدَّثت صحيفة «ذا ناشيونال» الإماراتية التي تصدر باللغة الإنجليزية، عن هذا القداس بحماسة واضحة شديدة، قائلةً إنَّه حلمٌ تحقق لمن حضروه ولحظةٌ سيعتزون بها إلى الأبد، وقالت الصحيفة: «بسبب هذه اللحظة، هناك امتنانٌ أبدي لحكام الإمارات، الذين دعوا البابا فرانسيس في العام الماضي إلى زيارة البلاد وعزَّزوا مجتمعًا يحظى فيه الجميع بحرية العبادة».
يتحدث البابا كثيرًا وببلاغةٍ عن استغلال الفقراء. لكننا نأمل أن يكون على درايةٍ بالتقارير الواردة من منظمات مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية حول الانتهاكات المروعة والأجور المتدنية والظروف المعيشية التي يواجهها العمال المهاجرون من جانب أرباب عملهم الإماراتيين.
وحتى مع وجود تشريع جديد يهدف إلى تحسين الأوضاع، بقي نظام الكفالة بلا تغيير. وفي ظل ذلك، ما زال استغلال المهاجرين مترسخًا بشدة.
وفي هذا السياق، فإنَّ «الامتنان الأبدي لحكام الإمارات» يلفت الانتباه إلى ملاحظة أشد شؤمًا ووطأة. فأولئك الذين يعيشون داخل مجتمع المهاجرين الكاثوليك ويجرؤون على طلب تحسين ظروفهم أو الهروب من الاستغلال والاعتداء يُعتبرون جاحدين للمعروف، وكأنَّ الحكام يقولون لهم: لقد أحضرنا لكم البابا، فكيف تجرؤون على طلب أي شيء أكثر من ذلك.
سجناء الرأي في الإمارات
نتساءل أيضًا عمَّا إذا كان بإمكان مواعظ البابا أن تخترق جدران سجن الوثبة في أبوظبي، حيث سُمِح للبابا فرانسيس نفسه بالدخول ولقاء السجناء، وقابل أحمد منصور، المحتجز في الحبس الانفرادي، والمحكوم عليه تعسُّفًا وظلمًا بالسجن 10 سنوات وغرامة قدرها مليون درهم إماراتي (167 ألف دولار) للتعبير السلمي عن آرائه. وجاءت هذه العقوبة بعد سنواتٍ من مضايقات السُلطات له استمر فيها في الدعوة بشجاعةٍ إلى حرية التعبير والإصلاح السياسي.
وقد حصل منصور في عام 2015 على جائزة مارتن إينالز للمدافعين عن حقوق الإنسان اعترافًا بجهوده وتكريمًا لعمله في توثيق وضع حقوق الإنسان في الإمارات.
ولكن بعد ذلك بعامين، اعتُقِل واحتُجِز في مكانٍ مجهول وتعرَّض للتعذيب قبل تقديمه للمحاكمة وإدانته في محاكمةٍ جائرة إلى حدٍّ فاضح بتهمة نشر «معلومات مغلوطة وشائعات وأكاذيب عن دولة الإمارات العربية المتحدة» من شأنها الإضرار «بالوحدة الوطنية والوئام الاجتماعي» في البلاد.
وهناك تساؤل آخر أيضًا: هل تمكَّن البابا من التحدُّث إلى ناصر بن غيث، الخبير الاقتصادي والأكاديمي المتميز الذي احتُجز في مكانٍ مجهول أكثر من عام قبل إدانته بتُهمٍ مماثلة وحُكِم عليه بالسجن 10 سنواتٍ مثل أحمد منصور.
وقد دخل في إضراباتٍ عن الطعام احتجاجًا على إدانته ومعاملة السجناء، حتى تدهورت حالته الصحية بشدةٍ لدرجة أنَّ منظمة العفو الدولية دعت إلى الإفراج عنه فورًا.
بيد أنَّ هذا مجرَّد غيضٌ من فيض، فلو كان البابا قد مُنِح حرية التواصل مع السجناء، لَوَجد أيضًا عشراتٍ من سجناء الرأي الآخرين والمحامين الذين حاولوا الدفاع عنهم. وأولئك السجناء اعتُقِلوا بطُرقٍ مشابهة كذلك وتعرَّضوا للتعذيب قبل إدانتهم باستخدام اعترافاتٍ مأخوذة بالإكراه.
وكان سيعرف أنَّ هناك بعض أقرباء السجناء اعتُقِلوا واحتجزوا لأنَّهم اعترضوا عبر وسائل التواصل الاجتماعي على المعاملة الوحشية التي يلقاها أقرباؤهم. وكان سيعلم بشأن قضية الصحفي الأردني تيسير النجار، الذي قضى مدة عقوبته البالغة ثلاث سنوات، لكنَّه ما زال محتجزًا.
ويُذكَر أنَّ تيسير النجار أُدين، بموجب القوانين الوحشية المتعلقة بمكافحة الإرهاب في الإمارات، بسبب منشوراتٍ كتبها على موقع فيسبوك قبل الذهاب إلى الإمارات من أجل العمل مراسلًا ثقافيًا وفنيًا.
دولةٌ بوليسية شريرة
ربما اكتشف البابا في سجن الوثبة أنَّ البلد الذي وصفه بأنَّه «نموذجٌ للتعايش والتآخي الإنساني» هو في الحقيقة دولةٌ بوليسية شريرة تستخدم بعضًا من أكثر تقنيات المراقبة تطورًا في العالم للتجسس على مواطنيها والآخرين الذين يجرؤون على انتقاد سلوكها وإدانته، وقمعهم.
يُذكَر أنَّ البابا حَرَص في الشهر الماضي يناير (كانون الثاني) على الاحتفال بالذكرى السنوية السبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وفي التغطية الإعلامية لذلك الحدث، ذكر موقع «أخبار الفاتيكان» أنَّ البابا شنَّ «حملة دؤوبة صريحة للدفاع عن تلك الحقوق التي يفتقر إليها الكثيرون في عالمنا اليوم» .
فهل من الممكن أن يكون البابا قد أخذ هذه الحملة معه إلى الإمارات؟