د. غدير محمد أسيري
يعيش العالم بضغوط وتحديات اقتصادية متصاعدة في ظل التحولات العالمية المتسارعة، خاصة تلك المتعلقة بأسعار النفط، الذي يُعد المصدر الرئيسي للدخل الوطني في العديد من دول العالم، ومع استمرار التذبذب في أسواق الطاقة، تبرز الحاجة إلى تنويع مصادر الدخل والانفتاح الاقتصادي على العالم كخيار استراتيجي عاجل، وهذا الانفتاح يجب أن يتم وفق رؤية متزنة تحفظ الهوية الوطنية وتراعي خصوصية المجتمع الكويتي وتركيبته.
مفهوم الانفتاح الاقتصادي في العلوم الحديثة والأكاديمية والجامعات العريقة، هو بناء سياسات تتيح حرية التجارة، وتشجيع الاستثمارات الأجنبية ودمج الاقتصاد الوطني في الاقتصاد العالمي، بما يحقق النمو المستدام ويخلق فرص عمل جديدة بالدول التي تتبنى هذا المفهوم، يُعد الانفتاح خطوة اقتصادية مهمة لدولة الكويت في المرحلة المقبلة لضمان استقرار البلاد على المدى الطويل وتقليل الاعتماد الأساسي على الإيرادات النفطية، خاصة في ظل التحولات البيئية والمناخية التي تفرض على العالم تقليص استخدام الوقود الأحفوري، وتملك الكويت المقومات الأساسية للانفتاح الاقتصادي الناجح، فهي تقع في موقع جغرافي استراتيجي، وتتمتع ببنية تحتية متقدمة نسبيًا، كما أن لديها نظامًا مصرفيًا قويًا واحتياطيات مالية.
تتطلب خطوات الانفتاح الاقتصادي جملة من السياسات والإجراءات، على سبيل المثال تحديث القوانين التجارية والاستثمارية مثل قانون الاستثمار الأجنبي المباشر الذي يشجع الشركات العالمية على الدخول إلى السوق الكويتي، ويجب أن تُرافقه إصلاحات إجرائية تُسهل تأسيس الشركات وتُقلص الزمن اللازم للحصول على التراخيص، وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP) وتسريع مشاريع البنية التحتية والخدمات، من خلال تفعيل شراكات حقيقية بين الحكومة والقطاع الخاص، مما يخلق فرصًا للعمل والاستثمار من دون تحميل الدولة أعباءً مالية مباشرة، وكذلك إنشاء مناطق حرة ومناطق اقتصادية خاصة تُعتبر من أبرز وسائل جذب المستثمرين، خاصة إذا تم تصميمها لتكون مراكز للابتكار والتكنولوجيا والخدمات اللوجستية، مثل ميناء مبارك الكبير ومشاريع «رؤية الكويت 2035»، كذلك رقمنة الاقتصاد وتحفيز الاقتصاد المعرفي من خلال دعم ريادة الأعمال، والاستثمار في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وربط التعليم بسوق العمل لتأهيل جيل جديد من الكفاءات الوطنية، وتجديد سياسات وقوانين سوق العمل وتنظيم العمالة الوافدة وتوفير بيئة تنافسية تُشجع الكفاءات على البقاء وتمنح المواطنين فرصًا حقيقية للمشاركة في التنمية.
تحقيق الانفتاح الاقتصادي يتطلب منهجية لضمان الاستقرار الاجتماعي، مثل التوافق على رؤية اقتصادية مشتركة تكون بمنزلة خريطة طريق بعيدة تتسم ببعد النظر لتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، وبناء قدرات المواطنين عبر التدريب والتعليم المستمرين، حتى يشعر المواطن بالاولوية ويكون جزءًا فاعلًا من التطوير الاقتصادي، وتشجيع الاستثمار المحلي واعطائه الأولوية، فثقة المستثمر المحلي في بيئته الاقتصادية هي مؤشر رئيسي على جهوزية الدولة لاستقبال الاستثمارات الخارجية. الحفاظ على الهوية الوطنية وتوازنها مهمان، لتتوافق مع الانفتاح الاقتصادي، والاستفادة من التجارب العالمية التي أثبتت أن الانفتاح لا يعني بالضرورة الذوبان الثقافي، بل يمكن أن يكون وسيلة لتعزيز الهوية الوطنية الثقافية، ودولة الكويت تمتلك تراثًا ثقافيًا غنيًا وقيمًا مجتمعية متجذرة، فيها تنوع يجعلها من الدول المستعدة للتوسع والتحول الاقتصادي الجذري، ويمكن توظيف هذه الخصوصية في صناعة اقتصادية ذات طابع محلي، مثل الصناعات الثقافية، والسياحة، والخدمات التراثية، والحفاظ على الهوية الوطنية يتطلب تفعيل مؤسسات المجتمع المدني، وتشجيع الإعلام الوطني لدعم الفنون والتعليم كمكونات للهوية المعاصرة، كما أن إشراك المواطنين في عملية الإصلاح الاقتصادي يعزز من شعورهم بالانتماء، ويجعلهم شركاء حقيقيين، ويجب أن يكون هذا التحول منسجمًا مع هوية الكويت وثقافتها، ليشكل نموذجًا للتنمية المستدامة والمتزنة في المنطقة.
ودمتم سالمين،،،